entrepreneuralarabiya – خاص
أشارت العديد من الدراسات إلى التأثيرات المحتملة للثورة الصناعية الرابعة على أساليب حياتنا وعملنا، إلا أن قدرة التكنولجيا الحديثة على سد الفجوة بين الجنسين قد تم التغاضي عنها إلى حدّ كبير. وتدير المرأة واحدة من بين كلّ ثلاث شركات ناشئة في العالم العربي، وهي نسبة تتجاوز بكثير مشاركة المرأة في وادي السيليكون الذي تشكل الأعمال النسائية فيه نسبة 17% فقط من المجموع الإجمالي.
وبعبارة مبسّطة، تسهم التكنولوجيا، بالفعل، بدور مُساعد في الشرق الأوسط، لتتجاوز بذلك القيود الثقافية، وتوفر الحلول لمشكلات الأمن والسلامة والتكلفة، مثل التنقل والمواصلات ورعاية الأطفال. وبالاستفادة من إمكانيات الإنترنت القوية، يمكن للمرأة اكتساب المال، وإطلاق الأعمال التجارية، والتفاعل مع الموردين الدوليين، والبيع للعملاء، كل ذلك بدون الحاجة لمغادرة منزلها حال رغبتها بذلك. ومع وصول مشاركة المرأة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى مرحلة النضج، يمكن للموجة التكنولوجية القادمة أن تتيح لها المشاركة بدور مساوِ للرجل كمساهِمة في ابتكار القيمة.
ومع استيعاب وتعزيز هذا التوجه من خلال السياسات الذكية والبنية التحتية الداعمة، يمكن مساعدة المنطقة على تحقيق المكاسب التي تضمن لها نمواً اقتصادياً أوسع. كما يمكن لإزالة الحواجز التقليدية العالية التي تعترض سبيل ريادة المرأة للأعمال أن تعود بالفائدة على الاقتصاد بأكمله. وتشير تقديرات شركة “ماكينزي” إلى أن زيادة مشاركة المرأة وحدها في القوى العاملة قد تضيف 600 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بحول عام 2025. والأعمال المملوكة للمرأة تحقق الفائدة للجميع، حيث أثبتت تلك الأعمال أنها أكثر إنتاجية بنسبة تقارب 1.7 من الأعمال المملوكة للرجال، كما أنها تحقق ضعف إيرادات التمويل.
التعليم والدمج
في منطقة الشرق الأوسط حالياً، تتلقى المرأة تعليمها بصورة أفضل من السابق، ويتم التعامل بالتساوي مع الجنسين ضمن قطاعات العلوم والأبحاث، بحسب بيانات اليونسكو. وتمثل المرأة نسبة تتراوح بين 34% و57% من إجمالي الخريجين في قطاعات العلوم والهندسة والزراعة في المنطقة. ومن ناحية أخرى، تعمل القيم التقليدية المحافِظة على إعاقة تحويل هذا التعليم إلى دور حقيقي للمرأة في القوى العاملة، وتبقى كثير من النساء بشكل تلقائي في منازلهن، وفقاً لاختيارهن، أو نتيجة للضغوط الثقافية أو الاجتماعية أو العائلية.
ومع ذلك، تتيح لهن التكنولوجيا الحديثة، مثل إنترنت الأشياء، إمكانية استغلال أوقاتهن بصورة أكثر إنتاجية، بدون الحاجة لمغادرة منازلهن. وتدير المرأة العربية الآن علامات تجارية هامة في قطاعات الأزياء والتجميل، ووكالات التواصل الاجتماعي وشركات التطبيقات والوساطة التجارية.
وتسعى اقتصادات دول المنطقة إلى اجتذاب مزيد من النساء الشابات نحو العمل لدى الشركات اعتماداً على سياسات منهجية مصممة، وعبر تسهيل أكبر في توفير رأس المال اللازم للشركات الناشئة. وتعود أسباب نجاح عدد من البلدان في إحداث التغيير إلى الجهود المتضافرة على جبهات عدة، بدءاً من البنية التحتية الشاملة، ووصولاً إلى تسهيل الحصول على التمويل والتدريب للشركات الناشئة.
وتقدم مملكة البحرين، على سبيل المثال، مقاربة متكاملة تشمل السياسات المنهجية، والبنية التحتية منخفضة التكلفة، وصولاً إلى توفير رأس المال اللازم للشركات الناشئة، ومساعدتها في التواصل. وأدخلت البحرين احتياجات المرأة في قلب استراتيجتها الوطنية الرامية لتحقيق رؤية البلاد الاقتصادية 2030، مثل خطة عمل الحكومة، عقب مشارواتها مع صندوق النقد الدولي حول وضع الموازنة بمراعاة الجنسين ضمن الميزانية الوطنية. كما تعمل الشراكات القائمة بين القطاعين العام والخاص، مثل المحفظة المالية لتنمية المرأة البحرينية البالغة قيمتها 100 مليون دولار، على تمكين رائدات الأعمال الطموحات، من خلال تقديم الدعم المالي والتدريب والمشورة اللازمة لهن، لمساعدتهم في إطلاق مشاريعن التجارية الخاصة.
ويمتد دعم المرأة ليشمل تطوير الأعمال والشبكات، حيث أسهمت المرأة بدور هام في القطاع المالي على مدى عقود. وشكلت النساء نسبة 39% من القوى العاملة في القطاع المالي، كما شغلن نسبة 33.2% من المناصب الإدارية. ويأتي هذا التطور كنتيجة طبيعية لمكانة البحرين البارزة كمركز إقليمي للخدمات الاقتصادية في قطاع التكنولوجيا المالية، أو ما يدعى “فينتيك”. وتحرص مبادرة “المرأة في التكنولوجيا المالية” الخاصة بالنساء الرائدات في هذا القطاع، على العمل الوثيق مع مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين لمعالجة التحديات وإزالة العوائق التي تعترض سبيل المرأة في هذا المجال.
وعلى نطاق أوسع، تعود المبادرات الوطنية الأخرى بالفائدة على أصحاب المشاريع ضمن مختلف القطاعات، حيث تعدّ البحرين واحدة من أكثر البلدان فعالية من حيث التكلفة في إطلاق الأعمال الجديدة. وتقدر شركة “كيه بي إم جي” أن تكلفة إطلاق نشاط تجاري جديد تقلّ بنسبة 35% عن مثيلاتها في البلدان الأخرى. ومن ناحية أخرى، عززت البحرين من جاذبيتها الاقتصادية عبر ترسيخ بنيتها الرقمية التحتية لتسهم في تزويد الشركات المصنعة بالمنشآت الجاهزة للتشغيل، مدعومة بتقنيات مستقبلية مثل شبكة الجيل الخامس G5، وستكون البحرين واحدة من أولى دول العالم في اعتماد البروتوكول الجديد لهذه التقنية، لتمكين رواد الأعمال من الوصول إلى أعلى كفاءة ممكنة لاستخدام الإنترنت الآلي في إنجاز العمليات التجارية.
بيئة العمل الريادية
أسهمت المبادرات السابقة معاً في إنشاء بيئة عمل تتيح للشركات الجديدة فرصة للنمو والازدهار. وتتميز البحرين حالياً بمستوى متعادل بين الجنسين في ملكية الأعمال، حيث تحظى النساء بنسبة 49% من إجمالي التسجيلات التجارية في المملكة، بحسب الاحصاءات التي كشفت عنها مؤخراً جمعية الأمم المتحدة الثالثة والستين حول وضع المرأة، والتي أقيمت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
ويجدر التنويه إلى ماحققته دول مجلس التعاون الخليجي في إظهار كيفية تمكين المرأة من القيادة والابتكار، وفتح قنوات التنمية الاقتصادية ضمن القطاعات الجديدة، ووضع نماذج راسخة لعمل الأجيال القادمة، في مؤشر قوي على ما يمكن إنجازه في هذه المنطقة الحافلة بالتحديات.