بقلم : دانيال هارت – المدير التنفيذي لشركة ماستر كي
مع الانتشار الواسع النطاق للتحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي عبر مختلف المجالات، لم تسلم الكثير من الأعمال التقليدية والمهن العريقة من موجة التغيّر الجذري، فهل ما زال ثمة دور للوسطاء العقاريين بعد التحوّل الكبير الذي عصف بأسلوب بحثنا وشرائنا واستئجارنا للمساحات السكنية والتجارية؟
من المؤكد أنّه سؤال ورد في أذهان جميع الوسطاء العقاريين أثناء تفكيرهم بمستقبلهم الوظيفي. وبالمثل، قام مشترو ومستأجرو العقارات – خاصة أولئك الذين مروا بتجارب مُعقدة أثناء إنجاز معاملاتهم العقارية – بتقييم مدى القيمة الفعلية التي يضيفها الوسطاء إلى تجربتهم العقارية.
مشهد متغيّر من جديد
تُعتبر خدمات مثل مواقع Booking.com وExpedia أمثلة تستحق الذكر عند وصف التغيير الرقمي الذي عصف بقطاع السفر، ونتج عنه إلغاء فعلي للحاجة إلى وسيط لحجز الخدمات. وأصبح “الابتكار أو الزوال” شعار وكالات السفر، حيث تمكن هؤلاء الأكثر ابتكاراً من إيجاد أساليب جديدة للبقاء في المنافسة، وذلك عبر تعزيز تجربة العميل والفهم الشخصي لاحتياجاته، وإقامة الشراكات التي غالباً ما تكون فريدة من نوعها، للمساعدة في توفير الوقت والمال والجهد للمسافر.
وقد أدى تنامي إدراك المستهلكين بمختلف وسائل النقل وخيارات الإقامة وباقات العطلات إلى قيامهم بالحجز مباشرة مع مقدمي الخدمة، أو الاستعانة بسلالة جديدة من وكلاء السفر تحت إسم “مصممي السفر”. وفي الواقع، وجدت الدراسات، على نحو غير متوقع، أنّ قادة هذا الاتجاه المتنامي هم جيل الألفية الشباب من محبي السفر.
تطوّر نماذج الأعمال وليس إلغاؤها
هل ستلعب التكنولوجيا دور الداعم أم المستبدل؟ ففي حين أصبحنا قادرين بفضل التكنولوجيا على البحث عن العقارات وعرضها واختيارها وشرائها دون الحاجة إلى تدخل شخص وسيط، فإن حقيقة الأمر هي أنّ البشر بطبيعتهم يطمئنون إلى التعامل والتفاعل مع البشر الآخرين.
وينطبق ذلك بشكل خاص عند الإقبال على الصفقات الكبيرة. بحيث يُرحب المشترون بوجود طرف بشري ذكي يشاركهم المشورة والآراء المجدية، ويمكنه الإجابة على تساؤلاتهم ومعالجة شكوكهم وتوفير الطمأنينة استناداً إلى حوار ثنائي.
ويمكن للوكلاء العقاريين تسخير التكنولوجيا لتحفيز هذا التوجه عبر استخدامها كإطار عمل لبدء وإدارة وتعزيز العلاقات. كما يمكن للتكنولوجيا توليد جميع العقود اللازمة تلقائياً، وتسهيل إيصال العروض إلى العميل، وأرشفة معاملات العملاء لتعظيم التفاعل معهم، وإيجاد العقارات الأنسب لهم، والتسويق لجماهير محددة بأساليب محببة تقدم قيمة أكبر.
العلاقات البشرية هي الأساس
يدرك الوكلاء أنّ العلاقات الجيدة هي الأساس، لذا فإنهم الأكثر قدرة على تقديم المعلومات القيمة التي يمكنها التأثير على قرارات العملاء وتجنيبهم الخيارات الاستثمارية السيئة على المدى الطويل. ويحصل الوكلاء الجيدون على عمولاتهم عبر الكشف عن التفاصيل المناسبة في الوقت المناسب، مثل الإفصاح عن خيارات المدارس في الجوار بعد ملاحظة مقعد الطفل في سيارة العميل، أو عن طريق ربط مشتر محب لكرة القدم بالمجتمعات المحلية ذات الاهتمامات المماثلة. فتفكير هؤلاء يتجاوز مجرد إتمام الصفقة، ويمتد للتأكد من راحة ورضا العميل لسنوات طويلة قادمة.
ولطمأنة العملاء أثر عميق على النفوس، خاصة عندما يحين وقت التوقيع على عقود معقدة طويلة الأمد. لذا فرغم تمكن التكنولوجيا من تبسيط التعليمات من خلال التوليد الذكي لعقود الإيجار، نادراً ما يقبل الأفراد على التوقيع على الشروط دون مناقشتها مع طرف بشري.
وخلاصة الحديث هي أن التكنولوجيا ستلعب دور المُيسّر أكثر من كونها المُعسّر في المجال العقاري. والمزيج الأمثل لتقديم أفضل النتائج للوكالات والمستهلكين على حد سواء هو الجمع بين أفضل ما يقدمه العاملان البشري والتكنولوجي معاً. وذلك عبر توظيف التكنولوجيا لتقديم تجربة عالية الجودة وضمها إلى جهود الوكلاء المحليين.