على الرغم من كونها سوقًا صغيرة في حد ذاتها، إلا أنه لا ينبغي إغفال فرصة استثمار جولات رأس المال المغامر في الأسواق التونسية.
مؤسسة وشريكة إدارية، Ventures01
الآراء التي عبر عنها المساهمون تعبر عن وجهة نظرهم الخاصة.
تمت كتابة هذا المقال بالاشتراك مع يحيى حوري، المدير الإداري لشركة Flat6Labs في تونس.
في عام 2019، ازدهرت الشركات الناشئة التونسية بحيث حققت قيمة استثمار أكثر من السنوات الثلاث السابقة مجتمعة. ولا يبدو أن أزمة كوفيد-19 التي ضربت العالم في عام 2020 قد عرقلت هذا النمو: في مايو 2020 أعلنت شركة NextProtein الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية عن استكمال استثماراتها من الفئة A البالغة 10 ملايين يورو، وهي أكبر جولة رأس مال مغامر تم جمعها حتى الآن في البلاد.
تونس، على الرغم من كونها سوقاً صغيراً يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة، وتعاني من تباطؤ في النمو الاقتصادي الذي أعقب ثورات الربيع العربي في عام 2011، إلا أنها تنمو سريعاً بغرض أن تصبح سوقاً مبتكرة وحيوية لرأس المال المغامر. تتزايد إنجازات الدولة في مجال الابتكار في جميع أنحاء المنطقة بسرعة. فبحلول نفس الوقت تقريبًا من العام الماضي، كانت تونس قد وصلت إلى رأس القائمة التي تضم أكبر خمس دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث عدد الصفقات الاستثمارية، وهو إنجاز كبير نظراً لأن البلاد لم تكن قد وصلت إلى المراكز العشرة الأولى من قبل.

والأسباب الثلاثة الرائدة التي جعلت النظام البيئي التونسي مناسبًا لرأس المال المغامر وميزته عن غيره من الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي: الإمكانات الابتكارية القوية، والمجتمع الناشئ النشط الذي يقود تغييرات صديقة للابتكار في هياكليته القانونية والاقتصادية، وإمكانية الوصول الفريدة إلى الأسواق الأوروبية.
موهبة هندسية فريدة تقدم ابتكاراً حقيقياً
مع وجود 39٪ من سكانها دون سن 24 عامًا، وسكانها المتعلمون جيدًا وتزايد التواجد في المناطق الحضرية، تعتبر تونس واحدة من أكثر البلدان ابتكاراً في إفريقيا والعالم العربي، حيث تحتل المرتبة 52 عالمياً في مؤشر بلومبرج للإبتكار 2020. لطالما كانت تونس معروفة بوصفها مصدراً للمواهب الواعدة في أوروبا، ولكن مع تزايد الفرص محلياً، بدأ تأثير ذلك يصب أخيراً داخل البلاد.
لقد تحول التركيز بشكل متزايد نحو الاستفادة من رأس المال البشري للبلاد والتأكد من أنه مجهز لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. منذ تأسيسها قبل أربع سنوات، قامت GoMyCode، مدرسة البرمجة سريعة النمو التي أصبحت بسرعة مصدراً لمواهب للشركات الناشئة التونسية، بتدريب 5000 مطوراً في جميع أنحاء البلاد، وافتتحت ثلاثة مكاتب محلية في أقل من عام واحد تم إنشاؤها في كل من المغرب والجزائر قبل بضعة أشهر، وتستهدف المدرسة طرح خططاً للتوسع في مصر ونيجيريا والبحرين في عام 2021.
بدأت النتائج في الظهور، وبدأ رواد الأعمال التونسيون في تحقيق التميز على المستوى العالمي بفضل ابتكاراتهم وتقنياتهم العميقة. يقع مقر شركة Instadeep في تونس، وحققت الشركة 7 ملايين دولاراً أمريكياً في العام الماضي، وتم ترشيحها مؤخراً كواحدة من أكثر 100 شركة ناشئة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، ودخلت مؤخراً في شراكة مع مؤسسة BioNTech الرائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا الصحية للأستفادة من الذكاء الأصطناعي لدعم الأكتشاف وتطوير علاجات مناعية جديدة، بما في ذلك تطوير لعلاج كوفيد-19.
تغيير نشط في سياسة الريادة المجتمعية، من الأسفل للأعلى
تم إجراء تحسينات تنظيمية كبيرة لتمكين الابتكار في تونس في السنوات القليلة الماضية. في عام 2018، أقرت الحكومة قانون الشركات الناشئة، وهو إطار قانوني مصمم لتحفيز الطلب على الابتكار وتعزيز ريادة الأعمال برؤية أوسع لتطوير البلاد لتصبح “دولة ناشئة” على مفترق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفريقيا نفسها. حتى الآن، حصل ما يقرب من 400 مشروع على علامة شركة ناشئة ضمن مجموعة واسعة من الصناعات.
قانون الشركات الناشئة في تونس مهّد الطريق لطرح مقترحات متعددة في بلدان أفريقية أخرى، بما في ذلك السنغال ورواندا وكينيا وإثيوبيا وأوغندا، حيث انضموا إلى المنافسة وهم في مراحل مختلفة من تحقيق نجاحاتهم الخاصة التي تعكس الاهتمام المتزايد بتحسين البيئة المناسبة لازدهار الشركات الناشئة والمستثمرين.
وعلى الصعيد المحلي، يعمل قانون الشركات الناشئة على إحداث تأثير فائق للتغييرات التنظيمية عبر مختلف الكيانات الحكومية، مما يتيح بشكل فعال لاستراتيجية أوسع نطاقاً لوضع البلاد بوصفه مركزاً للابتكار من خلال الاستفادة من المشهد التكنولوجي الناشئ لتحسين التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، أطلق البنك المركزي التونسي للتو صندوق الاختبارات التنظيمية الذي طال انتظاره والذي يهدف إلى تحفيز صناعة التكنولوجيا المالية.
تمضي تونس إلى الأمام، لكن القلق هو أنها قد لا تكون تمضي قدماً بالسرعة الكافية مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى التي تجتذب المزيد من رأس المال. ومن الأمور التي قد تساعد في تسريع العملية، المبادرات الموازية للتحسينات التنظيمية مثل صندوق الأموال المدعوم من المانحين البالغ 200 مليون دولار والذي يتم تشكيله حاليًا، وهو جهد ملموس وواضح لديه القدرة على إحداث ثورة في المشهد الاستثماري في تونس لسنوات قادمة.
الموضوعات ذات الصلة: صنع السياسات من أسفل لأعلى: نظرة على أصول قانون الشركات الناشئة التونسي البارز
وصول استثنائي إلى الأسواق الأوروبية وما ورائها
لطالما كان القرب من الأسواق الأوروبية متاحاً فقط للصادرات التونسية الأساسية مثل زيت الزيتون والمنسوجات والفوسفات والمواد الكيميائية. وفي الآونة الأخيرة، بدأ رواد الأعمال في الانتفاع من الفرص الأوروبية من خلال استغلال المواهب منخفضة التكلفة وعالية التأثير في تونس، واستهداف الأسواق الأوروبية والعالمية.
شركة Expensya هي شركة ناشئة تأسست في تونس ولكن مقرها الآن في باريس. قامت بتطوير نظام SaaS لإدارة النفقات، ولديها أكثر من 5000 عميل من الشركات في 100 دولة مع منافذ بيع في فرنسا وألمانيا وإسبانيا. تمكنت الشركة من جذب استثمارات من ISAI، وهو صندوق استثماري بقيمة 175 مليون دولار يستثمر في شركات التكنولوجيا في مراحل النمو المُبكرة في فرنسا، بالإضافة إلى إحدى شركات رأس المال المغامر الفرنسية الرائدة، Seventure Partners.
استحوذت شركة Barac، وهي مشروع للأمن السيبراني مقرها لندن وأسسها تونسيون، على عملاء كبار مثل بنك باركليز وأصبح صيتها ذائعاً في مجال الصناعة، وتم اختيارها للانضمام إلى برنامج تسريع الإنترنت المرموق الذي تديره الحكومة. باستخدام خبرة الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليلات السلوكية، طورت شركة Barac نظاماً أساسياً يستهدف القطاع المصرفي ويكتشف البرامج الضارة المخفية داخل حركة المرور المشفرة، دون الحاجة إلى فك التشفير.
لا يتوقف توسع الشركات الناشئة التونسية عند أوروبا. Cognira، مشروع مقره الولايات المتحدة مع منصة تحليلات متقدمة تركز على البيع بالتجزئة أسسها رجل أعمال تونسي، وتم تصنيفها العام الماضي كواحدة من أسرع الشركات الناشئة نمواً في أتلانتا.
لكن هذه الشركات كانت قادرة فقط على التوسع والمنافسة على الصعيد العالمي بفضل عزيمة رجال الأعمال المرنين للغاية، والذين يتمتعوا بخبرة من خلال رحلاتهم من كونهم مهاجرين ومن خبراتهم المهنية متعددة الثقافات. بالنسبة لمعظم رواد الأعمال، يعتبر الخروج من الحدود التونسية طريقاً إدارياً طويلًا وشاقاً جعل الكثيرين في حيرة.
فرصة رأس المال المغامر التونسي: عظيم ولكنه صعب
على الرغم من كونها سوقاً صغيرة في حد ذاتها، لا ينبغي إغفال فرصة جولات رأس المال المغامر في السوق التونسية. ومع ذلك، فإن سياق الاقتصاد الشامل الحالي يخلق العديد من الحواجز أمام نمو الشركات في المراحل المبكرة. نظراً لأن النظام البيئي للشركات الناشئة لا يزال جديداً، فإن معظم المشاريع المزدهرة ما زالت في مرحلة مبكرة من النمو، مما يمثل أعلى مخاطر للفشل دون وجود دعم تجاري كافٍ.
تهيمن البنوك على النظام المالي بمتطلبات ضمان عالية وتكلفة رأس مال عالية، وتظل مصادر التمويل البديلة متاحة لتجنب المخاطر، مع التركيز بدلاً من ذلك على المرحلة اللاحقة من المشروع. رأس المال الخاص بالنمو للشركات في المرحلة المبكرة نادراً ما يبقى بعد التمويل الأولي، مما يمثل فجوة رئيسية في شكل التمويل.
لا تزال هناك عقبات إدارية أمام إدارة الأعمال، لكن المؤشر يتحرك ببطء في اتجاه إيجابي. حان وقت الاستثمار، في حين أن فرص الاستثمار لا تزال في متناول الجميع، لا سيما بالمقارنة مع باقي التقييمات المتضخمة في المنطقة.
الموضوعات ذات الصلة: منتدى تونسي للشركات الناشئة يركز على الفرص المتاحة للمستثمرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعلى رجال الأعمال التونسيين