دبي – خاص
بقلم ماركو أوديتوري، مدير تطوير الأعمال القطاعية للمدن في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، في مايلستون سيستمز
يشهد العالم تسارعاً في وتيرة التمدن، ما يضع المدن أمام تحدٍ جوهري يتمثل في تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التأثير البيئي. ويبرز هذا التحدي بشكل ملحوظ في منطقة الشرق الأوسط، حيث تُعيد عملية التوسع العمراني السريعة تشكيل الملامح الطبيعية وتزيد من انبعاثات الكربون. ومع ارتفاع نسبة سكان الحضر لتتخطى حاجز الـ 80% عالمياً، ومساهمة المدن بدرجة كبيرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، باتت الحاجة ماسة إلى حلول مبتكرة تقود التنمية الحضرية نحو مسار الاستدامة البيئية.
يُعد اعتماد تقنية الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي نقلة نوعية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط تسهم في خفض بصمتها الكربونية وتعزيز استدامتها البيئية. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يملك القدرة على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 10% إلى 30%. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي وحده لا يُشكل حلاً جذرياً لهذه القضية، نظراً لبصمته البيئية التي لا يمكن تجاهلها، إلا أن مساهمته المتوقعة كبيرة ومن المؤمل أن يُحدث تأثيراً ذا مغزى.
يمكن للمدن من خلال نشر شبكة من الكاميرات والمستشعرات، الحصول على معلومات وتحليلات آنية حول أنماط حركة المرور، مما يسمح لها بتحسين حركة المرور وتقليل الازدحام.
وتعتبر إدارة حركة المرور هي أحد المجالات الرئيسية التي يُمكن لتقنية الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تحدث فيها تأثيراً كبيراً. حيث يمكن لسلطات المدن استخلاص معلومات قيمة حول نقاط الازدحام المروري من خلال تحليل البيانات التي يتم جمعها من الكاميرات المثبتة في التقاطعات وعلى طول الطرق. وبناءً على هذه المعلومات، يُمكن اتخاذ إجراءات استباقية مثل تعديل إشارات المرور وتطبيق رسوم مرور ديناميكية، بالإضافة إلى تعزيز استخدام وسائل النقل البديلة مثل المواصلات العامة وركوب الدراجات، وذلك بهدف تخفيف الازدحام وتقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن حركة المركبات.
كما تُقدم أنظمة إدارة النفايات التي يقودها الذكاء الاصطناعي نهجاً واعداً لمدن الشرق الأوسط لتعزيز جهودها في مجال الاستدامة البيئية. إذ يسمح دمج المستشعرات مع صناديق القمامة للجهات المعنية بمراقبة مستويات الامتلاء بشكل لحظي، وتحسين مسارات جمع النفايات لترشيد الرحلات غير الضرورية، وبالتالي تقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بعمليات إدارة النفايات. كما يُمكن لتحليلات الفيديو بالذكاء الاصطناعي تحديد حالات الإلقاء غير القانوني للنفايات وتعزيز الممارسات المسؤولة للتخلص منها، مما يساهم في إيجاد بيئة حضرية أنظف وأكثر صحة.
تحظى منطقة الشرق الأوسط، بفضل اقتصادها الرقمي المزدهر وارتفاع معدلات استخدام الإنترنت، بموقع استراتيجي يُمكنها من الاستفادة من إمكانات تقنية الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي لصالح الاستدامة. ومع تجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت حاجز الـ 66% في شمال إفريقيا وقدرة معظم سكان الشرق الأوسط البالغ عددهم 489 مليون نسمة على الوصول إلى شبكة الإنترنت، تتوفر إمكانية هائلة للاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق تأثير بيئي إيجابي.
ورغم جدوى تقنية الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مساعدة مدن الشرق الأوسط على مواجهة التحديات البيئية، إلا أن الاستخدام المسؤول لهذه التقنية يجب أن يعتبر أولوية قصوى. إن بناء الثقة بين المواطنين يتطلب الشفافية المطلقة في عملية جمع البيانات والالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية عند نشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما يُعد التعاون مع مزوِّدي التكنولوجيا المرموقين والمكرسين لمبادئ الذكاء الاصطناعي الأخلاقي أمراً جوهرياً لضمان تحقيق الفوائد الكاملة لتقنية الذكاء الاصطناعي دون المساس بخصوصية المواطنين أو ثقتهم.
يمنح اعتماد تقنية الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لمدن الشرق الأوسط التي تسعى إلى خفض بصمتها الكربونية وتعزيز استدامتها البيئية. ومن خلال الاستفادة الاستراتيجية والمسؤولة من هذه الحلول المبتكرة، يستطيع قادة المدن تحقيق تقدم ملحوظ نحو مستقبل أكثر اخضراراً وقدرة على الصمود لمجتمعاتهم. ويمكن لمدن الشرق الأوسط عبر الشراكات الاستراتيجية والالتزام بممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية، أن تمهد الطريق نحو تنمية حضرية مستدامة تعود بالفائدة على الأجيال الحالية والقادمة.