بقلم: مايكل آرمسترونغ – المحاسب القانوني المعتمد والمدير الإقليمي معهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا
تجبر أزمة فيروس كورونا العديد من الأشخاص على العمل من منازلهم، لتقليل التواصل الاجتماعي والحد من المخاطر المرتبطة بانتشار العدوى. ومع ذلك، قد تـقـرّر المؤسسات الاستمرار في السماح بمزيد من المرونة في بمجرد انتهاء الأزمة، حيث يرون المزايا العديدة للموظفين، والفوائد التي تعود على أصحاب الشركات الراغبة في تبنّي ممارسات أكثر مرونة لتأدية مهام العمل.
ووفقاً لاستطلاع الرأي العالمي لأماكن العمل 2019 من شركة IWG، يعمل 50% من الموظفين في العالم خارج مكاتبهم الرئيسية ليومين ونصف على الأقل في الأسبوع. وكشفت الدراسة أيضاً أنه عند تلقي عرضين متشابهين للتوظيف، فإن 80% من المتقدمين للوظيفة يرفضون العرض الذي لا يتضمن خيارات العمل المرن.
ولقد تداولات العديد من المقالات المنشورة رغبة الموظفين في العمل بمرونة أكبر، لكن لا يبدو أن أحداً يُخاطب أصحاب الشركات التي يتوقع منها تنفيذ مفهوم العمل المرن. وقد يكون إنشاء مثل هذه الأنظمة أمراً صعباً، وفي أغلب الأحيان تُترك هذه المهمة لصانعي القرار الذين قضوا حياتهم المهنية بالكامل متشبّــثين بفكرة أن ساعات العمل الطويلة في المكتب هي الطريق إلى النجاح، دون خبرة سابقة في أساليب العمل الأخرى.
كيف تفعل ذلك؟
تعتمد معادلة النجاح على ثلاثة عناصر محورية، هي: الثقة، والعمل الجماعي، والتكنولوجيا.
إن وجود ثقافة مؤسسية تكافئ الجدارة والمهارة بدلاً من مجرّد الحضور لمكان العمل يعزّز من الثقة. ومن أجل تعزيز فعالية الموظفين في بيئة مرنة للعمل، يجب منحهم الاستقلالية للتحكم في وقتهم، وتحديد أولويات المهام المنوطة بهم.
ومن المفيد اعتماد نموذج لتغطية فريق العمل. فمعرفة العملاء أنه بإمكانهم التحدثّ إلى أعضاء آخرين في فريق العمل عند غيابك يمنحهم الطمأنينة، كما يُظهر مستوى عالٍ من التكامل والتنسيق داخل الشركة. وإذا كنت تعمل بمرونة، فأنت بحاجة في بعض الأحيان إلى أن تكون قادراً على تعهيد مهام العمل وعبر مستويات مختلفة، وأن تعرف أن الآخرين على استعداد لتغطية فترات غيابك دون استياء.
وسيكون من المستحيل التحدث عن العمل عن بُعد دون الاعتراف بدور التكنولوجيا كعامل رئيسي داعم لحرية التنقل. وهناك العديد من الأدوات التي يمكن أن تساعد الموظفين على البقاء على اتصال بالشبكة بصورة افتراضية. ولقد تحسنت تطبيقات مؤتمرات الفيديو بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث يمكنك بسهولة الاشتراك في خدمات مثل “سكايب” أو “زووم” لإجراء الاجتماعات الافتراضية. وهناك بالطبع مخاطر محتملة من الهجمات السيبرانية الخبيثة، لا سيما مع زيادة اعتماد المؤسسات لمفهوم العمل عن بُعد، والخدمات عبر الإنترنت. لذا، يجب على المؤسسات أن تولي اهتماماً خاصاً لممارسات العمل بالمنزل لضمان إدارة المخاطر السيبرانية بقدر الإمكان، وأن تتأكد من أن الموظفين لديهم الموارد التي يحتاجونها للعمل بأمان.
عامل داعم آخر للعديد من التقنيات الناشئة هو الجيل الخامس – والذي يشكّـل الجيل التالي من تقنيات الهاتف المتحرك. وبمجرد استكمالها، ستوفر تقنيات الجيل الخامس سرعات أعلى، وموثوقية أفضل، وقدرات أكبر للأفراد والشركات.
ماذا يحدث إذا أساء أحد ما استخدام مفهوم المرونة؟
إذا كنت تُـصر على أن كل شخص يجب أن يتواجد في المكتب بحلول الساعة 9:00 صباحاً، فمن المفترض أن يكون لديك سياسة تأديبية لمن يفشل في تحقيق هذا الشرط. ولا يختلف العمل المرن عن ذلك. فإذا فشل الموظفون في تحقيق أهدافهم، فإن مديرهم يحتاج إلى التحقيق أكثر في الأمر، ومساعدتهم على تغيير سلوكهم.
ما هي الفوائد التي تعود على أصحاب الشركات؟
توفر ترتيبات العمل المرن العديد من الفوائد لأصحاب الشركات، وتشمل:
- يمكن للموظفين في كثير من الأحيان العمل بضع ساعات من المنزل في حالة الإصابة بأمراض طفيفة أو إذا مرض أطفالهم، بدلاً من فقدان يوم عمل كامل.
- يمكن للشركات زيادة عدد الموظفين دون الحاجة إلى زيادة مساحة المكتب.
- الشركة على استعداد لاستيعاب العمل عن بُعد في ظروف الطقس القاسية أو الأوبئة، مثل تفشي فيروس كورونا مؤخراً.
- تنافس أقل مع الموظفين الذين يؤسسون شركات خاصة بمفردهم، أو ينتقلون إلى شركات آخر تسمح بمرونة أكبر في العمل.
- قضاء وقت أقل في إعادة دمج الأفراد في القوى العاملة إذا أخذوا فترات راحة قصيرة لتربية الأطفال أو الاهتمام بهم.
- القدرة على الاحتفاظ بالموظفين ذوي الخبرة لفترة أطول ولكن بساعات عمل أقل.
وفي حين أن العمل عن بُعد له فوائد جمّة، إلا أنه لا يخلو من العثرات. قد يكون الحفاظ على الانضباط، على سبيل المثال، أمراً صعباً بشكل خاص بالنسبة لبعض العاملين من المنزل عندما تبدأ المماطلة وتأجيل المهام. وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي العمل بعيداً عن بيئة الشركة أيضاً إلى الشعور بالعُـزلة. وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يستمتعون بالعُـزلة، إلا أن الآخرين يُبدعون مع التفاعل اليومي بين زملاء العمل في المكتب، لذلك من المهم أن يحظى الموظفون بفرصة لاختيار طريقة العمل الأفضل بالنسبة لهم.
إن الطلب على المزيد من المرونة في تصاعد الآن، وسيشكل حجر الزاوية في الأعمال المستقبلية الناجحة. ويمكن أن يؤدي الحصول على هذا الحق إلى تغيير ثقافة الشركة، وتنمية علاقات ذات مستوى قوي من الثقة، وتطوير موظفين بأداء عالٍ، وهو ما يُترجم في نهاية المطاف إلى إحداث أثر إيجابي على نتائج الأعمال.