بقلم نيكولاس رايت، مدير المبيعات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ساكسو بنك
لعل أحد أبرز التأثيرات الإيجابية، على ندرتها، للجائحة دورها في تسريع وتيرة التحوّل الرقمي التي انتهجتها مختلف مؤسسات الخدمات المالية. وأعتقد أن أي شكوك وجدت في السابق حول مدى أهمية هذا التحوّل بالنسبة للقطاع قد تلاشت الآن. واكتسبت التقنيات المالية أهمية بالغة لعمل الشركات أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ ساعدت الظروف الراهنة في تسليط الضوء على الحاجة الملحّة لتبني التقنية في عمليات البنوك ومؤسسات الخدمات المالية الأخرى.
ويغطي مصطلح “المؤسسات المالية” مجموعةً واسعةً من مجالات القطاع، بداية بالبنوك ومؤسسات إدارة الثروات وصولاً إلى وسطاء البورصة. ويمكن اختصار القاسم المشترك بين هذه المؤسسات خلال المرحلة الماضية بتوضّح حاجتها الماسّة لتقديم خدماتها بصورة رقميّة، سواء ارتبطت هذه الخدمات بالخدمات المصرفية للأفراد، أو الخدمات المصرفية الخاصة، أو الاستثمار في أسواق الأوراق المالية. ولم تشهد الفترة السابقة لفرض إجراءات الإغلاق بروز العديد من مشاريع التحوّل الرقمي المماثلة، ليتضح فيما بعد أن جائحة كوفيد-19 شكلت الدفعة الأخيرة لإقناع كبار مسؤولي الإدارة التنفيذية بضرورة المسارعة للتحرّك نحو هذا التحوّل.
وعلى سبيل المثال، لاحظنا تباطؤاً نسبياً في الشرق الأوسط نحو اعتماد حلول متقدمة مثل الاستثمار في روبوتات الخدمات المالية. لكن، ومنذ تفشّي جائحة كوفيد-19، ظهر تحوّل كبير في زخم المؤسسات المالية للشروع باستثمارات مماثلة قائمة على التكنولوجيا.
وتمتلك المؤسسات المالية الآن جميع الأسباب التي تدعوها لتوفير معظم جوانب خدماتها بشكل رقمي. ولا يقف الأمر عند تعزيز مزايا أعمالها، حيث بات العملاء يطالبون بامتلاك القدرة على التحكم في استثماراتهم والوصول إليها من منازلهم أو أي مكان يتواجدون فيه عبر هواتفهم المحمولة. ومنذ تأسيسه قبل 30 عاماً تقريباً، يولي ساكسو بنك اهتماماً واضحاً بمزايا التكنولوجيا المالية والتشغيل الرقمي، ويركّز طموحاته نحو تعزيز ديموقراطية التداول والاستثمار. ونجحنا على مرّ السنين بتطوير منصات وتقنيات تتيح لعملائنا التداول أو الاستثمار بمعزل عن قيود المكان والوقت. وكما يتضح لنا، فإن تخلّف أي مؤسسة عن ركب التحوّل الرقمي بات يمثّل تهديداً حقيقياً لوجودها، حيث سيتوجه العملاء بسرعة نحو البدائل الرقمية.
على أي حال، ينبغي أن تكون البنية التحتية التقنية من الأولويات الرئيسية للمؤسسات المالية لتتمكّن من تشغيل وإدارة أعمالها بصورة رقمية وعن بُعد. وسلّطتإجراءات الإغلاق الضوء على عدم امتلاك العديد من الشركات لمثل هذه القدرات، وأكدت ضرورة توجهها الآن نحو ترقية بنيتها التحتية. وستتضمن المرحلة الثانية من رحلة التحوّل الرقمي قيام تلك الشركات بترقية بنيتها التحتية التقنية لتتمكن من توفير خدماتها للعملاء بصيغة رقمية.
وغالباً ما تغفل المؤسسات المالية مناقشة إحدى المزايا الهامة لهذا التحوّل، والمتمثلة في التحسينات التي يمكن أن توفرها التقنيات الرقمية للخدمات الإدارية، ولا سيّما استقطاب عملاء جدد ومتطلبات الامتثال ومعرفة العميل. ويعتبر استقطاب العملاء الجدد واحداً من أكثر المهام استهلاكاً للوقت وكوادر الموظفين. ومن شأن القدرة على تسيير مراحل هذه العملية بصورة رقمية توفير ساعات عمل ثمينة يمكن للموظفين استغلالها لأداء مهام تضفي على الشركة قيمة أكبر.
التطوّر التكنولوجي الذي سيعيد رسم ملامح الخدمات المالية
لا شك بأن إدارة الثروات والخدمات المصرفية الخاصة تشكّل مجالاً مهماً تسهم عبره التكنولوجيا في تحويل قطاع الخدمات شكل الخدمات المصرفية. ويمكننا ملاحظة الدور الكبير لتقنيات بلوك تشين والذكاء الاصطناعي في تطوّر هذا المجال من الخدمات المالية.
ونشهد بالفعل تحوّلاً في نموذج أعمال إدارة الثروات، حيث بدأت الهيئات التشريعية في بعض المناطق بتحديد الرسوم التي يمكن أن يتقاضاها المستشارون. وسيُحدِث ذلك تأثيراً كبيراً يدفع شركات إدارة الثروات للعثور على سُبل إضافية لتحقيق الكفاءة في أعمالها بهدف تعويض خسائر الإيرادات الناجمة عن تخفيض رسوم المستشارين.
وستحدث تقنية بلوك تشين نقلة نوعية في قطاع الخدمات المالية في المستقبل، إذ ستسهم هذه التقنية في تعزيز القيمة عبر زيادة إمكانية الوصول، وتوفير قدر أكبر من الشفافية والأمان، وسرعة في التعاملات مع تخفيض التكلفة بشكل عام. كما تساعد تقنية بلوك تشين في النهوض بالقطاع نحو الأفضل، لا سيّما مع ازدياد تعقيد الخدمات المالية العالمية نظراً لوجود العديد من الأطراف الخارجية والوسطاء في التعاملات.
ونولي مزيداً من الاهتمام لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة الثروات، ويُتوقع أن تلعب هذه التقنيات دوراً حاسماً في تزويد المؤسسات بخدمات متكاملة ومخصصة، التي تشكل بدورها الدعامة الأساسية للخدمات المصرفية الخاصة. وتزداد أهمية هذا الأمر بالنسبة لجيل الألفية الذين سيصبحون قريباً من أصحاب الثروات الكبرى، حيث سيشكلون الجيل القادم من عملاء إدارة الثروات، والشريحة الأمثل للاستفادة من المنتجات الرقمية.
وفي الشرق الأوسط، نشهد اهتماماً متزايداً بمحافظ أدوات الاستثمار المُدارة، ولاسيما ساكسو سيليكت التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية لمنح العملاء سهولةً أكبر في اختيار محفظة تتماشى مع أهدافهم الاستثمارية وتكفل لهم توازناً أمثل للمخاطر مُقابل العوائد. وتزداد جاذبية هذه المحافظ بفضل ما توفره للمستثمرين من مستويات عالية من الشفافية والتحكم، ما يتيح للعملاء مراقبة استثماراتهم على مدار الساعة عبر منصتنا وسحب الاستثمارات في أي وقت دون أي تكلفة إضافية.