رؤى من ندوة عبر الإنترنت نظمتها مجلة Entrepreneur في الشرق الأوسط بالتعاون مع هيئة الإمارات للخدمات الصحية في فبراير من هذا العام للاحتفال بطرح إصدار 2022 من برنامج الإمارات تبتكر.
كتب بواسطة علياء مهران أحمد
فيما يتعلق بالأمر الذي يُتوقع أن يغير قواعد مجال الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة، سيتمكن مواطنو الدولة قريبًا من إجراء الاختبارات الجينية المتطورة، والتي ستتيح لهم الحصول على التشخيص المبكر للأمراض الوراثية النادرة والتي كانت تعد غير قابلة للشفاء من قبل. ووفقًا لمدير مكتب الجينوم الإماراتي، فاطمة الكعبي، فإن هذا الاحتمال هو نتيجة لرؤية وضعتها قيادة الدولة، والتي أوشكت حاليًا أن تصبح حقيقة.
خلال ندوة أجريت عبر الإنترنت، نظمتها مجلة Entrepreneur في الشرق الأوسط بالتعاون مع هيئة الإمارات للخدمات الصحية في فبراير من هذا العام، ذكرت الكعبي: “مكتب الإمارات للجينوم، والذي تم تشكيله في يونيو 2021، أتاح الفرصة حقًا لإمداد الدولة بخريطة طريق. وتمامًا مثل قيادة هذا البلد، نعتقد أنه يجب توفير الرعاية الصحية للجميع. ومن ثمّ، يسعدنا أن نعلن أننا وصلنا إلى المرحلة النهائية من وضع استراتيجية التطوير الكاملة للبرنامج، وسنصل قريبًا إلى الموافقة النهائية، وإطلاق البرنامج للجمهور في وقتٍ قريبٍ للغاية”.
أدارت الندوة عبر الإنترنت تمارا بوبيك، مديرة تحرير في مجلة Entrepreneur في الشرق الأوسط. المصدر: مجلة Entrepreneur في الشرق الأوسط
شاركت الكعبي أفكارها حول برنامج الجينوم الإماراتي في هذه الفعالية المنعقدة عبر الإنترنت، والتي تم تنظيمها للاحتفال بإصدار عام 2022 من برنامج الإمارات تبتكر، وهي مبادرة مدتها شهر أطلقتها حكومة الإمارات للاحتفال بالابتكار في الدولة والاعتراف به وتقديم الدعم له. وإلى جانب الكعبي، شارك في الندوة المنعقدة عبر الإنترنت البروفيسور إريك شينغ، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وليفاني ساني، الشريك المؤسس لشركة Nala Genetics، ود. أسماء المناعي، المديرة التنفيذية لمركز الأبحاث والابتكار في دائرة الصحة بأبوظبي، حيث شاركوا رؤيتهم خلال مناقشة أدارتها مديرة التحرير في مجلة Entrepreneur في الشرق الأوسط، تمارا بوبيك.
د. أسماء المناعي، المديرة التنفيذية، مركز البحوث والابتكار، دائرة الصحة – أبوظبي. المصدر: دائرة الصحة – أبوظبي.
علم الصيدلة الجيني هو دراسة مدى تأثير العقاقير الطبية على الجينوم البشري، وهو التركيب الجيني الكامل لشخص معين. ولكن بالنظر إلى طبيعة الجينوم ذاتها (فكل شخص لديه مجموعة فريدة من الجينات)، فهو فرع من فروع الطب الدقيق والذي نما نموًا تدريجيًا على مر السنين، وفي دراسة أجرتها شركة Statista في عام 2021، نلاحظ أن هذا المجال سينمو إلى لما يُقارب 9 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028. وتعليقًا على هذا التوجه ذكرت د. المناعي: “نحن نشهد تحولًا مفاجئًا في نظام الرعاية الصحية في الوقت الراهن، حيث يتجه كل شيء نحو الطب الدقيق والشخصي. ولكن، من المهم أن يعرف الجمهور أن تطبيق الطب الدقيق والشخصي يعتمد بشكل كبير على جينوم الشخص ذاته. ولكن، من جانبنا، يمكننا أن نؤكد أن تنفيذ استراتيجية الجينوم الإماراتية وضع إطارًا تنظيميًا فعالًا وآمنًا لضمان تطبيق وممارسات البحوث السريرية بالإضافة إلى أن أصبحت علاجات الجينوم آمنًة ومتاحة لمواطنينا.”
وهذا هو سبب أهمية برنامج الجينوم الإماراتي البالغة. فعلى الرغم من التطورات الحديثة في الأبحاث الجينية الدوائية، فإن غالبية العينات الجينية المستخدمة عالميًا هي في الأساس من الولايات المتحدة وأوروبا. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن يكون برنامج الجينوم الإماراتي رائدًا في تحقيق المزيد من التقدم في اختبارات الجينوم في الشرق الأوسط. ففي الواقع، أكدت الكعبي أن النقص المستمر لدى الإمارات العربية المتحدة في التمثيل من حيث البيانات الجينومية كان دافعًا كبيرًا للمضي قدمًا بهذه المبادرة. وأضافت “معظم البيانات المتاحة أصلها من أوروبا والولايات المتحدة، لذا فإن ما نتناوله في البحث يعادل 0.01٪ من البيانات فحسب. لذا، نعم، نحن نبني إستراتيجية الجينوم الإماراتي، ولكن في الخلفية نقوم أيضًا ببناء الجينوم المرجعي الإماراتي الخاص بنا. لأنه عندما يكون لدينا مرجعنا الخاص، يمكن اكتشاف الأجزاء المفقودة من اللغز الذي نحاول تفسيره، والتي يمكن أن تثبت في المستقبل أنها إجابات محتملة للأمراض الجينية أو الأمراض الأيضية.”
عناصر ذات صلة: من أجل رعاية صحية متميزة مستقبلًا، يعد التعاون بين القطاعين العام والخاص أمرًا أساسيًا
في حين أن علم الصيدلة الجيني هو فرع من فروع العلوم الطبية الذي تم اكتشافه لأول مرة في عام 510 قبل الميلاد من قبل الفيلسوف اليوناني فيثاغورس، فمن الواضح أن تطبيقاته اكتسبت زخمًا مجددًا مع ظهور التكنولوجيا. وعلى وجه التحديد، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) أثبت أن له جدوى كبيرة عندما يتعلق الأمر بتحليل مجموعات البيانات السريرية والبيولوجية الكبيرة. وأشار شينغ “عندما نتحدث عن الجينوم والحمض النووي، من المهم أن نعرف أننا لا نتحدث حول كتابب وأن الأمر لا يحتاج إلى شرح المعلومات البيولوجية أو الرسائل الجينية؛ فالأمر بمثابة لغز. وهذا اللغز مكتوب بأربعة أحرف: A، T، G، C، لذا، لفهم تسلسل الجينوم في أحد المجتمعات فإننا بحاجة إلى بعض المعلومات القابلة للتنفيذ، مثل بنية البروتين أو العلامات المائزة والتنبؤات بمرض ما، ومن ثمّ ستكون بحاجة إلى مترجم. ومن ثمّ، فإن الذكاء الاصطناعي يشبه المجهر الرقمي الحديث لفهم المعلومات البيولوجية الرقمية”.
أوضح شينغ أيضًا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتيح فهم الآلية الكامنة وراء المرض، والخطر بين مجموعة سكانية معينة، فضلاً عن العواقب الفيزيائية الحيوية لاستخدام دواء معين. وأضاف: “عندما يتعلق الأمر بالطب الدقيق، سيتطلب الأمر تخصيص كافة الاكتشافات العلمية التي تحتاج منا مزيدًا من النظر عن كثب إلى دقة الاكتشاف حول كل فرد. وهذا يعني أننا بحاجة إلى خوارزميات ذكاء اصطناعي أكثر قوة حتى نتمكن من توفير تشخيصات أو تنبؤات شخصية دقيقة للغاية. لذا، فإذا كان لدينا في هذا الصدد روبوتات يمكنها مساعدة الأطباء والممرضات وكذلك العلماء، يمكننا تسريع العمليات الحالية ومنح الأطباء المزيد من الطاقة البشرية للقيام بالجزء الأصعب من العمل.”
إلا أن العامل الرئيسي وراء التبني الأكبر لعلم الصيدلة الجيني وتطبيقاته السريرية والاستخدام الأوسع للذكاء الاصطناعي في هذا المجال هو، في الواقع، أزمة كوفيد-19. فبحسبما ذكرته ساني، كان لوباء كورونا دورًا رئيسيًا في التأثير وفي تغيير الطريقة التي ينظر بها مختلف أصحاب المصلحة إلى مجال الطب الدقيق. وأضافت: “لقد غيرت أزمة كوفيد-19 بالتأكيد من النظرة العامة للأمر، كما أنها أحدثت أيضًا اختلافًا من حيث مستوى إلحاح الأمر لدى الحكومة، وكيف تعاونت الجامعات والأطراف الأخرى سويًا لمعرفة ما يمكن أن تحققه هذه التقنية. لذلك، فقد كان ذلك وقتًا مثيرا للغاية للمساهمة في هذه الصناعة اليوم.”
ومع ذلك، سارعت ساني أيضًا إلى الإشارة إلى أن الاهتمام المتزايد المفاجئ بعلم الجينوم انطوى أيضًا على قدر غير قليل من التحديات. حيث ذكرت ساني “لكي تكون الأمور تجارية وذات صلة بالمرضى، فهناك الآن الكثير من المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومات للتوصل إلى سياسات أمان البيانات، وأن يكون لدى المستشفيات أنظمة التشغيل البيني فجأة، وأن تدرك الشركات أن هذا شيء يمكن أن يعود بالنفع. لذا من المهم الموازنة بين كل وجهات النظر هذه. إلا أن الإثارة في هذا المجال تكمن في حقيقة أن الاستخدامات المستقبلية يمكن أن تخضع للاختبارات الجينية التي تغطيها الكثير من شركات التأمين وتجعلها استخدامات معيارية، ويمكن إصدار إرشادات محلية لإجراء اختبارات شخصية مختلفة في علم الصيدلة الجيني. لذا، أعتقد أن الاحتمالات لا حصر لها!”
واتفق د. المناعي مع ما ذكرته ساني، قائلاً إن دائرة الصحة في أبوظبي حريصة على إنشاء نظام بيئي يتيح تطبيق علم الجينوم السريري داخل نظام الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وأضاف: “من خلال هذا التحول، سننتقل من صورة مقدم الرعاية الصحية التقليدي إلى تقديم نهج تعاون أكاديمي شامل، بين القطاعين العام والخاص، لتوفير أفضل استخدام لتقنيات الطب الجيني للمرضى. ولذلك، فنحن نعمل على نموذج التشغيل البيني هذا وعلى موائمة البنية التحتية من حيث مشاركة البيانات، والأدوار والمسؤوليات المختلفة لكل من أصحاب المصلحة داخل النظام البيئي الأوسع. ونعتقد أن ذلك ممكن. وفي الوقت نفسه، نعمل على دعم الإطار التنظيمي أيضًا من خلال محاولة التنبؤ بالاحتياجات الخاصة بمواطنينا، وباللوائح التنظيمية التي يجب وضعها لضمان التبني السريع للاكتشافات والتقدمات الجديدة في نظام الرعاية الصحية لدينا في أبو ظبي”.
وفي الختام، ذكرت الكعبي إنها تعتقد أن المستقبل مشرق من حيث دور الإمارات في النهوض بمجال الرعاية الصحية من المنظور العالمي. وذكرت: “أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لدولة الإمارات العربية المتحدة لتكون رائدةً في علم الجينوم البشري. حيث نستهدف أن نكون نحن المقياس وأن نضع معايير هذه الصناعة. وأنا أؤمن بهذا بسبب نظام الرعاية الصحية الحالي لدينا، إلى جانب رؤية قيادة البلاد”.