بقلم / تمارا بوبيك
أجرينا مكالمة عبر برنامج Zoom مع عليا الشامسي، التي تشغل منصب مديرة البرامج الثقافية بالإنابة بمتحف اللوفر أبوظبي، ليس تحوطاً من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، ولكن أيضاً لأنها لم تكن في مكتبها. وتقول لنا عليا وهي تضحك: “إنني حالياً في عطلة، غير أنّي منذ الصباح الباكر أعمل على إرسال رسائل البريد الإلكتروني، والآن، ها أنا أتصل بكم”. وينبغي ألا تفاجئنا أخلاقيات عملها، إذا ما راعينا أنّ متحف اللوفر أبوظبي، باعتباره أول متحف من نوعه في العالم العربي، يعدّ مركزاً نشطاً للغاية، بما يضمّه من نشاطات متنوعة في العديد من مجالات التبادل الثقافي والمشاركة المجتمعية والحوار البنّاء والمتواصل. وكما فاجأتنا عليا بما تفعله خلال عطلتها، فجاءت سيرتها الذاتية المهنية أيضاً مخالفة لتوقعاتنا. وتوضح لنا ذلك بقولها: “أنا شخص أركز دائماً على أموري الشخصية، وذلك لأنني وبكل بساطة أؤمن بأنّ لكل منا أيضاً مساحة تتجاوز حدود مسمياته الوظيفية”، وتواصل قائلة: “صحيح أنني أعمل في متحف اللوفر أبوظبي، وأنا أعتز بذلك كثيراً، بيد أنني أحبّ أن أقول دائمًا إنني أيضاً مؤلفة وشاعرة ومصوّرة فوتوغرافية، إذ أن هذه الأمور تعكس هوّيتي أكثر من غيرها، وإنّ عملي في متحف اللوفر أبوظبي يصبّ في هذا الاتجاه “.
رداً على سؤالي الأول الذي يتمحور حول تمكين المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أجابت عليا بأنها تفضّل الحديث عن المساواة بين الجنسين، بدلاً من مفهوم تمكين المرأة في حد ذاته. وتعلل ذلك بقولها: “سيُقاس نجاحنا بالحديث عن التحديات التي لا تواجهها المرأة فحسب، بل التحديات التي يواجهها الجميع، وهكذا نجعل الرجل أيضاً طرفاً في هذا الحديث”، وتطنب قائلة: “يبدو أننا مجتمعين في قصة تخصّ المرأة، ولكن ما هذا؟ أظنّ أن هذه العزلة، عندما يدور حديثنا فقط عن تمكين المرأة، يمكن أن تعود بالسلبية بعض الشيء، بمعنى أنّه يتم فصل النساء وتمييزهن عن غيرهن بدلاً من الاحتفاء بما يقدمنه من إنجازات بشرية عالمية”. أما بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فتشير عليا إلى أنّ التاريخ نظر إلى والدة الأبّ المؤسس للدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيّب الله ثراه – على أنّها كانت في حقيقتها سيدة قرار وحكمة، وهو ما يثبت رأيها بأنّ المرأة هنا لم يتم “تمكينها فحسب، بل إنها كانت تمسك بزمام السلطة منذ البداية”. عند هذه النقطة، سألت عليا عما يعنيه التمكين أو “السلطة” بالنسبة إليها بالفعل، وأجابت قائلة: “عندما يكون بجانبك حكومة مساندة لك، تكون الأبواب مفتوحة على مصراعيها، إلا أنّه عليك اغتنام هذه الفرص.
تشير مهنة عليا الشامسي إلى أنها قد تكون واحدة من ضمن هؤلاء الأشخاص الذين تتحدث عنهم. وفيما يتعلق بمستوى تعليمها، حصلت عليا الشامسي على درجة البكالوريوس في التصوير الفوتوغرافي من جامعة جريفيث في أستراليا، ودرجة الماجستير في التصوير الفوتوغرافي من جامعة دورهام في المملكة المتحدة. وفي عام 2005، أُعلنت كأصغر مصورة فوتوغرافية تشارك في مهرجان بينالي للتصوير الفوتوغرافي في إيطاليا، وهناك تمكّنت من عرض أعمالها مع لفيف من مشاهير المصورين والفنانين، من أمثال جوليا مارجريت كاميرون وسيندي شيرمان. واليوم، نجد أعمالها أيضاً ضمن مجموعة خاصة تُعرض في سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في العاصمة الأمريكية واشنطن، بالإضافة إلى عرضها على جدران فنادق روف بالإمارات. وتعلق على ذلك بقولها: “إنني شخصياً لن أنسى أبداً أنه منذ الفرصة الأولى التي حصلت عليها، عندما تلقيت الدعم والمساندة للعرض في أحد معارض التصوير الفوتوغرافي، وقلت (لا أعرف كيف أشكرك)، وقال لي الرئيس التنفيذي للمعرض حينها، عليا! عليك ردّ الصنيع للآخرين. لذلك، نما بداخلي شعور قوي للغاية يدفعني ردّ الصنيع للآخرين، وهذا ما يعنيه التمكين بالنسبة إليّ؛ إذ لا يتعلق التمكين بي أنا، بل بعدد النساء الأخريات اللواتي يمكنني تمكينهن، وكيف يمكنني أن أجعل ذلك يستمر ويدوم”.
منذ وقت ليس ببعيد، أتيحت لها فرصة لتنفيذ ذلك، ففي عام 2021، شاركت عليا الشامسي في البرنامج الإرشادي لتطوير القدرات “واحدٌ من قلة” الذي أطلقته دار “فاشرون كونستنتان” على مدى ستة أشهر، ودعت من خلاله ستّ نساء إماراتيات لتوجيه وإرشاد ستّ شابات إماراتيات من جامعة زايد. وتعقيباً على ذلك، تخبرنا “عليا” بقولها: “بمساعدة المتدربة الخاصة بي، تمكنت من التركيز بشكل خاص على إحضار عضو من خارج الوسط الفنّي خلال كل جلسة من جلساتنا، إذ لا يعي الكثيرون أن الدخول في عالم الفنّ لا يعني بالضرورة أن تكون فناناً، بل يمكن أن تمتلك نشاط تجاري”. وخلال هذا البرنامج الإرشادي، ركزت عليا على فتح الأبواب أمام المتدربة الخاصة بها، حتى “تتمكن في المستقبل من الوصول إلى شبكة العلاقات ذاتها مثلي تماماً”. وتضيف قائلة: “قوتي تكمن في شبكة علاقاتي، ولكي أكون صادقة للغاية، أظنّ أننا لا نتحدث بشكل كافٍ عن أهمية بناء شبكة علاقات، فأكثر من مرة، كانت الفرص تظهر أمامي، لأنني كنت أتواصل مع الآخرين. وفي متحف اللوفر أبوظبي، دائماً ما أدعو إلى التوجّه إلى المؤسسات الأخرى وزيارتها والعمل معها، فهكذا يسير العالم، فإذا ما كنت تعمل في عزلة عن غيرك، وتتساءل لماذا لا يكتشفك أحدهم، فذلك لأنك لا تسعى حتى إلى التعرّف على السوق والناس من حولك. لذا، أردت أن تنطلق متدربتي في إقامة شبكة علاقاتها بسبب أهميتها البالغة للفنّان”.
ثمّة مثال آخر على الطريقة التي تردّ بها عليا الشامسي الصنيع لغيرها، وهو من خلال الاستفادة من مهاراتها في المساعي الخيرية، فمن خلال التعاون مع مؤسسة “صندوق السعادة” التعليمية والاجتماعية في دبي، في مبادرة “قلوب سعيدة” التي أطلقتها المؤسسة، شاركت عليا في أربع رحلات خيرية منفصلة، زارت خلالها كينيا، والهند، والمغرب، ومصر، بهدف توفير المستلزمات الخاصة بالمدارس والمراكز المجتمعية المعنية بالنساء والأطفال. كما نشرت عليا الشامسي كتاباً بعنوان “ماما أفريقيا”، والذي يذهب ريعه مباشرةً إلى الجمعيات الخيرية المحلية. وتعقيباً على ذلك، تطالعنا بقولها: “طرقت باب عالم الصحافة المصوّرة كشخص حالم يرغب في أن يرى تغييراً في العالم ويصنعه ويسهم فيه، ودائماً ما كنت أعتز بالجانب الوثائقي الاجتماعي للتصوير الفوتوغرافي. وكلما كانت تتاح أمامي فرصة العمل مع الأطفال، كان لسان حالي يقول (لا تضعني وسط أطفال المدن، ولكن دعنا نتوجه إلى خارج حدود المدن). لذا، أقمت ورش عمل مع الأطفال في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت تجربة مختلفة تماماً. وعليك أن تفهم أن سبب شهرة بعض المناطق النائية بفنها يرجع إلى الطبيعة التي تحيط بها، والنمط الذي يعيش به الناس هناك. ويعاني الأطفال في تلك المناطق من عزلة شديدة، بل إنّ الكثير منهم لا تتاح لهم الفرص التي يحصل عليها أطفال المدن. لذلك، أنا من أشدّ مناصري فكرة الخروج من المدن والعمل مع الأطفال في المناطق النائية”.
حصلت عليا الشامسي باعتبارها مؤلفة على منحة برنامج “إعداد” للمنح الدراسية في عام 2007، وكذلك نالت جائزة القيادة الثقافية الدولية من المجلس الثقافي البريطاني في عام 2010. وبالحديث عن كتابها الأول، وهو كتاب للأطفال بعنوان “علاية” (الذي حاز جائزة دبي الثقافية للنشر)، سألتها كيف غامرت بالبدء بعالم الكتابة، وأجابت قائلة: “ثمّة عنصر من الحساسية والضعف في الإبداع، وهو يمثل تحدٍ هائلاً. لقد بدأت بسرد الأشياء من خلال الصور، ثمّ انتقلت بعدها إلى الكتابة. ومن هناك، استهللت الرحلة بكتب الأطفال، وكان الأمر كما لو كنت أتوارى خلف صوت طفل. وقد كان هذا صحيحاً نوعاً ما، لأنه كان متعلقاً بزيادة قوة ثقتي في صوتي أنا. و(علاية) هو اسم تدليل لعلياء، والكتاب يكاد يكون سيرة ذاتية، إذ يعرض فكرة إعادة اكتشاف المرء لهويته، ورغم أنني كنت أتوارى في هذا الكتاب خلف صوت طفل، إلا أنّ الكثير من البالغين قد أعجبوا به، لمجرد إنه يتعرض للتغييرات التي تطرأ على دبي، وما يعنيه أن يكون للمرء جذور وأن يمتلك منزلاً”.
تعدّ الشامسي أيضاً اليدّ الموهوبة التي خطت أيضاً كتاب “ليل ونهار”، الذي نُشر في عام 2018 كأحد أول ثلاثة كتب صامتة في الإمارات، أما أحدث إصدار لها فهو كتاب “أنت مكوّن من النجوم”، وهو كتاب تمارين مصمم للإبداع والتعبير عن الذات صُمم خصيصاً للأطفال، وصدرعام 2020. وتخبرنا “عليا” بقولها: “لطالما كنت مهتمةً بالعلاج عن طريق الفنّ، وبما أنني أواصل أيضاً دراستي للحصول على درجة الماجستير في علم النفس التطبيقي، للبحث في الإبداع والفنّ والذهن، عندما ضربت العالم جائحة فيروس كورونا المستجد، كنت بحاجة لأبني طريقة للتعبير بدون ألفاظ. وأحد الأشياء التي حاولت العمل عليها هو تشجيع الطفل على الدخول في الحديث عن طريق الفن. وبعدها، عملت على إتاحتها للآباء والأمهات الآخرين، كما تمكنت أيضاً من إنشاء إصدار خاص لمؤسسة (صندوق السعادة). وقد لاقى ذلك نجاحاً خلال الجائحة، لأنها كانت لحظة يشارك فيها الأطفال وأولياء أمورهم في فعل شيء غير متعلق بالدراسة معاً، ولكنه سمح لهم بالحديث سوياً حول شعورهم وأفكارهم وغير ذلك”
يعدّ أحدث إصداراتها، “المحيط يرى بين أضلعي”، أول كتاب لها مخصص للبالغين، يأخذ القرّاء في رحلة شعرية عبر لحظات من التأمّل. وتصف عليا الكتاب بأنه أشجع محاولة أقدمت عليها خلال رحلتها. وتقول عنه: “إنه يكشف ضعفي، دونما رقابة، ودون أي تنميق. لطالما كنت أكتب قصائد شعرية، بيد أنني لم أنشرها مطلقاً، لأن الشعر هو نوع من أدوات العلاج التي استخدمتها طيلة تلك السنوات العشر عندما كنت أحاول العثور على نفسي وإعادة تشكيل ملامحها. ويمكنك رؤية تقدمي خلال التسلسل الزمني للقصائد في هذا الكتاب”. أمّا بالنسبة إلى المبدعين الآخرين، لدى عليا الشامسي نصيحة واحدة فقط لهم، وهي: “إياكم والخوف”. وتواصل حديثها قائلة: “في وقت لاحق، إذا نظرت إلى بعض القصائد والمقالات التي كتبتها، أو بعض الصور التي التقطتها في تلك المرحلة المبكرة، أجد نفسي أبتسم، لأنني أستطيع أن أرى تقدمي. لذلك، عليك اتخاذ هذه الخطوة الأولى. وبكل أسف، يظنّ الكثيرون أنهم ليسوا على مستوى جيد بما يكفي، إلا أنّ عليهم البدء من نقطة ما. وفور الانطلاق في المشاركة والعرض، ستتمكن من الارتقاء بمستوى أدائك. إنّ الخطوة الأولى صعبة للغاية، غير أنها تتعلق أيضاً بأن تكون متصالحاً مع نفسك من خلال قبول النقطة التي تقف عندها في تلك اللحظة، وقبول فكرة أنك ستتقدم من تلك النقطة. وستتقن ذلك خلال رحلتك”.
اليوم، يستنفد الدور الذي تؤديه عليا الشامسي في متحف اللوفر أبوظبي كل وقتها. وتقول في هذا الشأن: “قبل تولي منصب مديرة البرامج الثقافية بالإنابة، افتتحت وحدة للتواصل الأكاديمي في متحف اللوفر أبوظبي، لأنني توجهت إلى هناك مع جهاز الكمبيوتر المحمول وملف العرض التقديمي، وأخبرتهم بما أجد فيه شغفي، وبما أودّ فعله. لذا، بدأنا من تلك النقطة، واجتهدت في بناء مجتمعاتهم لدى الجامعات، وأصحاب الهمم، وكبار السن، وغيرهم. وعندما اتيح الدور الجديد، دعاني مديري لتوليه، وتطبيق الطريقة نفسها التي تقدمت بها لبناء وحدة التوعية المجتمعية الخاصة بهم”. وتصف عليا ذلك بأنه تمّ في توقيت مثالي، فبسبب الجائحة، كان المتحف حريصاً على ضمّ إقامة ذلك المجتمع ضمن برامجه الثقافية. وتختتم حديثها قائلة: “فجأة، تحوّل الأمر برمته إلى التمحور حول التعاون، وقد أتاحت الجائحة فرصة التآزر والتعاون هذه داخل مجتمع الفنّ. لقد أحسست كأني في بيتي. لا اختلاف بيننا كبشر، ولكن تجاربنا هي التي تختلف. ومع ذلك، ندخل في حوارات ثقافية، توجد فيها دائماً نقطة التقاء. إنني أجد نفسي في هذا، لأنني عندما أعمل على إنشاء البرامج، يتعلق الأمر بالحوار، وبالعمل معاً”.