بقلم / تمارا بوبيك
لقد أدّى التحوّل غير المسبوق الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقود القليلة الماضية، والذي تزامن مع تحوّل عدد من المشاريع الضخمة والمعقدة إلى واقع ملموس وبمعدلات لم تشهدها المنطقة من قبل، إلى زيادة أهمية مجال إدارة المشاريع هنا أكثر من مناطق أخرى من العالم. وتوضّح غريس نجار، المديرة الإدارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد إدارة المشاريع، أحد أكبر اتحادات إدارة المشاريع الاحترافية في العالم، والذي ينتشر أعضاؤه في 208 دول حول العالم، ومؤسسة شركة Align Management Solutions، أن التميّز السريع الذي شهدته دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان المعيار الوحيد المقبول لمساعدة تلك المنطقة على أن تستقل عن النفط، وتنطلق في رحلة تحوّلها الرقمي.
تتمتع “غريس نجار” بباع طويل من الخبرة المهنية يمتد إلى نحو 26 عاماً، حرصت خلاله على النهوض بمجال إدارة المشاريع، وتثقيف الكوادر في المنطقة في مجال الأعمال والهندسة، إلى جانب الإسهام الفعال في رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في تبوأ مكانتها ضمن مصاف أكثر الدول تقدماً في العالم. واليوم، تركّز “غريس” على رؤية الإمارات 2021 بغرض الارتقاء سريعاً بمستوى الكوادر وإعادة صقل مهاراتها. ومن خلال عملها كمسؤولة متميزة عن الطاقة في معهد إدارة المشاريع، تتولى أيضاً إدارة عدد من المبادرات التعليمية في مجال إدارة الإنشاءات، وتقديم الاستشارات لعملاء، مثل أرامكو السعودية، وشركة الاتصالات السعودية، وإعمار، وهيئة الطرق والمواصلات في دبي. كذلك، يشمل نطاق الخدمات التي تقدمها – على سبيل المثال لا الحصر – إدارة الابتكار والاستراتيجية في مكتب رئيس الوزراء ووزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية.
توضّح “غريس نجار” وجود فجوة في المهارات بين الطلب على مهارات إدارة المشاريع وتوافر الكوادر التي تتحلى بها، ليس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل على مستوى العالم بأسره، وتبيّن ذلك قائلة: “يحتاج الاقتصاد العالمي إلى 25 مليون متخصص جديد في المشاريع بحلول عام 2030، ولرأب هذه الفجوة في الكوادر، يتعيّن على 2.3 مليون شخص الالتحاق بوظائف موجهة لإدارة المشاريع سنوياً لمواكبة ذلك الطلب ليس إلا. ونظراً لأن معهد إدارة المشاريع يعدّ مصدراً مبتكراً للارتقاء بمستوى الكوادر وصقل مهاراتها، وغيرها من المهارات المستقبلية، يساعد المعهد في رأب هذه الفجوة في الكوادر”. وزيادةً في توضيح مدى تركيزها على تعليم الجيل القادم، تذكر “غريس” أن حجم الطلب السنوي على مديري المشاريع يُقدر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها بنحو 2.6 مليون مدير بحلول عام 2030. وتعقب على ذلك قائلة: “تعتبر الكوادر وقود الغدّ، و المدماك الأساسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تحظى بشهية مفتوحة للتعلّم، بدءًا من رياض الأطفال والمراحل الأولى، وحتى التخرج من الثانوية العامة، فتقول: “بالتزامن مع استمرار التطور ومدى التعقيد على ساحة الأعمال الحديثة، وحجم التحديات الجديدة وغير المسبوقة التي تظهر أمامنا، يجب أن نواصل الابتكار في مجال إصلاح التعليم حتى نتمكن من مواكبة هذه الأوضاع الجديدة”.
تنصح “غريس نجار” باستبدال الأساليب التقليدية القائمة على نظام المحاضرات، واستعمال بدلاً منها أساليب أكثر تفاعلية ومتعددة التخصصات تعتمد على التعاون والخبرات ومجموعة من الدورات. وتوضح ذلك قائلة: “من الأهمية بمكان أن نمنح كوادر الغدّ تدريباً كافٍ، وأن نُعدّها للحياة في العالم الحقيقي، الذي أصبح أكثر غموضاً. إنّ البرامج متعددة التخصصات، الموجهة لصقل المهارات، لا سيما لقادة الأعمال، تعدّ ركناً أساسياً لإطلاق العنان للطاقات الكاملة”. وبالحديث عن أفضل المهارات اللازمة في المستقبل، تعدد لنا “غريس” التفكير النقدي، والقدرة على اتخاذ القرارات، والقيادة، والإدارة، وتحليل البيانات المتقدمة، وتشير أيضاً إلى أنّ إدارة المشاريع تعدّ من بين أفضل 10 مهارات مدرجة ضمن استطلاع شركة “ماكنزي” لعام 2020 حول الفجوات المتعلقة بالكوادر. وبهذا الشأن، تخبرنا “غريس” بقولها: “عندما نتحدث في معهد إدارة المشاريع عن مهارات القوة، فإننا نعني اكتساب عقلية مبتكرة تمنح المرء القدرة على إنشاء أفكار وطرق عمل جديدة واحتضانها. ويعني ذلك القيادة التعاونية لاكتساب القدرة على القيادة من خلال الإلهام والإقناع، بدلاً من مجرد إصدار الأوامر. كما يعني ذلك أيضاً التعاطف مع صوت العميل للتمكّن من الاستماع إليه بحقّ، ومعالجة مواطن الضعف التي يعاني منها على نحوٍ أفضل”. وقد زادت أهمية تلبية احتياجات السوق أكثر مما كانت عليه خلال جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وحينها كانت “غريس” تتولى قيادة عملية التحوّل السريع لمعهد إدارة المشاريع لتوفير التعليم عبر الإنترنت. وتعقيباً على ذلك، تقول: “إنّ السرعة هي المعيار الجديد، ولن تتمكن المؤسسات التي تسير ببطء للغاية من اللحاق بالركب. لقد كان هدفنا هو إعداد المؤسسات والأفراد في كل مرحلة من مراحل رحلاتهم المهنية حتى يتمكنوا من تحقيق نتائج سريعة، والظفر بالنجاح في ظلّ هذا العالم سريع التغيّر”.
علاوة على ذلك، تقول “غريس نجار” إنّ دورة التعلّم الإلكتروني الخاصة بالتحول التنظيمي لمعهد إدارة المشاريع هي مثال على الريادة الفكرية للمعهد في هذا المجال. وثمّة مثال آخر يتمثّل في مبادرة التنوع والإنصاف والشمولية التي أطلقها معهد إدارة المشاريع بغرض المحافظة على ثقافة عالمية تعترف بإسهامات جميع موظفي المعهد ومصالحهم. وبسؤال “غريس” عن الشرَاكات الرئيسية التي أبرمها معهد إدارة المشاريع مع كبريات الجهات الفاعلة في عالم الأعمال في المنطقة، أوضحت أنه لا يمكن إقامة مثل هذه العلاقات دون ثقة وفهم شامل لمواطن الضعف التي يعاني منها الشركاء واحتياجاتهم، وتوضّح ذلك بقولها: “من المهم أن تكون دافعاً لتمكين النجاح والتميّز، بدلاً من التركيز على نهج المبيعات. إننا في معهد إدارة المشاريع، نضع مجتمعنا داخل قلوبنا ونُصب أعيينا أولاً وقبل أي شيء آخر. إننا نفهم الثقافة، ونحرص على العمل نحو تحقيق أهداف ورؤى شركائنا. وأخيراً، تبوأ معهد إدارة المشاريع مكانته ضمن مصاف روّاد الأفكار الموثوقين في المنطقة، بفضل روح الفريق الواحد التي يتحلى بها، والتي تدفعنا نحو الالتزام بدورنا الداعم تحت أي ظرف من الظروف”.
ترى “غريس نجار” من وجهة نظرها الشخصية أنّها بنَت حياتها المهنية على أساس الإقدام والشجاعة، إذ تقول: “لقد كنت آخذ قفزاتي وأنا على إيمان وثقة بأنني سأجد طريقي في النهاية، فليس لزاماً على المرء أن يعرف كل شيء لتحقيق أهدافه، بل إنّ الشجاعة، والمواقف الفاعلة، وروح المبادرة هي ما يهمّ فعلاً. إننا لا نخسر إلا إذا توقفنا عن المحاولة، وهذا هو ما تعنيه الثقة بالنسبة إليّ”.
الملخص التنفيذي
نصائح “غريس نجار” لسيدات الأعمال
- ركّزي على الهدف. “لا تقطعي تركيزك عن مسارك، واستمري في عزمِك وتصميمك، وتجنبي كل ما قد يعطّلك، وسيري على نهج عملي وكوني ملتزمة بأهداف حياتك. ودائماً ضعي تحقيق النتائج نُصب عينيك. وسترين أنه على المدى الطويل، ستساعدك هذه الأمور على جني نتائج مُرضية”.
- لا تتوقفي عن التعلّم. “اعلمي أنّ أفضل استثمار هو التعلّم الذاتي. كوني بسيطة ومتواضعة مهما بلغت درجة معرفتك. وتحلي بالمرونة في التكيّف مع الأساليب والعقليات الجديدة لضمان وجودك في أفضل وضع يؤهّلك لمواجهة التحديات المستقبلية”.
- عزّزي سماتك المتأصّلة بداخلك. “على سبيل المثال، تتفوق العديد من النساء من حيث الذكاء العاطفي، والتعاطف، والمرونة، والقوة. اجعلي راحة بالك وصدقك وشفافيتك هي الأسس التي تبنين عليها، فهي الصفات القوية التي ستساعدك على تعزيز نجاحك في العمل”.