مترجم بتصرف: مقال لـجانا هاونجي
الآن ومع عودة الأوضاع تدريجياً إلى طبيعتها، قد يعتقد المرء أن الأشياء سوف تعود إلى ما كانت عليه في السابق وأن الموظفين سوف يعودون إلى مكاتبهم. إلا أن هذا لن يحدث في الوقت القريب.
في حين كان عام 2020 صعباً على الجميع، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الشركات، فإن الاعتقاد بأن العودة إلى ما كانت عليه الحياة قبل تفشي الوباء سيكون أمراً خاطئً. في الواقع، تعلم الناس الكثير عن أنفسهم وعملهم خلال هذه الأزمة، والحال كذلك، فإنهم في الواقع أكثر عرضة لترك وظائفهم الحالية، والبحث عن وظائف أخرى توفر لهم ما يرغبون فيه من مرونة وتوازن بين العمل والحياة خارجه.
لكن لماذا هذا الاهتمام الكبير بترك الناس لوظائفهم؟ الموضوع هنا أنه ليس عن “بعض” الأفراد فحسب. ففي مارس 2021، قامت مايكروسوفت بنشر تقريرها مؤشر اتجاهات العمل حيث قامت باستطلاع آراء 31,000 موظف من شتى أنحاء العالم، وقد وجدت الدراسة أن 41% من القوى العاملة في العالم يدرسون فكرة تقديم استقالاتهم والتخلي عن وظائفهم. وقد ذكرت نسبة 54% من إجمالي المستطلعة آرائهم أنهم يعانون من العمل لساعات طويلة، بينما ذكر 39% منهم أنهم يشعرون بالإرهاق. الواضح الآن أن نسبة 41% ليست بسيطة، بل تقارب نصف القوى العاملة الحالية في العالم، وهذا عدد هائل.
وقد كان انتوني كلوتز، بروفيسور الإدارة في جامعة تكساس ايه اند ام أول من ناقش هذا التخلي الجماعي عن الوظائف وهو من قام بنحت عبارة “موجة الاستقالات الكبيرة” للإشارة إلى ذلك، كما عرفت منذ ذلك الحين بعبارة “التخلي الكبير عن الوظائف”. وطبقاً لكلوتز ، فإن الاتجاه الحالي في 2021 بترك الموظفين لوظائفهم طواعية يعتبر واحداً من التداعيات الرئيسية لأزمة وباء كورونا على مكان العمل. فبعد كل ما شهده العالم خلال هذه الأزمة، فإن قضاء الموظفين أكثر من خمسة عشر شهراً وهم يعملون عن بعد، قد سمح لهم بالتفكير في وظائفهم وما إذا كانت توفر لهم توازناً بين ساعات العمل والحياة خارج العمل واكتشافهم طرقاً أفضل لمعالجة الفجوات المفقودة في حياتهم.
هذا من شأنه أن يكون بمثابة تفسير لسبب وجود عدد كبير من الأفراد الذين يتركون وظائفهم، وذلك مع بدء العالم في التحرك نحو حقبة ما بعد وباء كورونا. وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن ملايين الأشخاص يتركون وظائفهم بمعدل ينذر بالخطر، وإذا كشفت هذه الأرقام عن أي شيء، فإنها تعبر عن مستوى الانزعاج الذي يحاول الموظفون التغلب عليه. هل تذكرون ذلك الزمان الذي اعتاد فيه المتقدمون الصراع للفوز بوظيفة في شركة ما؟ وعوضاً عن ذلك تتشكل ملامح العام 2021 باعتبارها سوقاً للمتقدمين لشغل وظائف حيث تتنافس المؤسسات لكسب أفضل الموظفين.
تعتبر هذه الموجة من الاستقالات بمثابة مؤشر إلى أن الموظفين لم يعودوا يرغبون في العمل التقليدي من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساء على حساب حياتهم الشخصية. ولم تعد العلاوات والمكافآت والمرتبات الكبيرة التي تقدمها الشركات تجذب المتقدمين للوظائف بسهولة. الآن تواجه الشركات صعوبة في العثور على بدائل جاذبة تجبر كلا من المتقدمين الجدد للعمل فيها والموظفين الحاليين على البقاء وعدم ترك وظائفهم. في ذات الوقت، لا تسير موجة الاستقالات الجماعية هذه بوتيرة بطيئة، وتتحرك هذه الموجة التي بدأت في الولايات المتحدة بسرعة كبيرة لتصل إلى مناطق أخرى في العالم.
الاستراتيجيات التي يمكن للشركات دراستها لوضع حد لحالة الخوف من فقدان موظفيها
الآن تدرك الشركات تماماً ماهية المشكلة وتفهم مستوى الضرر الذي تعرضت له وقد قامت الكثير منها بخطوات لأجل الحفاظ على موظفيها ووضع استراتيجيات لعلاماتها التجارية بهدف استمالة الموظفين للبقاء في وظائفهم الحالية. ولأجل معالجة موضوع “الاستقالات الكبيرة” يمكن للشركات استخدام عدد من المناهج المختلفة التي تمكنها من تجنب هذه المشكلة:
- دع الموظفين يقررون كيفية رغبتهم في العمل: نعلم جميعاً بأنه لا تراجع عن أسلوب العمل عن بعد، فسوف يبقى لفترة طويلة. وعلى الرغم من المساوئ التي قد تنجم عن تطبيقه (مثل انخفاض التفاعل الاجتماعي بين زملاء العمل، والتواصل المباشر، والتواجد الفعلي في المكاتب، الخ)، إلا أن فوائده تتفوق على ما سبق. فمن خلال العمل عن بعد، ادركت الشركات أن الإنتاجية لم تعد تقاس بعدد الساعات التي يبقى فيها الموظفين داخل المكتب لإكمال مهامهم، فقد أصبح العمل الآن أكثر تركيزاً على الانجازات، وقد أثبتت الحيوية والمرونة أنها تتحكم في ذلك. لذلك، إذا كانت الشركة ترغب في الحفاظ على موظفيها وجذب أفضل المواهب من الموظفين الجدد، عليها التفكير في منحهم خيار كيفية العمل. سواء كان العمل عن بعد أو في المكاتب أو مزيج من الاثنين، هذا الخيار متروك لهم، لا تقوم الشركة بتغييرات مفاجئة في نظام العمل ولا وضع أسلوب عمل موحد لجميع الموظفين.
- توفير تدريب أفضل للمديرين: هناك قضية أخرى ساهمت أزمة الوباء في تسليط الضوء عليها وهي مدى عزلة المديرين عن فرق عملهم. عندما يعاني الموظفون من الإرهاق وساعات العمل الطويلة، يرفع المديرون تقارير تفيد بأن الموظفين يتطورون في مجالاتهم. من المهم أن يكون للمديرين فهم أوضح لكيفية عمل موظفوهم والظروف التي يواجهونها، ووضع استراتجيات لتحسين الإنتاجية. يجب أن تتغير الأساليب والمناهج الإدارية لتتناسب مع متطلبات العمل والإنتاجية والكفاءة. يتوجب تدريب المديرين للتقليل من “هجرة العقول” مع الاستقالات الجماعية للموظفين.
- التأسيس للعدالة من خلال الالتزام بالشفافية: هل هذا القول أسهل من الفعل؟ صحيح. لكن لدى الشركات العديد من الطرق لإثبات التزامها نحو جعل مكان العمل أكثر إنصافاً ومحافظةً على الموظفين. يمكن بخطوات صغيرة زيادة الشفافية وذلك بمجرد الاستماع إلى الموظفين واتخاذ إجراءات بناءً على توصياتهم وطلباتهم. لا شيء يجعل الموظف يشعر بالتقدير أكثر من الاستماع إليه. يمكن أن تدور الخطوات الأخرى حول تحقيق المساواة في الأجور عبر جميع الوظائف المتماثلة، وذلك بغض النظر عن الجنس أو العرق أو عوامل أخرى. إن الشفافية التي تحيط بهذه الممارسة تجعل الموظف أكثر ارتياحاً، كما أنها تقلل من مستوى اختلال المنافسة بين الزملاء في العمل.
- التركيز على إدارة أصحاب المصلحة: لقد ركزنا فيما سبق على حرية الموظف في الاختيار وناقشنا العلاقة بين الإدارة والموظف، كما توسعنا في توافق رضا الموظف مع الإنتاجية وتحسين ظروف العمل. الآن، يجب أن يشعر أصحاب المصلحة بالاطمئنان في ظل الأوضاع الجديدة التي فرضت على طرق التشغيل. يجب أن يكون لدى المديرين الأدوات التي تلبي اعتبارات أصحاب المصلحة هؤلاء في مختلف جوانب سلسلة العمل، وكذلك ضمن مختلف الطبقات أو التسلسلات الهرمية للشركة. يتوجب عدم الوقوع في الخطأ، فالموظفون هم من بين أهم أصحاب المصلحة داخل أي شركة. لذلك، ضع في اعتبارك رفاهية الموظف وضعها في مقدمة كل حوار داخل الشركة.
جعلت أزمة الوباء الموظفين يتعلمون جوانب من حياتهم يرتبط معظمها باكتشاف وتغيير مسيرتهم المهنية، وإذا كانت الشركات ترغب في الاحتفاظ بموظفيها ذوي المواهب، يجب عليها تشجيع التغييرات داخلها. يجب أن يكون التنقل بين إدارات الشركة وخطط التطوير الوظيفي والتدرج الوظيفي المزدوج بمثابة المحور الأساسي لإدارات الموارد البشرية. سيتطلب تعيين موظف جديد وتعليمه عن الأعمال التجارية وجميع جوانبها منحنى تعليمي سوف يكون مكلفاً للغاية بالنسبة للشركات. ولذلك، فإن الاستثمار في الموظفين المهتمين بتغيير مجال عملهم أو مسار تطورهم داخل الشركة أمر أساسي. مرة أخرى، يعتبر التحلي بالمرونة أمر بالغ الأهمية. يمكن للشركات التفكير في الاستعانة بموظفين مستقلين أو بدوام جزئي أو بدوام كامل، خاصة إذا كانت تعمل في سوق متخصصة، إذا كانت تريد الاستمرار في ازدهار أعمالها.
إن الاستقالات الكثيرة للموظفين امر واقع ويتطلب تجنب حدوثه بنجاح وجود عقلية تتمتع بالتخطيط للنمو الاستراتيجي والصبر. من خلال وضع الاستراتيجيات الأربعة المذكورة أعلاه يمكن للشركات السعي نحو عبور هذه الفترة الصعبة.
نبذة عن المؤلفة
تعد جانا هاونجي متمرسة في مجال التوظيف وتتمتع بخبرات متنوعة تشمل مختلف القطاعات سواء كانت سريعة النمو أو بطيئة الخطوات مثل تجارة التجزئة، البناء، المجال الأكاديمي، المنظمات غير الحكومية ومؤخراً دخلت مجال الشركات الناشئة. لديها شغف بالعلاقات الإنسانية وتسعى لبناء علاقات عمل. خلال مسيرتها المهنية، استطاعت تحديث دورة حياة التوظيف في الشركات التي عملت بها وطبقت أفضل الممارسات حسب المجال. حصلت جانا على شهادة من جمعية إدارة الموارد البشرية كمتخصصة في مجال الموارد البشرية. وتشمل مجالات خبرتها التوظيف الرقمي، إجراء المقابلات بهدف العمل والموارد البشرية في مكان العمل.