خاص entrepreneuralarabiya
بقلم محمد علي يوسف، الرئيس التنفيذي لمنصة “فيوز Fuze”
ما هي العملات المستقرة
لقد شهدت البدايات التجارية مقايضة مادية للسلع المتداولة، مثل مقايضة شيء بشيء آخر. ولكن مع التطور الذي طرأ على العالم أدرك الناس حاجتهم إلى طريقة عملية وفعّالة لممارسة الأعمال التجارية بسهولة أكبر، مما أدى إلى ظهور التبادل بالعملات والتي كانت في البداية أشياء قيمّة مثل الأحجار الكريمة أو السلع، وتطورت إلى أن أصبحت وبفضل دعم الحكومات عملات معدنية وأوراق نقدية شائعة سُميت بالعملة الورقية.
ومع مرور الزمن، ازدهرت البنوك وأصبحت أماكن لتخزين الأموال، وتم تطوير أول مسار لتبادل الأموال عبر الشيكات أو السندات الإذنية بدلاً من العملات النقدية. وفي أواخر القرن العشرين أصبح مسار الدفع رقميًا واستُبدلت العمليات الورقية بالأموال الرقمية المحمولة إلكترونيًا مثل بطاقات الخصم والائتمان لإتمام المعاملات المصرفية. ومن ثم ومع ازدهار استخدام الإنترنت ظهرت المعاملات الإلكترونية
والآن، لدى العديد من الأشخاص حسابات مصرفية إلكترونية على شكل أموال رقمية. وتتشابه العٌملات المُستقرّة مع العملات الإلكترونية بتمثيلها الرقمي، ولكن الفرق هو أن العملة المستقرة يتم إصدارها على شكل رموز يمكن الوصول إليها في أي مكان عبر شبكة عالمية قابلة للتشغيل البيني. والأهم من ذلك وعلى عكس العملات المشفّرة الأخرى، فإن العملات المستقرة الرائدة مرتبطة بالعملات الورقية الرائدة للحفاظ على استقرارها. وعلى سبيل المثال، العملة الرقمية تيثر USDT) Tether) وعملة الدولار الرقمي المستقر (USDC) مرتبطة بالدولار. كما يمكن دعم العملات المستقرة بالسلع، مثل النفط أو الذهب. وتشمل الأنواع الأخرى تلك المدعومة بعملة مشفرّة أخرى، وربما يشار إلى العملات المستقرة الخوارزمية بأنها الأكثر تعقيدًا لأنها تتبع حالة السوق لتحديد ما إذا كان ينبغي إصدار عملات مستقرة أكثر أو أقل للحفاظ على توازن القيمة.
العملات المستقرة وفوائدها العديدة
يمكن إرسال العملات المستقرة إلى أي شخص حول العالم وعلى مدار 24 ساعة، حتى وإن كانت هذه المبالغ كبيرة يمكن تسويتها بشكل فوري دون أن يستغرق الأمر أيامًا لتصبح الأموال في الحساب. وفي حال نقل الأموال، يمكن أن تنخفض التكاليف أيضًا، حيث لا داعي لإرسالها عبر وسطاء. وغالبًا ما تتواجد العملات المستقرة على شبكة عامة لا تحتاج إذن أو تصريح. وتضمن تقنية العقود الذكية تبادل آلي وتلقائي تخضع لمعاملات آمنة، حيث تكون جميع التداولات شفافة وقابلة للتحقق ولا تتطلب ثقة السلطة المركزية أو الوسيط. ومن الناحية التكنولوجية، يمكن أيضًا تحديث المسارات بسهولة. وعند إجراء أي من التحديثات على البلوك تشين، تؤخذ العملات المستقرة في عين الاعتبار لتحسين المنتجات والخدمات المالية باستمرار وتوفير خدمة أفضل للعملاء.
وتمتاز العملات المستقرة بفوائد أخرى ولديها اغراض مزدوجة، يمكن حفظها أو إنفاقها بسهولة، وتسمح كلتا الوظيفتين التي توفرها الحسابات المصرفية النموذجية والتي هي عبارة عن حسابات توفير مع فوائد مكتسبة أو حسابات جارية تساعد في إجراء المعاملات اليومية. كما يمكن أن توفر العملات المستقرة للمقيمين في دولة الإمارات والذين يرسلون حوالي 200 مليار درهم سنويًا السرعة والسلاسة عند القيام بتحويل الأموال بأسعار أكثر تنافسية وأقل تكلفة.
ولقد رأينا بعض الأمثلة العالمية القوية لتبادل العملات المستقرة، ومنها إمكانية الدفع للشركات التي تستخدم العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأمريكي (USDC) من خلال fintech Stripe وVisa اللتين لديهما برنامج لتمكين المعاملات العالمية بالدولار الرقمي USDC. وفي الوقت ذاته، يمتلك أكبر بنك في اليابان (MUFG)، منصة تسمح للبنوك والوكلاء التعامل بالعملات المستقرة بالين الياباني.
زيادة حالات الاستخدام
تشهد حركة أصول العالم الحقيقي والمعاملات الآمنة إهتمامًأ متزايدًا على منصات البلوك تشين، ومن المتوقع أن تلعب العملات المستقرة دورًا بارزًا في تحقيق ذلك. حيث نتوقع حدوث تحوّل كبير بسبب تفضيل المزيد من الأشخاص والشركات استخدام العملات المستقرة بدلاً من قنوات العملات الورقية التقليدية. مما يعد أمرًا أساسيًا في تمهيد الطريق أمام صرف العملات الأجنبية “على السلسلة”. كما يعد سوق الصرف الأجنبي العالمي الحالي أكبر سوق مالي في العالم، حيث يتم تداول ما يصل إلى 7.5 تريليون دولار يوميًا. وتساعد ظهور العملات المستقرة غير الدولار الأمريكي في تصفية المعاملات بسهولة عبر الأنظمة القائمة على البلوك تشين. كما يمكن شراء وبيع أصول العالم الحقيقي على شكل رموز رقمية بسهولة تامة.
ومع التطورات الطارئة على العملات الأجنبية والمدفوعات العالمية من خلال البلوك تشين، نتوقع ظهور بنوك العملة المشفرّة وبالتالي إتمام العمليات المصرفية بأكملها عبر البلوك تشين، وقد نشهد أيضًا تحولاً مزلزلاً للخدمات المالية، حيث يمكن للعملاء تخزين وتداول وتبادل وإجراء واستلام المدفوعات دون عبور أموالهم عبر القنوات الورقية.
تزايد حجم تداول العملات المستقرة
لقد حققت العملات المستقرة نموًا ملحوظًا، وخلال العام الماضي تم تسوية مبالغ ضخمة قدرها 11 تريليون دولار. مما يعادل تقريبًا حجم معاملات بطاقات Visa بالكامل، وأكبر من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الهند والمملكة المتحدة واليابان مجتمعةً. ومازالت تواصل طريقها لتحقيق النمو من خلال المؤسسات المالية الكبيرة مثل البنوك التي تزيد من تفاعلاتها بالعملات المستقرة، سواءً من خلال الاستثمارات أو صرف العملات.
ومن أجل تحقيق النمو، إحدى الخطوات الرئيسية هي من خلال اللوائح التنظيمية. وعلى سبيل المثال، لقد قدمت سلطة النقد السنغافورية مثل هذا الإطار لجلب المزيد من الاستقرار إلى العملات المستقرة الخاضعة للتنظيم، مثل الحد الأدنى من رأس المال والسيولة وتعزيز الشفافية في العمليات ومتطلبات الإفصاح. وجاء ذلك بعد مشاورات وتعاون مع الجهات التنظيمية التابعة للقطاع المالي، وبالتالي ضمان ملاءمة المنتج لمتطلبات السوق.
الاستنتاجات بالنسبة لدولة الإمارات
في حال اجتمعت الهيئات التنظيمية والبنوك وشركات التكنولوجيا المالية، يمكن للعملات المستقرة أن تغير المشهد المالي في الدولة. وتتطلع دولة الإمارات إلى المستقبل بهذه الطريقة، حيث تقوم الجهات التنظيمية ويساهم البنك المركزي بريادة التعاون والابتكار بشكل استباقي من خلال اللوائح التنظيمية القوية. كما يمكن للعملة المستقرة المرتبطة بالدرهم أن تدعم طموح الدولة لتصبح رائدة في الأصول الرقمية ودفع عجلة الإقتصاد لتصبح الإمارات المركز المالي العالمي القادم. وبالنسبة للعملاء، يمكنهم مشاركة الأموال عبر العملات المستقرة مع الأصدقاء والعائلة حول العالم مع مراعاة الشفافية والأمان.