حمل عام 2020 بجدارة لقب عام التغيير، فعلى مرّ أيامه قمنا بتغيير طرق وأساليب وبيئات وأوقات عملنا، بل تخطينا جميع ذلك لدرجة أننا غيّرنا الهدف المنشود من وراء عملنا، الأمر الذي أسفر عن صعود قوى عاملة “موزعة في كل مكان”، بالتزامن مع ظهور إشارات مبكرة من قبل المؤسسات حول العالم تشير إلى أن هذا التوجه بات أمراً واقعاً.
وفي هذا السياق، استعرضت شركة في إم وير، وعلى لسان كريستين دال ستيدل، نائب رئيس وحدة حوسبة المستخدم النهائي في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، بالتعاون مع د. كارل بينيديكت فراي، مدير برنامج مستقبل بيئات العمل لدى جامعة “أكسفورد”، أبرز 3 توقعات حول مستقبل بيئات العمل لعام 2021، وهي:
التوقع الأول: قياس معدل إنتاجية الموظف سيعتمد على المخرجات وليس على المدخلات
“لن يشكل الحضور إلى المكتب وتسجيل ساعات العمل أية ميزة إضافية للموظف، حيث سيتراجع التركيز على المدخلات لصالح إيلاء المزيد من الاهتمام للمخرجات. كما أننا سنشهد خلال العام 2021 تسارعاً في وتيرة تغيّر طرق التفكير، بحيث ستتوجه مؤسسات الابتكار عالية التنافسية نحو إلى قياس المخرجات والنتائج، عوضاً عن المدخلات والأسباب (بما فيها الدوام الروتيني في مقر الشركة)”، فقاً لرأي د. “فراي”.
ومن المتوقع أن يشهد العام 2021 توجهاً كبيراً نحو تقييم الأداء استناداً إلى الثقة المتبادلة التي سيتم من خلالها تقييم أداء الموظفين وفقاً لإنجازاتهم، وليس بناءً على يقوم به الموظف.
التوقع الثاني: احتدام المنافسة على استقطاب المواهب، والحفاظ عليها
“تعيش الشركات حالةً من التنافس المستمر الذي لا يقتصر فقط على أسواق المنتجات، بل أيضاً على أسواق العمل. وعندما يسقط عائق التواجد في بيئة العمل، تنمو أصول المواهب بحيث يصبح بإمكان أصحاب العمل توظيفها واستثمارها من أي مكان يتواجد فيه الربط الشبكي بالإنترنت”، يضيف د. “فراي”.
فعندما تمتلك المؤسسات قاعدة متينة وموزعة من القوى العاملة، يتلاشى الحيّز الجغرافي، ما يتيح للشركات القدرة على التوظيف وفقاً لحزمة المهارات والمزايا. وهو ما وجدناه جليًّا عندما قمنا باستطلاع آراء قادة الشركات والأعمال في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، حيث أشار 82 بالمائة منهم أن ممارسات العمل عن بُعد ساهمت في توظيف المرشحين الذين يعيشون خارج حدود المراكز والعواصم الاقتصادية الكبرى.
وفي خضم الحرب العالمية القائمة من أجل الاستحواذ على المواهب، فإن التحلي بالقدرة على توفير تجربة رقمية حقيقية ورائدة للموظفين، مع إتاحة إمكانية الوصول إلى الأجهزة والتطبيقات التي يحتاجونها، سيحتل ذات الدرجة من الأهمية، إن لم يكن أكثر، مقارنةً بعوامل التوظيف التقليدية، مثل الراتب والمزايا.
التوقع الثالث: تعزيز قيمة التفاعل بين القوى العاملة الموزعة
يقول د. “فراي”: “عادت التقاربات والتفاعلات العشوائية بالفائدة الجمّة على مسيرة الابتكار، وذلك منذ أن انطلقت خلال عصر النهضة في فلورنسا حتى وصلت إلى عصر “سيليكون فالي”. ومن الأرجح أن نشهد ظهور مجموعة جديدة من برامج وأدوات التشاركية التي ستحاول إدراج عنصر الصدفة غير المدروسة إلى بيئات عملنا المهنية”.
كما أظهرت نتائج دراستنا أن 76 بالمائة من الموظفين أفادوا أنهم يشعرون بروابط وعلاقات شخصية أقوى تجمعهم بزملائهم، وذلك نتيجة تطبيقهم لممارسات العمل عن بُعد. لذا، يتوجب على قادة الشركات والأعمال استثمار هذه النقطة من أجل إعادة إنشاء لحظات من “العلاقات الإنسانية”، التي من شأنها إثارة وطرح الأفكار الجديدة، وتحفيز الابتكار.
فضلاً عن أن تحقيق التوازن المثالي ما بين ممارسات العمل عن بُعد ومكاسب الإنتاجية من جهة، والتفاعلات القيمة القادرة على دفع مسيرة الابتكار وأداء الأعمال على المدى الطويل من جهةٍ ثانية، سيصبح محط اهتمام العديد من المؤسسات خلال العام 2021.
على أعتاب المستقبل
في ظل قوانين ولوائح العمل “من أي مكان” السائدة حالياً، سقطت جميع القيود المرتبطة بالحيّز الجغرافي أو بالموقع، وستتميّز فرق العمل الناجحة وفقاً لنهجها المتّبع في سبيل تعزيز الإنتاجية، وتجربة الموظف، والإبداع. وكي تتمكن المؤسسات من تحقيق النجاحات الحقيقية في خضم هذا العالم الجديد، ينبغي عليها التأكد من قدرتها على مواكبة وتبني هذه التوجهات الجديدة.