يكتسب التخصيم (تمويل الذمم المدينة) الإسلامي أهمية متزايدة باعتباره أحد المحفزات المعنية بنمو التجارة الدولية، ومع ما يشهده هذا المفهوم من نمو ملحوظ، فهو يعرّف الشركات الصغيرة والمتوسطة وسلاسل التوريد حول العالم على أسلوب التمويل المبتكر الذي يشكل عنصراً بالغ الأهمية بالنسبة لبعض الاقتصادات التي تحقق قفزات نمو بخطى متسارعة. وإلى جانب ما ينطوي عليه التخصيم الإسلامي من قدرات فائقة لدعم نمو الأعمال في هذه المناطق، فهو يساعد أيضاً في تحفيز النمو الاقتصادي والاستدامة من خلال توفير السيولة والتوسع.
إن التخصيم الإسلامي، باعتباره حلاً بديلاً لرأس المال العامل، قد أصبح بالفعل جزءاً متنامياً من حركة الأعمال اليومية ويكتسب حصة ملفتة ومتزايدة في سوق التمويل العالمي غير المتوافق مع الشريعة الإسلامية. تتوقع دراسات السوق حدوث نمو قوي في قطاع التخصيم الإسلامي العالمي، والذي من المرتقب أن يشهد توسعاً بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 14.6% ليصل إلى 9,275.15 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. إن الوعي المتزايد بالتخصيم الإسلامي كمنتج، إلى جانب التطورات التكنولوجية والحاجة إلى التمويل والكفاءة في استلام دفعات الفواتير، والنشاط التجاري المتنامي بين الدول والشركات الصغيرة والمتوسطة، تشكل مجتمعة بعضاً من العوامل الرئيسية الكثيرة التي تدفع عجلة نمو أنشطة التخصيم.
ويمثل التخصيم الإسلامي فرصة كبيرة لأصحاب المصلحة لتعزيز النمو الاقتصادي في البلدان الإسلامية وفيما بينها. وفي حين أن هذا الحل يعد جديداً نسبياً على العالم الإسلامي، إلا أن لديه القدرة على تحويل التدفق النقدي وتسهيل التداول وتحسين ظروف وبيئة الدفع والخدمات المالية بين الشركات وشبكات مورديها. كما يوفر القطاع للمستثمرين استثمارات بديلة منخفضة مستوى التقلبات وقصيرة الأجل ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتركز على الاقتصاد الحقيقي في حين أنها تتيح في الوقت ذاته عائدات جذابة وقيمة.
فيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة – وخاصة المصدرين والمستوردين للسلع المتعددة والبضائع –قد يلعب التخصيم دوراً حيوياً بحيث يشكل من حيث أهميته شريان الحياة الذي يسد فجوة التدفق النقدي، وهو أحد الأسباب العديدة التي دفعت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC) لتأسيس فرع جديد للتخصيم الإسلامي داخل مؤسسة “إف سي آي” (FCI). وسوف يدعم الفرع الجديد الشركات الصغيرة والمتوسطة ويساهم في زيادة فرص التمويل لكل من قطاع التجارة المحلي والدولي، وذلك وفقاً لقواعد وأنظمة التخصيم الإسلامي الصادرة عن “إف سي آي” (FCI). ولضمان الرقابة على الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية بشكل دائم، تضم لجنة الفرع مسؤولين تنفيذيين من أعضاء الفرع ذاته، يتم اختيارهم بشكل مشترك من قبل المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC) و “إف سي آي” (FCI). ويأتي إنشاء الفرع في أعقاب القرار المتخذ من قبل “إف سي آي” (FCI) في عام 2018 بتعديل قواعده وأسسه لدعم أنشطة التخصيم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية من أجل ضمان تطبيقه ونشره على نطاق واسع ضمن شبكتها.
يشار إلى أنه من المرجح أن يشهد التخصيم الإسلامي، على المدى المتوسط، إقبالاً متزايداً من قبل البنوك الإسلامية والمؤسسات غير المصرفية. وسيشكل شمول وإدراج أنشطة التخصيم الإسلامي في شبكات البنوك المرموقة علامة فارقة في مسيرة تطور التجارة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (OIC)، وذلك باعتبار أن التخصيم أداة مهمة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي هي جزء لا يتجزأ من سلسلة التوريد العالمية. وعلاوة على ذلك، لا يقتصر التخصيم الإسلامي على البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي فقط، بل ينطوي أيضاً على إمكانات هائلة يمكن تسخيرها للشركات المتوزعة حول العالم التي ترغب في المشاركة بأنشطة التخصيم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية: سواء منها الشركات الإسلامية وغير الإسلامية في جميع الدول. وبمرور الوقت، وبعد أن يكتسب التخصيم الإسلامي مزيداً من النمو وتترسخ مكانته في السوق، سيصبح معروفاً ومفهوماً بشكل أفضل كوسيلة تمويل فاعلة وشاملة للشركات الصغيرة والمتوسطة من مختلف الأشكال والأحجام. ولذلك، ينبغي على الحكومات والبنوك المركزية وأصحاب المصلحة الآخرين أن يدركوا بأن هناك فرصة حقيقية لتحقيق النمو من خلال دعم التخصيم الإسلامي.
لا شك أن التخصيم الإسلامي يقدم فرصة للاستفادة من هذه الفترة الذهبية في عالم التمويل الإسلامي وتغيير التدفقات التجارية بين الشرق والغرب. واليوم هو الوقت الأنسب لتحقيق الريادة في مجال التخصيم المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية من قبل الشركات من مختلف التخصصات التي ترغب في إحراز النمو والنجاح من خلال الاعتماد على منتجات التخصيم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
بقلم المهندس هاني سالم سنبل، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC)