قناة “ايجيبتون” أول قناة إنيميشن للشباب داخل مصر، وهي نموذج للشركات الناشئة التي تخطت عقبات التمويل وتجربتها تعكس المصاعب التي تقف في وجه المواهب وأصحاب الأفكار الإبداعية، حيث تغيب البيئة المناسبة لدعم المواهب الريادية.
أثبتت “ايجيبتون” أول قناة كارتون مصرية على اليوتيوب، نفسها بقوة من خلال تناولها الساخر والعميق لحياة المصريين اليومية وهم روّاد الكوميديا الذكية، وبنقد القضايا الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية.
الدكتور أشرف حمدي مؤسس ومدير “ايجيبتون” انطلق عصامياً معتمداً على موهبته ومشاركة فريق عمله الذي لايتجاوز الثلاثة، عمل في بداياته مع عدة صحف وجهات إعلامية مصرية، واشتغل مديراً لمكتب “خرابيش” مخرجاً ورساماً ومؤدياً، ومن ثم أسس قناته الخاصة “ايجيبتون” وهو اليوم شريكاً لموقع يوتيوب الشهير يزوَده بالكثير من أفلام الإنيميشن التي لاقت رواجاً كبيراً وحجم مشاهدات بالملايين.
أطلق حمدي قناة “كلايتون” أيضاً وهي قناة مجانية على الانترنت لتعليم فنون التشكيل بواسطة الصلصال. كما استضافه باسم يوسف في برنامجه الشهير “البرنامج” بعد أن لفت النظر كواحد من أهم مخرجي ورسامي أفلام الرسوم المتحركة في مصر. ولكن على الرغم من كل تلك الموهبة التي انفرد بها حمدي. لم يستطع لفت نظر احد من روّاد التمويل الملائكي، ولم يلتقي بجهة ممولة عامة أو خاصة تطلق العنان لموهبته.
أشرف حمدي، تحدث لمجلة روّاد الأعمال عن بداياته وعن فرحه بتحقيق تمويل وصل إلى 1200 دولار. حظي به عن طريق منصة للتمويل الاجتماعي، واعتبر هذا التمويل مناسباً جداً ويكفيه عدة أشهر!!
بقدر فرح أشرف حمدي بالحصول على هذا المبلغ الضئيل في عالم تمويل الشركات الناشئة، بقدر مايحزننا تردي بيئة الأعمال في بلد كمصر يضج بالمواهب والأفكار المبدعة.
فيما يلي نص الحوار:
حدثنا عن بداياتك.. كيف تركت عالم طب الأسنان وتفرغت لرسم الكاريكاتير ما الذي جذبك للاستمرار والتعمق في هذا المجال وصولاً للرسوم المتحركة؟
بدأت في العمل كرسام للكاريكاتير منذ العام الأول لي بكلية طب الفم والأسنان 1999 بمجلة كلمتنا، وبعدها انتقلت إلى مجلة كاريكاتير الصادرة عن الجمعية المصرية للكاريكاتير ثم مجلة صباح الخير.
ما جذبني إلى فن الكاريكاتير جمعه لأكثر شيئين أحبهما (الرسم الهزلي والنقد الساخر) كما أنه سريع الوصول وله تأثير قوي على القاريء وهو مرتبط بالعمل الصحفي الذي أحبه أيضا.
يحتاج عالم الانيميشن والتحريك لخبرة وتجارب ودراسة عميقة فكيف تعلمت ومتى بدأت فعليا في إنتاج أفلام الكرتون؟
استغرق الأمر سنتين عمل وتعليم مكثف بشركة للرسوم المتحركة كنت أتقاضى منها أجراً ضيئلاً وعملت فيها رسام ستوري بورد وكنت أعود من العمل كل يوم لأدرس من كتب متاحة عبر شبكة الإنترنت وأطبق ما تعلمته في اليوم التالي بالشركة. وأحيانا كنت أقوم بإرسال بعض صفحات الستوري بورد لأستاذة رسوم متحركة كندية عبر البريد الإلكتروني لتصححها لي وهو ما أفادني كثيراً.
ولأنني شغوف بالرسوم المتحركة بدأت في دراسة الإخراج السينمائي مستعيناً بكتاب المعهد العالي للسينما (مباديء اللغة السينمائية) بالإضافة لكورسات إخراج على موقع يوتيوب، ثم تعلمت أساسيات التحريك وقمت بإنتاج أول فيلم لي أثناء عملي بشركة الرسوم المتحركة في 2008، ولم أتأثر بمدرسة أو بشخص معين ولكنني بشكل عام أحب الـ retro style والتحريك المسطح flat animation و الـ cutout الرقمي.
مررت بعدة تجارب قبل ايجيبتون أهمها فيديوهاتك الخاصة على اليوتيوب ثم انتقالك لشركة خرابيش. كيف كانت تلك التجارب؟ وما مدى تأثيرها في مسيرتك الفنية ؟
في أول تجربة لي قمت بعمل فيديو بعنوان (شبشب حمام) على قناتي باليوتيوب ولاقى نجاحاً لا بأس به، بعدها اشتركت مع زملائي بشركة الرسوم المتحركة التي كنت أعمل بها وقمنا بإنتاج فيديو بعنوان (رفاهية الشعب المصري) عن تصريحات المهندس أحمد عز وقتها (قبيل الثورة) وحققنا نجاحاً غير عادي، حيث تجاوزت مشاهدات الفيديو أكثر من نصف مليون مشاهدة في أول أسبوع، بعدها عملنا مع شركة خرابيش لمدة عامين ثم انفصلنا عنها 2013 وأصبحنا فريق مستقل وقمنا بإنشاء قناة ايجيبتون في مايو من نفس العام.
بالتأكيد استفدنا كثيراً خلال فترة عملنا بخرابيش، حيث انتجنا أكثر من 100 فيديو خلال الفترة التي قضيناها معهم وهو ما أعطانا الكثير من الخبرة وأصبح لنا متابعين كثر وجمهور خاص، كما أن أعمالنا أعطت خرابيش الكثير من الشهرة في مصر التي تعد من أكبر الدول العربية التي تحقق مشاهدات على يوتيوب.
تعد إيجيبتون نقطة فاصلة في تاريخ فريقها، كيف جاءت فكرة تأسيس القناة وما هي الصعاب التي واجهتكم في البداية؟
مع بداية تفعيل برنامج شراكة اليوتيوب في مصر (والذي كنت مدعواً بالمؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عنه، كأحد النماذج الناجحة على يوتيوب) جاءتنا فكرة إنشاء قناة مستقلة والاستفادة مما يتيحه برنامج الشراكة هذا من مميزات لمنتجي المحتوى المستقلين، وبالفعل قمنا بإنشاء قناة إيجيبتون في مايو 2013 .
ويتكون الفريق الآن من أربعة أشخاص، أنا (كاتب ومخرج ومصمم) وأميرة مصطفى (تحريك) وهاجر الإبياري (أداء صوتي) ومصطفى عشري (تحريك)، أما الصعاب التي واجهتنا فتتلخص في ضرورة النشر المستمر أسبوعياً وهو أمر بالغ الصعوبة في مجال الرسوم المتحركة، ولكننا استطعنا مع الوقت التوفيق بين الجودة وسرعة واستمرارية الإنتاج.
“عندما يتلاشى الحاجز بين الواقع والكارتون” شعار وتميمة إيجيبتون .. فماهو سره؟
في حلقة استضافني فيها الدكتور باسم يوسف في برنامج “البرنامج” ذكرت أنه لم يعد هناك فارق بين الواقع والكارتون، وأعطيت بعض الأمثلة على ذلك من أخبار واقعية ولكنها تبدو كما لو أنها كاريكاتيرات ساخرة، وربما يكون الواقع أشد سخرية من الكارتون نفسه.
فهل يعقل مثلا إنفاق المليارات على أمور بالغة التفاهة ثم نطالب الشعب بالتقشف؟ وهل يعقل مثلاً أن يُخطيء وزير للتربية والتعليم أخطاء إملائية جسيمة؟ وهل يعقل أن يضيع قمر صناعي مصري في الفضاء ويختفي ولا نعرف عنه شيئا؟ الحياة اليومية في مصر مليئة بمفارقات ساخرة جداً وكما يقول المثل المصري (مبروم على مبروم ما يلفّش) فكيف أسخر من واقع هو نفسه ساخر من الأساس؟! ففي كثير من الأحيان لا نفعل شيء على قناة إيجيبتون أكثر من تقديم الواقع كما هو !!!
كعادة تأسيس شركات وأعمال صغيرة يبحث المؤسسون غالباً عن روؤس أموال مغامرة لتمويل أفكارهم فهل لجأتم للبحث عن مستثمرين؟
نحن نستثمر مجهودنا ووقتنا فقط في إيجيبتون، هذا هو رأس مالنا الوحيد، لا يوجد رعاة دائمين لإيجيبتون واعتقد أننا بحاجة للبحث عنهم ولكن تكمن المشكلة في قلة خبرتنا بهذا المجال، فنحن بحاجة لمتخصص تسويق.
ومؤخراً قمنا بعمل حملة Crowd funding على موقع Patreon لدعم ايجيبتون مادياً وفوجئنا برد فعل غير متوقع من جمهورنا حيث استطعنا في خلال 10 أيام تقريباً جمع مبلغ لا بأس به لشراء برامج ومعدات جديدة.
وكيف وجدتم تلك التجربة مع منصات التمويل الاجتماعي ؟ وهل ستكررونها؟
كانت تجربة رائعة ولم نكن نتوقع أي استجابة ولكننا فوجئنا بأكثر من 70 مساهم ووصل إجمالي المساهمات لأكثر من 1200 دولار وهو مبلغ رائع في ظل الأزمة الاقتصادية وغياب ثقافة استخدام البطاقات الائتمانية وحسابات Paypal وغيرها من وسائل الدفع الإلكترونية.
واعتقد أن المبلغ الذي وصلنا إليه أنه كاف لشراء بعض البرامج والمعدات البسيطة . وفي حالة احتياجنا لحملة أخرى سنقوم بها ولكن أتوقع أن ذلك لن يكون قبل 6 أشهر على الأقل.
الهاتف المحمول يؤثرعلى مبيعات يوتيوب
كشريك ليوتيوب كيف وجدتم هذه الشراكة وهل عادت عليكم بالنفع ؟ وماهي أهم المشاكل التي قد تواجه القنوات على هذا الموقع؟
ربما في العام الأول فقط، حيث كانت الأرباح كافية جداً وكنا نتوقع لها أن تزداد مع الوقت ولكن على العكس فوجئنا بأن الربح يقل عاماً بعد الآخر بالرغم من زيادة عدد المشاهدات وهناك أسباب كثيرة جداً أدت إلى ذلك وجميعها خارج نطاق عملنا تماماً وتخص يوتيوب وغوغل، مثلاً الزيادة المهولة في عدد الفيديوهات المرفوعة من الشرق الأوسط، وهذا يعني عدد أقل من الإعلانات المتاحة (زيادة عدد القنوات يفوق بكثير زيادة الإعلانات) بالإضافة لإرتفاع الدولار والأزمات الاقتصادية بمصر والبلاد العربية وعوامل أخرى كثيرة مثل زيادة المشاهدات التي تتم من خلال أجهزة الهواتف الذكية (التي انتشرت مؤخراً بشكل مهول) حيث أنها تعرض عدد أقل من الإعلانات مقارنة بأجهزة الحواسب الشخصية.
نجاح إيجيبتون وانتشارها على اليوتيوب هل حقق المرجو من إطلاقها في ظل المنافسة مع شركات أخرى؟ وما هي أهم وأنجح فيديوهاتكم ؟
بالتأكيد وربما أكتر بكثير مما كنا نتوقع، ولكن أريد أن أوضح فقط أنه لا يوجد منافسة إطلاقاً مع أي شركات كارتون، اليوتيوب منصة مستقلة تماماً وبعيدة عن كل شركات الكارتون والتي تنتج أعمالاً تجارية فقط (إعلانية أو تليفزيونية).
ولعل أنجح فيديوهاتنا وفقاً لعدد الزيارات والانتشار والتأثير فيديو ساخر للدكتورة هبة قطب، وأغنية يا سيسي أمرك، وفيديو عن التحرش الجنسي بعنوان “حيحان” وفيديو ساخر أخر عن المذيعة ريهام سعيد بعنوان “شظايا”.
الممول في عالم آخر لاعلاقة له بالإبداع
في رأيك اطلاق أعمال على اليوتيوب ومنصات التمويل الاجتماعي هل تؤتي ثمارها في الوطن العربي؟ اما أنها لا تزال في مراحلها الأولي؟
ما تزال في مراحلها الأولى، ولكن التجربة تستحق أن تُخاض ولقد خضناها مبكراً جداً في الواقع حتى تكون لنا الريادة بهذا المجال مستقبلاً خاصة وأن المستقبل كما نراه سيكون بمجال النشر الرقمي، وفي مجال ألعاب الفيديو أيضاً، والذي بدأنا أولى تجاربنا فيه بلعبة صغيرة للموبايل اسمها “بروباجندا Propaganda” وحققت نجاحاً لا بأس به وإن لم تحقق عائداً مادياً كبيراً.
بصفة عامة هل تعتقد أن رجال الأعمال في مصر والمنطقة العربية يؤمنون بأهمية الاستثمار في الكرتون والديجيتال؟ أم يرونها مخاطرة غير محسوبة العواقب؟
للأسف لا أحد يهتم بمجال الرسوم المتحركة من الأساس، ربما بدأ البعض يهتم به في مجال الدعاية والإعلان حيث استطاعت الرسوم المتحركة أن تثبت قوتها في الوصول لجميع الأعمار ولكن هذا غير كافٍ للأسف، ولكننا نتوقع ونأمل أن يزداد الاهتمام بهذا المجال مستقبلاً.
أما عن الأعمال الرقمية بشكل عام سواء كانت عملاً للرسوم المتحركة أم لا فإن الموضوع ما يزال في بدايته وما زال العائد المادي متواضعاً للغاية، وحتى يتحسن الوضع لا بد من توفير خدمات إنترنت ممتازة في مصر بالإضافة إلى انتعاشة اقتصادية وضخ المزيد من أموال المعلنين على الإنترنت.
في ظل المتغيرات الحالية مجال الرسوم المتحركة إلى اين يتجه؟ وماهي العقبات التي تعيق هذا الفن خلافاً للتمويل؟
أعتقد أن المجال يزدهر تدريجياً وإن كان ببطء شديد، والعقبات تتمثل في المخاوف الأمنية حيث أن الأعمال المخصصة ليوتيوب تتميز بقدر كبير من الحرية ويمكنها أن تتجاوز كل الخطوط الحمراء المعتادة في الصحافة ووسائل الإعلام التقليدية.
عالمياً فرض مجال الرسوم المتحركة نفسه في صناعة السينما وأصبح منافساً قوياً، هل تعتقد أن في الوطن العربي قد يشهد اطلاق أفلام تحظى بنفس النجاح؟
حتى الآن لا .. لا يوجد منتج واحد مستعد للصرف على فيلم رسوم متحركة بالرغم من وجود الكفاءات الفنية الكافية لإنتاج فيلم قوي، المشكلة أنه من المستحيل إنتاج الفيلم بالجهود الذاتية أولاً ومن ثم البحث عن منتج له ! لأن التكلفة ستكون كبيرة جداً على الفنانين المستقلين وعلى الشركات أيضاً، وأقصد هنا تكلفة الفيلم كوقت ومجهود، ولكنها لن تكون مكلفة إطلاقاً على المنتجين مقارنة بميزانية أي فيلم متوسط مما نراه الآن في السينما، فقط نحتاج إلى منتج متحمس لإنتاج فيلم رسوم متحركة وأنا واثق من أن النتيجة ستكون مذهلة خاصة وأنها ستكون أول تجربة سينمائية بهذا المجال.