ماغي هيوفو وونغ
كما هو الحال في معظم اليابان، كان عام 2011 عاما صعبا للسياحة في مدينة تانابي في محافظة واكاياما، فان آفاق صناعة السياحة في هذه المدينة الهادئة كانت تبدو قاتمة فعليا.
وقد هزت الأمة كلها يوم 11 مارس بزلزال بلغت قوته 9.0 بالاضافة الى التسونامي اللاحقة به، ومن بعد ذلك الإجلاء الذي تفرضه الحكومة في المناطق التي تقع حول محطة فوكوشيما للطاقة النووية.
بين شهري مارس وأبريل من عام 2011، تم تقدير عدد السياح الوافدين إلى داخل البلاد بانخفاض كبير وصلت نسبته الى 90٪ في جميع انحاء اليابان.
بعد ذلك، وتماما عندما كانت مدينة تانابي تقوم بتجميع نفسها من اجل الموسم السياحي في فصل الخريف، ضرب اعصار كبير في المنطقة في شهر سبتمبر.
فيضانات وانهيارات أرضية دمرت الطرق والمنازل وخطوط السكك الحديدية ومركز التراث الذي تم بناؤه حديثا في المدينة.
“لقد كان مدمرا للغاية”، يقول براد تول، مدير تشجيع السياحة الدولية ومدير التطوير في مكتب السياحة تانابي ستي كومانو.
بعد هذا العدد من المصائب ظهور النتائج غير المتوقعة بسببها، تم اثبات ان نموذجا فريدا للتنمية السياحية تم ادخاله مؤخرا في مدينة تانابي كان يعمل.
“ألغيت جميع الرحلات إلى المنطقة باستثناء تلك التي من بنظام الحجز المحلي لدينا”، ويقول تول ان “وكالات السفر ابدت استسلامها من السياحة في مجتمعنا، ولكن لأننا قمنا بخلق النظم المجتمعية الخاصة بنا، كنا أقوى ويمكننا السيطرة على مصيرنا”.
“ونظرا لقوة هذه العلاقات المحلية والأنظمة الشعبية، مدينتنا قد تعافت بشكل أسرع بكثير من تلك المدن الاخرى من حولنا”.
تلك “الأنظمة الشعبية” تشير إلى نموذج جزئي للسياحة الرائدة في المجتمعات المتقدمة، يقول تول، حيث يشارك أفراد المجتمع بنشاط في العملية برمتها (التنمية السياحية)، من خلق رؤية السياحة، وتنفيذ نظم الحجز، وتحسين البنية التحتية ، حتى خلق مبادرات العلامات التجارية، التسويق والمبيعات، وفقا لضابط السياحة.
في الأصل من بلدة صغيرة في مانيتوبا، كندا، عاش تول متنقلا في اليابان ذهابا وايابا منذ عام 1999، وقد أصبح عضوا مؤسسا في مكتب السياحة تانابي سيتي كومانو في عام 2006.
مستغلا تحديات الترويج للسياحة ونشرها نسبيا في مساحة صغيرة يعيش فيها حوالي 80000 شخص في أكبر منطقة من مدينة تانابي سيتي حيث ذهب تول للعمل على إنشاء نظام تحفظات محلي للتغلب على الحواجز اللغوية.
لأن العديد من الشركات التي تديرها العائلات في هذه المنطقة ليست لديها الوسائل لتسويق خدماتهم ولا القدرة على تكلم لغات أجنبية، فإنه كان من الصعب بالنسبة للمسافرين، وخاصة المسافرين الدوليين، البحث عن المنطقة أو القيام بالحجوزات فيها.
بعد التشاور مع المجتمع، تم بناء نظام الحجز عبر الإنترنت باللغة اليابانية والصينية والكورية والإنجليزية، الفرنسية والإسبانية، من اجل السماح للمسافرين القيام بالحجز بصورة أكثر سهولة والحصول على الخدمات مباشرة من الشركات الفردية.
وكانت هذه النتيجة هي الدليل الأكثر شمولا لهذه المنطقة والتي تم نشرها اكثر من أي وقت مضى، ومنبرا لتعزيز الخدمات المحلية.
“كل الأعمال التجارية يمكن أن تكون عضوا”، يقول تول “من خلال تعبئة جميع الشركات المحلية في موقع واحد، فان الأرباح تعود إلى تانابي بدلا من وكالات السفر في المدن الكبيرة”.
من أجل أن تكون بمثابة وسيط بين المسافرين والشركات، يجب ان يتم تسجيل مكتب السياحة لتم باعتبارها رسميا بانها وكالة السفر، وهذا يتطلب كميات هائلة من التمويل، والأوراق والضغوطات.
“لقد تم السيطرة على اليابان، من قبل وكالات السفر القوية والكبرى لفترة طويلة”، ويقول تول “لا أحد يمكن تصور هذا النوع من نموذج السياحة وأنها يمكن أن تكون فعالة في الواقع” ويتابع قائلا “لا يوجد شيء آخر مثل ذلك في اليابان”.
أنفقت مئات الساعات في الاجتماع مع الشركات المحلية للتوصل الى اتفاقات حول الخطط والأسعار والعمولات، “لقد سافرنا إلى أماكن الإقامة، والتقطوا صورا وسجلت المعلومات تقريبا ليلا ونهارا لعدة أشهر” يقول تول “وهذه هي المرة الأولى للمجتمع في اليابان ان يقوم ببدء وكالة السفر الخاصة بهم ونظام الحجز للمسافرين المحليين والدوليين”.
استغرق الأمر ثلاث سنوات للعمل من خلال كل الأوراق والتسجيل للحصول على ترخيص وكالات السفر، في عام 2012، بعد أقل من عامين من إطلاق النظام، تم تسمية تانابي سيتي ليكون في الدور النهائي للمنافسة على جائزة الغد للسياحة من قبل مجلس السفر والسياحة العالمي، الجائزة تحتفل بالابتكار في مجال السفر والسياحة.
بدأت وفود من جميع أنحاء اليابان بزيارة تانابي لدراسة نموذج السياحة، في عام 2015، تم إدراج مكتب السياحة تانابي في قائمة طويلة للجائزة العالمية للسياحة المسؤولة.
كانت المسؤولية الرئيسية لمكتب تانباي الذي يتكون من خمسة رجال هو لصون وتعزيز كومانو كودو، سلسلة من طرق الحج الخلابة مترامية الأطراف داخل وخارج المدينة.
أعلن كموقع التراث العالمي لليونسكو في عام 2004، وهي واحدة من اثنين فقط من طرق الحج في العالم والتي تمكنت من بلوغ هذا الوضع، الطريق الآخر هو كامينو دي سانتياغو في إسبانيا.
كجزء من هذا الجهد، قام فريق تول في تثقيف السياح على أهمية احترام التراث في المنطقة، وقاموا بتجديد اللافتات وبناء مراكز طعام جديدة للزوار من اجل الحجاج اليابانيين والحجاج من الخارج، كما يتم تشغيل دورات المياه والمقاهي التي بنيت على طول الطرق الشعبية الجديدة من قبل السكان المحليين.
في وسط المدينة، تمت ترجمة قوائم الطعام إلى اللغة الإنجليزية، وقد نشرت خريطة لمساعدة المسافرين ليتمكنوا من تمييز طرق محلات الاطعمة المتشابهة.
وعلى مستوى أعلى تم تنظيم ورش عمل ومناقشات تساعد السكان على تعلم المهارات اللازمة لتحسين التواصل الثقافي، ماتسوموتو سايكو احد المتطوعين في المقهى على طول احد الطرق، كما أنها تؤدي جولات حول ضريح هونغو.
وقالت “عندما كنت أصغر سنا، كنت أعمل في أوساكا”، وتقول ماتسوموتو “لهجتي من الريف جعلتني خجولة جدا، ولكن منذ ذلك الحين تم تسجيل مسقط رأسي كموقع للتراث العالمي لليونسكو، وأنا فخوره جدا لتعريف الاخرين عليها”.
زوجين مسنين الذين يملكون بيت ضيافة كانوا قلقين في البداية حول استضافة متحدثين بغير اللغة اليابانية، بعد التدريب، فقد اصبحوا اكثر تقبلا للزوار الاجانب والآن، أكثر من 50٪ من ضيوفهم غير متحدثين للغة اليابانية كما يقول تول.
ويعتقد تول ان إشراك المجتمع المحلي يعطي أدوات للسكان المحليين للسيطرة على مستقبلهم، “مساهمة المجتمع في تشكيل الطريقة التي تؤثر فيها السياحة عليهم ومجتمعهم، وإعطاء السلطة إلى الشعب”، كما يقول، بدلا من السعي لمجرد زيادة عدد السياح الوافدين، يضع تانابي سيتي تركيزه على جذب السياح المسؤولين.
“الأرقام مهمة، ولكن ليست كل شيء” يقول تول “أرقام يمكن المخادعة والتلاعب بها”، “نحن لم نركز على عدد السياح في البداية، بل ذهبنا أبعد من ذلك لنرى مدى رضاهم فقد كان ضيوفنا وسيلة لتقييم التقدم الذي أحرزناه”.
“نحن ننظر أيضا في عدد الناس بالمقارنة مع الوقت والمال الفعلي الذي يقضيه عدد اقل من الناس ويقومون بانفاق المزيد من الوقت والمال وهو امر أفضل بالنسبة لنا ولبنيتنا التحتية من عدد كبير من الناس في منطقة ويقومون بانفاق الوقت والمال بشكل أقل”.
“من المهم أن ننظر إلى أبعد من الأرقام، لمعرفة النوعية الفعلية لحياة السكان المحليين”، “إذا كان السكان المحليين ليسوا سعداء، ثم مجتمعنا لن ينجح في البقاء على قيد الحياة”، “إذا كان هناك جو جيد، فهذا ما سيشعر به الزوار”.