أحياناً تكون البدايات غير سارة ولا تبشر بالخير الكثير، لكن تعلمنا الحياة دائماً أن مقولة «يعرف الكتاب من عنوانه» هي مقولة غير صحيحة على الإطلاق. يؤكد على ذلك قصص كثيرة لأشخاص بدأوا حياةً مؤلمة لكنهم قلبوا أقدارهم وتحولوا إلى مناراةٍ تلهمنا العزيمة والأمل.
لم يترعرع «لارى إليسون» في حضن عائلته الحقيقية. لم يتخرج من الجامعة بل رسب عندما التحق بجامعتي شيكاغو وايلينوي في أوربانا. لم يبدأ حياته بأي هدف. لاري إليسون لا يعرفه الكثيرون لكنه رجل أعمال أمريكي مؤسس شركة أوراكل.
ولد «لاري إليسون» في مدينة نيويورك كان والده طيارا فى سلاح الجو الأميركي، تقاعد الأب بسبب الإلتهاب الرئوي، عندما كان عمر لارى فى تسعة أشهر، أعطته والدته إلى خالته وزوجها في شيكاغو ليربياه، ولم ير أمه الحقيقية مرة أخرى.
نشأ في شقة صغيرة مكونة من غرفتين جنوب المدينة، ولم يكن يعرف أن من يعيش معهم هما والداه بالتبني إلى أن بلغ الثانية عشرة من عمره، عندما خسر والده بالتبني أنشطته العقارية في الكساد الكبير فعاش على الكفاف.
وكانت أمه بالتبني بأنها كانت حنونة، محبة وتملك محبة العالم كله فى قلبها، وعلى العكس كان يذكر أبوه بالتقشف وأنه لم يكن داعما له.
عرف «لاري» منذ طفولته بحبه للإستقلال ولذلك أبدى إندفاعاً ثورياً في طفولته وكثيراً ما تصادم مع والده، وفي سن مبكر أظهر شغفاً قوياً بالرياضيات والعلوم، أما الشيء اللافت للإنتباه فهو أن العلاقات الشخصية لم تكن من بين أولويات لاري حيث يقول: «عندما كنت طفلاً جاءت أختي إلى حجرتي، وقالت: لاري، ما الأهم بالنسبة لك أن تحظى بالتقدير أم بالحب؟ فقلت لها بالنسبة لي شخصياً أن أحظى بالتقدير، فقالت مبتسمة خطأ، ويضيف: استغرقت وقتاً طويلاً لكي أدرك أن كلا منا يريد أن يحظى بالحب، فأن تكون محبوباً أكثر أهمية من أن تحظى بالتقدير».
تخرج «لاري» من «Eugene Field»الإبتدائية في شيكاغو في يناير 1958، ثم تخرج من مدرسة «Sullivan» ثانوية عام 1959 ورسب بها مره واحده، وغادر جامعة « Illinois» بعد سنته الثانية فيها، بسبب عدم حضوره الإمتحانات النهائية، لأن والدته بالتبني قد توفيت للتو، وبعد قضاء الصيف في شمال ولاية كاليفورنيا، إلتحق إليسون بجامعة «شيكاغو» وتركها بعد الفصل الأول، وأيقن والده حينئذ أن «لاري» لن يمكنه فعل أي شيء بنفسه.
بدأ حياته العملية بلا هدف يذكر، وعمل «لاري» في مهن مختلفة تتعلق بمجال الحاسبات الآلية، حتى جاء ذلك اليوم الذي قرأ فيه تقريرا أعده قسم الأبحاث بشركة «IBM» يصف إحدى البرمجيات القادرة على تحليل البيانات، ولكن فريق شركة «IBM»لم يعمل على تحقيق تلك الفكرة، ولكن تعلق بالفكرة وأحب مجال البرمجيات.
بدأ بالعمل فى شركة «أمدال» فى عام 1970، وفي عام 1977 أسس «لاري» مع اثنين من زملائه هما «روبرت ماينر» و»إد أواتيز» شركتهما الخاصة باسم «سوفت وير ديفلوب منت لابس» بإستثمار يتراوح من بين 1200 دولار إلى 2000 دولار، ومنذ البداية عمل إليسون كرئيس تنفيذي للشركة، وبدأ المشوار الحقيقي لشركة «لاري» من خلال بحث بعنوان «نموذج علاقة البيانات بين البنوك الكبرى» لتحليل البيانات.
فاز «لاري» وشريكاه بعقد مدته عامان لبناء نظام إدارة قاعدة بيانات رابطة لوكالة الإستخبارات المركزية (سي آي أيه)، وكان الإسم الرمزي للبرنامج هو «أوراكل»، ولكن الشركاء الثلاثة أنهوا المشروع قبل عام من الموعد المحدد، وقضوا الوقت الإضافي في تطوير نظامهم للتطبيقات التجارية، وأطلقوا على برنامجهم التجاري اسم «أوراكل» أيضاً.
وفي عام 1980 كان لدى الشركة 8 موظفين فقط وبلغت إيراداتها أقل من مليون دولار، لكن في العام التالي تبنت شركة «آي بي أم» مشروع «أوراكل» بسبب أنظمتها الحاسوبية، ومن ثم تضاعفت مبيعات الشركة كل عام ولمدة سبع سنوات، وأصبحت قيمة الشركة التي كانت تقدر بمليون دولار أكثر من مليار دولار.
عاد إليسون تسمية الشركة «أوراكل كوربوريشن» بإسم أفضل منتجاتها مبيعاً، لأن برمجيات «أوراكل» تعتبر مثل العقل المفكر للشركة، وهى التى ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي كانت تمثل العميل الأول للشركة، وكانت تعمل الشركة على فحص وتدقيق المعلومات الإستخباراتية التي تقوم بجمعها من جميع أنحاء العالم.
كما أن شركة «فورد» لصناعة السيارات تستخدم برمجيات «أوراكل» للحصول على البيانات وتحليلها، بداية من مبيعات السيارات وإنتهاءً بحساب حوافز الموظفين.
ويستخدم البرنامج على نطاق واسع في ماكينات الصرف الآلي «أيه تي أم» وبرامج حجز تذاكر الطيران أو الشراء عبر مواقع الإنترنت.
أدى التنافس بين الشركات إلى تراجع «أوراكل» من عام 1990 إلى عام 1993، وكانت «سايبيس» الشركة الأسرع نموا في البرمجيات الإدارية فى ذلك الحين، ولكن سرعان ما سقطت ضحية لهوس الإندماج، و أدى الإندماج «سايبيس» مع «بورسوفت» إلى فقدان التركيزعلى تكنولوجيا قاعدة البيانات الأساسية، وفي عام 1993 باعت «سايبيس»حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها التي تعمل تحت نظام التشغيل «ويندوز» لشركة «مايكروسوفت»، وتصدرت «أوراكل» المشهد مره ثانية.
تم طرح أسهم «أوراكل» للإكتتاب العام في 1986، إذ جمعت نحو 31.5 مليون دولار، لكن فريق العمل في الشركة من الشباب المتحمسين إعتادوا المغالاة في إيراداتها، وتكبدت الشركة في عام 1990 أولى خسائرها، وبدت على شفا الإفلاس.
وقبولاً من «لارى» بضرورة التغيير الجذري، إستبدل معظم مديري فريق العمل الأصلي بمديرين أكثر خبرة، وكثف طاقته الشخصية لتطوير المنتج، وتم إطلاق النسخة الجديدة من برنامج قاعدة البيانات «أوراكل 7» في عام 1992 واكتسح السوق، وهو ما جعل الشركة قائدة قطاع برامج إدارة قواعد البيانات، وفي غضون عامين استعاد سهم الشركة معظم قيمته السابقة.
في بداية عام 2004 اتجه «لاري» إلى زيادة حصة «أوراكل» السوقية من خلال سلسلة من الإستحواذات، وأنفق أكثر من 25 مليار دولار في ثلاث سنوات فقط لشراء مجموعة من الشركات الصغيرة والكبيرة المصنعة لبرامج إدارة البيانات والهوية وتخزين وتزويد البرامج، وكان أول وأكبر إستحواذاته على شركة «بيبول سوفت» التي إشتراها في نهاية عام 2004 مقابل 10.3 مليار دولار.
وقبل أن يجف حبر عقد الصفقة الأولى، تغلب «لاري» على الشركة المنافسة «ساب»الألمانية ليستحوذ على مطور برامج التجزئة «ريتك»، وفي غضون العام التالي إستحوذت شركته أيضاً على منافستها «سيبل سيستم».
وواكب «لاري» سلسلة الإستحواذات هذه بشراء مزود البرامج المعلوماتية «هيبرون سوليوشنز» في عام 2007، وبعد عامين في خضم الركود العالمي، تصرف إليسون مرة أخرى بجرأة، حيث استحوذ على مصنع برامج وأجهزة الكمبيوتر«صن مايكروسيستمز» مقابل 7.4 مليار دولار.
وجهت إتهامات ل «لاري» بأنه يقتل منافسه، ولاسيَّما عندما كان يخوض معركته للإستحواذ على شركة «بيبول سوفت» المنافسة، حيث كان من شأن الصفقة أن تؤدي إلى طرد آلاف العمال، فيما كان يفعل كل ذلك من أجل غاية واحدة هي أن يجعل «أوراكل» الشركة الأولى لصناعة البرمجيات في العالم.
وهو الأن يمتلك ثروة هائلة وتقدر بـ 43 مليار دولار وهو خامس أغنى شخصية فى العالم بسبب دخوله عالم التكنولوجيا، أقدم «لاري» على بناء منزله أحضر له عمالاً من اليابان، وتم تجميعه بشكل كامل على الطريقة اليابانية، وإستغرق العمل فيه عشرة أعوام، وكلفه أكثر من 100 مليون دولار، كما أن البحيرة الصناعية التي أنشأها مقاومة للزلازل، ومحاطة بثلاث طبقات خرسانية، وقام فنان ياباني بإنتقاء آلاف الحجارة المحيطة بتلك المنازل، حيث تعتبر عملاً فنياً بذاته، وقد تم جمع الأحجار لتبدو كأنها وضعت بصورة طبيعية منذ ملايين السنين. ويمتلك «لاري» مجموعات لا تقدر بثمن من دروع الساموراي التي تعود إلى القرن السادس عشر.
عشق «لاري» الرياضات الخطرة مثل تسلق الجبال والتزلج على الأمواج، فرغم خضوعه لجراحة خطيرة فى أحد المرات واصل السباق من خلال اليخت الخاص به « سايونارا» الذي يبلغ طوله 78 قدماً.
وفي عام 1998 فاز «لاري» بالسباق من سيدني إلى هوبارت، متغلباً على ما يشبه رياح الإعصار التي أدت إلى غرق 6 مشاركين و5 يخوت أخرى.
ويعد «لاري» داعما أساسيا لفريق «بي أم دبليو أوراكل» الذي كان بمثابة قوة كبيرة في المنافسة على كأس أميركا، ويعتبر يخته «رايزنغ صن» والذي يزيد طوله على 450 قدماً، واحداً من أكبر المراكب الخاصة في العالم.
سئل يوماً لاري عن سبب نجاحه فقال:» ن الذي أنجح من أجله؟ هل أنجح من أجل حاملي أسهم شركة أوراكل؟ أم أن الأمر لا يتعدى مسألة إشباع غرور شخصي؟ أعترف أن جزءا كبيرا من ذلك هو إشباع غرور شخصي، وأعتقد أننا مهتمون بأنفسنا، فنحن مهتمون بحدود شركتنا ونحاول أن نكتشفها، والكثير مما يجعلني قادرا على الإستمرار والمواصلة هو اهتمامي وشغفي بأي مدى يمكن أن أصل إليه، وإلى أي مدى يمكن لشركة أوراكل أن تصل إليه، وهما صنوان لا ينفصلان أبدا.ٌ