بقلم مانويل ألزوغاراي رودريغيز
نائب الرئيس لحلول أمن الطاقة، منطقة الخليج – شنايدر إلكتريك
ولّت إلى غير رجعة، الفترة التي كانت تُعتبر فيها الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات مجرد اتجاه عابر أو شعار شائع.
إذ تشكّل اليوم الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إحدى العناصر المهمة لنجاح الشركات، في ظل التحول الكبير في الأولويات حول العالم. واليوم، تولي الكثير من الشركات مدرجة على قائمة “فورتشن 100” الأولوية لدمج مبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، إدراكاً منها لأهمية القيم المؤسسية وتحقيقاً للفوائد بعيدة المدى، مما يعزز أهمية تلك المبادئ في مشهد الأعمال اليوم، إذ لم تعد مجرد خطوة شكلية، بل خيار تجاري جيد.
يتوافق الاستثمار في مبادرات الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات مع الممارسات التجارية الأخلاقية والمسؤولة، كما أنه قادر على تمييز الشركات عن منافسيها. ووفقاً لدراسة أجرتها شركة ماكينزي عام 2022، تحت عنوان “هل مبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات مهمة فعلاً – ولماذا؟”، تتفوق الشركات التي تولي الأولوية لمبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من حيث الأداء المالي. حيث حققت الشركات الحائزة على درجات عالية في مجال مبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إجمالي عوائد أكبر للمساهمين بنسبة 3.5% كمعدل مقارنة بالشركات ذات الدرجات المنخفضة بين عامي 2016 و2018.
تتصدر سلاسل التوريد الحديثة مشهد ذلك التحول، مع بحث الشركات عن طرق لتخفيف تأثيرها البيئي واعتماد ممارسات تجارية أكثر استدامة.
كما تؤدي الحكومات دوراً رئيسياً في الترويج للممارسات المتوافقة مع مبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. مثلاً، أطلقت دولة الإمارات مبادرات تشمل استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 واستراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، مما يهدف إلى وضع الدولة في مكانة رائدة عالمياً في مجال الطاقة النظيفة والاستدامة.
وتركز رؤية السعودية 2030 بشدة على الطاقة المتجددة والاستدامة، ويشمل ذلك إطلاق أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، ومبادرة “السعودية الخضراء” التي تشجع اعتماد ممارسات مسؤولة بيئياً في القطاع الخاص.
التعاون مفتاح بلوغ مستقبل أكثر صداقة للبيئة
أجرت شنايدر إلكتريك تحليلاً شاملاً لتحسين الاستدامة والوصول إلى أهداف التنمية المستدامة 2030. وتتمثل إحدى الأوجه المهمة لتقليل الانبعاثات الكربونية في التعاون مع الموردين والبائعين، حيث تصدر 70% من الانبعاثات عن سلاسل التوريد.
وفي إطار جهودها لتغيير سلسلة القيمة، تتعاون شنايدر إلكتريك مع مورديها لتقديم نصائح من خبراء حول تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية مع تقديم منتجات وخدمات مبتكرة تساعد العملاء على تبني ممارسات مؤتمتة وأكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة.
وشمل تحليل شنايدر إلكتريك الأخير 46 شركة مُصنّعة في القطاعات الرئيسية في دولة الإمارات، ومنها الطاقة والمأكولات والمشروبات والورق والخشب والمواد الكيميائية وغيرها، وأُجري بالتعاون مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ووزارة الطاقة والبنية التحتية، وشكّل خطوة متكاملة نحو الدفع بكفاءة الطاقة عبر قطاع الصناعة ككل في الإمارات. وتقدّم رؤى التحليل للشركات المصنعة خارطة طريق لتحويل نماذج أعمالها، ولتصبح مستدامة وحيادية مناخياً، مما يسهّل تبني ابتكارات الثورة الصناعية الرابعة.
الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وقطاع التصنيع
بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، يعد قطاع التصنيع أحد أكبر المساهمين في إجمالي الانبعاثات العالمي، إذ يمثل القطاع 20% من انبعاثات الكربون و54% من استهلاك الطاقة حول العالم، مما يوضح ضرورة استكشاف الشركات والحكومات لفرص تحقيق مقاربة أكثر استدامة، تتمثل في “الاقتصاد الدائري.”
يوفر الاقتصاد الدائري فرصة نمو تبلغ قيمتها تريليون دولار لمختلف الصناعات، حسبما أفاد المنتدى الاقتصادي العالمي، لكنه يتطلب تحولاً قاطعاً في عمليات الشركات نحو إعطاء الأولوية للاستدامة والإنصاف والشفافية. ويتطلب الانتقال من نموذج التصنيع الخطي إلى نموذج دائري أكثر استدامة تحولاً ثقافياً كبيراً عبر سلسلة القيمة ككل، كما يتوجب على الشركات تجديد أنماط تفكيرها ومهامها باتجاه إيلاء الأولوية للممارسات المستدامة، بما يشمل تقليل الهدر وتعظيم استخدام الموارد.
ويشكّل الطلب المتنامي على عمليات التصنيع المستدامة في منطقة الخليج أمراً يبشر بالخير، حيث تستثمر الحكومات والشركات في العديد من برامج الطاقة المتجددة والاستدامة، ومنها مثلاً مبادرة الإمارات الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، الحملة الوطنية الهادفة لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وصندوق التنمية الصناعية السعودي، الذي يمول مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة، ورؤية عمان 2040، التي تستهدف الوصول بالطاقة المتجددة إلى 20% من مجمل استهلاك الطاقة بحلول عام 2030، ثم 35-39% بحلول عام 2040.
لكن ينشأ عن الانتقال إلى الاقتصاد الدائري عدة تحديات أيضاً، منها تقليل الهدر، وزيادة المواد المعاد تدويرها، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وضمان استدامة الموردين. لذا يعد اتباع مقاربة حذرة أمراً مهماً، لأن ذلك التحول سيفيد العمليات على المدى البعيد، إلى جانب قيمة العلامة التجارية، والقيمة بعيدة المدى للمنتجات.
الاستفادة من البيانات والتكنولوجيا لإدارة سلاسل توريد مستدامة
تدفع الثورة الصناعية الرابعة، التي تؤدي فيها التكنولوجيا والبيانات دوراً مهماً، عجلة ذلك التغيير في قطاع سلاسل التوريد أيضاً. تعد المقاربة القائمة على البيانات عنصراً بالغ الأهمية لتعزيز وتنفيذ مبادئ الإدارة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات عبر سلاسل التوريد الحديثة.
قد تثمر التكنولوجيا عن نتائج مؤثرة في مجال الاستدامة إذا قلصت الشركات من انبعاثاتها الكربونية وحسنت كفاءة استهلاكها للطاقة. مثلاً، يساعد استخدام الأجهزة المتصلة وإنترنت الأشياء، مثل منصة ™EcoStruxure الرقمية من شنايدر إلكتريك، الشركات على مراقبة استهلاكها للطاقة، ويمنحها القدرة على تقليصه. كما تعتبر برامج وتحليلات الصيانة الاستشرافية أساسية للشركات لتقليل أوقات التعطل وزيادة الكفاءة وتحسين دورة حياة منتجاتها.
يجب على الشركات إيلاء الأولوية للاستدامة في عمليات سلاسل التوريد لديها إذا أرادت ضمان نجاح أعمالها على المدى البعيد وتقليل تأثيرها البيئي. ومن المهم أن تستثمر في أنظمة إدارة الاستدامة، وأن تتعاون عن قرب مع الموردين لتطوير معايير ومقاييس للاستدامة، وأن تتسم عملياتها بالشفافية والمسؤولية. يمكن للشركات عبر ذلك بناء مستقبل أكثر استدامة في هذا القطاع وتمهيد الطريق نحو مستقبل مشرق للجيل المقبل.