ماذا لو كانت هناك طريقة لاكتشاف الأمراض النادرة التي من المحتمل أن تصيب حديثي الولادة من خلال إنشاء “توأم رقمي” للطفل عند الولادة؟ هذا إلى حد كبير ما تحاول فعله شركة “بي 4 ميديكال لابراتوري” (P4ML)، وهي شركة إيرلندية متخصصة في مجال الطب الدقيق ومقرها منطقة دبي 2071، حيث تهدف خدماتها إلى المساعدة في إنقاذ حياة الملايين من الأطفال حديثي الولادة. يمكن فهم أهمية ما تقوم به الشركة بشكل أفضل عند النظر إلى الإحصائيات المتعلقة بالأمراض النادرة بين الأطفال حديثي الولادة.
حسب دراسة حديثة أجراها المركز العربي للدراسات الجينية فإن 30% من حديثي الولادة الذين يدخلون إلى المستشفيات مصابين بأمراض نادرة والتي تعرف بأنها السبب وراء 50% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة سنوات. في الواقع، وجدت أبحاث أجرتها شركة “بي 4 ام ال” أن هذه الأمراض النادرة التي تصيب حديثي الولادة والاضطرابات الجينية قد تسببت في تجاوز ميزانيات الرعاية الصحية في الدول العربية 110 مليار درهم في السنة. وذكر باتريك مولوني، مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي أن وسائل فحص حديثي الولادة المتبعة حالياً تقوم بفحص 0.5% فقط من الأمراض النادرة المحتملة لدى حديثي الولادة وبذلك نضيع فرصة انقاذ 99.5% من الحالات التي يمكن علاجها عند الولادة، وأضاف: ” من خلال التعاون مع مؤسسات الرعاية الصحية في مجلس التعاون الخليجي، تقوم الشركة بتوظيف فكرة التوأمة الرقمية ضمن أبحاثها الطبية للرصد المبكر والدقيق للأمراض التي قد تهدد حديثي الولادة. وسوف يغير نهجنا من طريقة الرعاية المقدمة للمرضى المصابين بأمراض نادرة وذلك بتطبيق تؤأمة رقمية عند الولادة حيث يؤدي ذلك إلى التقليل بصورة كبيرة من التشخيص الخاطئ وتكاليف الرعاية الصحية عالمياً”.
قبل الاستقصاء أكثر عن أعمال الشركة، من الأفضل فهم ماهية التوأمة الرقمية. بصورة مبسطة تشير الفكرة إلى إمكانية محاكاة أعضاء وعضلات وأحيانا الجسم بكامله لشخص ما. من خلال ذلك، يمكن للخبراء في المجال الطبي إجراء فحوصات والتوصل لتشخيص وعلاج أظهرت أعلى احتمالية للنجاح وتحديد الآثار الجانبية المحتملة لعلاج معين.
أساساً هذا ما يقترح فريق “بي 4 ام ال” استخدامه لحديثي الولادة. ويوضح مولوني: “من الحمل وحتى فحص حديثي الولادة، يستخدم الفريق كلاً من مجموعات البيانات الجينومية والمتعددة الجينات التي تمكن عددًا كبيرًا من التوائم الرقمية لكل حالة في التجربة”. “ثم تقوم بعد ذلك بفحص تأثير آلاف الأدوية العلاجية على كل توأم رقمي باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحديد العلاج الأنسب وتقديمه للمريض بعد انتهاء التجربة.” تأتي هذه المناهج الجديدة في وقت مهم للطب الدقيق في الإمارات والمنطقة حيث هناك تركيز مكثف على علم الجينوم ــــ وهو مجال مخصص في المقام الأول لتحديد الجينات والمتغيرات الجينية المرتبطة بمرض ما أو استجابة لبعض الأدوية وطرق العلاج ــــ في الدولة من خلال برنامج الجينوم الإماراتي. ويضيف مولوني: “اليوم تستثمر الكثير من الدول في استراتيجيات الصحة الاستباقية. وقد تبنت الإمارات أيضاً مقاربة متقدمة للتعامل مع الأمراض الوراثية عبر هذا البرنامج الذي يهدف إلى تطوير خرائط وراثية لمواطني الدولة بناء على اختبارات التسلسل الجيني ودمجها مع البيانات الصحية للأفراد واعتماداً على ذلك تقدم رعاية صحية حسب احتياجات الأشخاص.
وفي هذا الصدد، يأمل مولوني أن تتمكن شركته من تحقيق اختراقات في هذا المجال بالذات لعلاج الأمراض النادرة عند الأطفال حديثي الولادة. كانت إحدى الخطوات الرئيسية لتحقيق ذلك هي توقيع الشركة مذكرة تفاهم مع هيئة الصحة بدبي لمواصلة دراساتها التي بدأت في مستشفى دبي ومستشفى لطيفة مع 10 حالات ولادة عالية الخطورة في كل واحدة منهما، والتي تركز الآن على العيوب الوراثية في التمثيل الغذائي و تسلسل الجينوم الكامل وقت الولادة. ويقول مولوني: “تأمل شركتنا في تشخيص ما يصل إلى 7,000 أمراض نادرة بالاستفادة من تكنولوجيا الجينوم المتقدمة وقياس الطيف الكتلي لإجراء تحليل شامل للأمراض النادرة بين حديثي الولادة والأطفال باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق والتعاون المباشر مع الأطباء وتحديداً مع هيئة الصحة بدبي.
تعمل “بي 4 ام ال” الآن على جذب المزيد من المستشفيات في الإمارات وسلطنة عمان والسعودية للمشاركة في تجاربها المستقبلية. وفقًا لمولوني، من المهم للغاية أن تدعم المرافق الطبية في المنطقة مبادرات شركته. ويقول: “إن عملية التقييم الحالية أثناء الحمل ، والتي تستغرق ما بين 28 إلى 30 يوماً، تتضمن إرسال عينات إلى دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة لمراقبة الكروموسومات التي قد تسبب الأمراض”. ومع ذلك ، تهدف الشركة إلى فتح مختبرات في دبي لإجراء الاختبارات محلياً والحصول على نتائج أسرع في غضون يومين، من خلال تقديم اختبار غير جراحي قبل الولادة. في وقت الولادة، ستوفر الشركة بعد ذلك تسلسل الجينوم الكامل وتعدد الجينات لفهم الأمراض النادرة فعلا عند الأطفال حديثي الولادة”.
في ذات الوقت، عقدت الشركة شراكة استراتيجية مع جهات طبية في آيرلندا حيث مقرها الرئيسي. وعلق مولوني قائلاً: “كذلك قامت شركتنا الناشئة بالدخول في شراكة مع ثيرمو فيشر ساينتيفك، كلية ترينيتي دبلن، والكلية الملكية للجراحين في آيرلندا وجهات أخرى ذات صلة للمساعدة في تطوير أبحاثها المتقدمة التي من الممكن أن تشكل مستقبل الرعاية الصحية”.
في الوقت نفسه، تستغل “بي 4 ام ال” وجودها في دبي لجمع الدفعة الأولى من تمويل بقيمة 2.5 مليون دولار وكذلك للاستفادة من مشاركتها في مبادرات دعم المشاريع الريادية بالإمارة مثل مؤسسة دبي المستقبل وصندوق محمد بن راشد للابتكار للأعمال الذي يهدف إلى تسريع النمو على المدى الطويل. وقال مولوني: ” لقد اسعدنا الحصول على الإقامة الذهبية في الإمارات خلال أبريل الماضي حيث يمنح ذلك الشركة الاستقرار والأمان لمدة 10 سنوات والتمدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.