هنري فورد بدأ عمله بأجر 11 دولار في الأسبوع مقابل العمل 11 ساعة يومياً، وعندما توفي تارك ورائه ثروة تقدر بحوالي من 500 إلى 700 مليون دولار، وشركة سيارات عالمية، وسيارة في متناول الجميع، وأسطورة خالدة. كيف فعل ذلك؟
«معظم الناس يضيعون وقت كبير وطاقة عالية في الدوران حول المشاكل بدلاً من محاولة حلها. المشاكل هي تحدي لقدراتك، فالمشكلة تظل مشكلة حتى تحل، والحل هو الجائزة للشخص الذي ساهم في حلها. بدلاً من تجنب المشاكل، يجب علينا أن نواجهها ونرحب بها ومن خلال التفكير الصحيح نجعلها تعود علينا بالنفع والمكسب». هكذا يقول هنري فورد».
تعتبر شركة فورد من أهم شركات إنتاج السيارات في العالم. وقد ولد مؤسسها هنري فورد في 30/7/1863 في مزرعة في ولاية ميشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الابن الأكبر في عائلة مكونة من 4 أولاد وابنتين.
وعلى الرغم من أن هنري فورد ولد وعاش طفولته في مزرعة. لكنه ما لبث أن أظهر اهتماماً في النهضة الصناعية، وهذا طبعاً لم يعجب والده الذي أراد أن يكون معه في المزرعة. لكن هنري كان يكره الزراعة ويحاول الهروب قدر المستطاع من هذه المهنة، ولم يكن كسلاً، إنما عدم رغبة. وكان هنري فورد نشيطاً بخاصة في الأمور التي ترتبط بالميكانيكا وتصليح أي شيء يرتبط بذلك. يقول فورد عن تلك الأيام: «لا أستطيع تصور تمضية ساعات وأيام طويلة أجر مجموعة من الخيول الكسولة والمنهكة». وفي الثانية عشرة من عمره كان هاجسه تصليح الساعات لأصحابه على مقعد قديم في غرفته.
عاد هنري فورد إلى بلدة جرينفيلد بعد أن أعطاه والده أربعين هكتار (10 فدان) ليبدأ مزرعته الخاصة، ولم يحب العمل بالزراعة ومضى معظم الوقت يحاول بناء مركبة تعمل عن طريق البخار، ومركبة زراعية.
وكان لدى هنري فورد قناعة وهي: «إذا استطعت أن تجد طريقة لتصنيع شيء يريده الناس بسعر منخفض فأنت على طريق يؤدي بك إلى نجاح عظيم، بخاصة أن الناس لا يعرفون دائماً ماذا يريدون حتى تقول لهم ذلك». وكان على هنري فورد، والبالغ من العمر 21 عاماً، أن يضع طموحاته الكبيرة جانباً. لذلك وافق على العمل مع والده في تقطيع الأشجار وإدارة منجرة لسنوات تعرف خلالها إلى كلارا براينت التي أعجبتها رزانته واجتهاده. وفي 11/4/1888 تزوج منها.
عمل ميكانيكياً شاباً في أواخر القرن التاسع عشر في شركة الكهرباء في ديترويت، كان يتقاضى أحد عشر دولاراً في الأسبوع في مقابل العمل لمدة إحدى عشرة ساعة يوميّاً، وكان هذا الشاب يعود مساءً إلى بيته، ويقضي نصف الليل في حظيرة خلف منزله عاكفاً على محاولة صنع نوع جديد من المحركات.
إيمان
كان الجميع ينظر إلى ما يفعله هذا الشاب كل مساء على أنه ضرب من العبث وجهد بلا جدوى، وضحكوا عليه إلا زوجته؛ فهي الوحيدة التي تؤمن بقدرته فعلاً، فقد كانت تقضي معه طيلة الوقت في الحظيرة تشد من أزره وتلهب من حماسه. وفي الشتاء كانت تحمل له في يدها مصباح الزيت لتضيء له بينما أسنانها تصطك، ويداها تسري فيهما الزرقة من شدة البرد، ولكنها كانت واثقة بأن ما يفعله زوجها سينتهي إلى شيء رائع فريد، وأن آلته هذه ستعمل حتماً، لذا فقد أطلق على زوجه لقب «المتيقنة». وأخيراً وبعد ثلاث سنوات من الكفاح المتواصل عملت هذه الآلة العجيبة فعلاً، وفي سنة 1893م، وفي يوم صيف جميل، وقبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، فتح أبواب كوخه وفجأة خرجت من الكوخ عربة ذات أربع عجلات، وتسير بمحرك وبدون أحصنة. لقد نجح «هنري فورد» وزوجته في هذا الاختراع الذي بدأ معه عهد جديد للإنسانية، لقد كان يتحدث عن زوجته بمنتهى الفخر والحب والتقدير.
وكانت تلك السيارة تعمل بمحرك عدد 2 أسطوانة رباعي الأشواط ومركب على عجلات دراجة وسميت باسم كوادريسيكل quadricycle، وكان للسيارة نقلتين أماميتين ولم يكن بها نقلة خلفية أو فرامل. قام هنري فورد ببيع سيارته واستخدام ثمنها في تمويل عمله في مجال السيارات.
عمل هنري فورد في شركة أديسون للإضاءة لمدة ثماني سنوات وأعتزل العمل بعدها وتفرغ لتصنيع السيارات. أصبح رئيس المهندسين وشريك في شركة سيارات ديترويت والتي أنتجت القليل من السيارات. وقام بتأسيس شركة فورد وعمل بها هنري فورد كمهندس، واعتزل العمل بها بعد عدم أاتفاق مع أصحاب البنوك في 1902 وأصبحت الشركة بما يعرف بشركة كاديلاك موتور.
بعد محاولتين غير ناجحتين لعمل شركة تصنيع سيارات، تأسست شركة فورد في سنة 1903 وهنري فورد نائب الرئيس ورئيس المهندسين. وقامت تلك الشركة بتجميع عدد قليل من السيارات، حيث تقوم مجموعة من أثنين إلى ثلاث عمال بالعمل على كل سيارة من أجزاء مصنعة بالشركة أو مطلوبة من شركات أخرى. قام ببناء السيارة موديل أيه Model A (1903)، وخلال فترة السنوات التالية قام ببناء سيارات سباق التي سجل بها أرقام قياسية، وقاد بعضها في سباق السيارات.
كان أول إنتاج للسيارة موديل تي Model T في 1 أكتوبر سنة 1908. بحلول عام 1918 أصبح نصف عدد السيارات في أمريكا موديل تي. وتميز الموديل تي بأن عجلة القيادة أصبحت على اليمين، وهو ما أخذت حذوه الشركات الأخرى فيما بعد وحتى يومنا هذا.
ولتغطية الحاجة لمزيد من موديل تي عمل هنري فورد على تجميع دقة الإنتاج، التوحيد القياسي، الأجزاء التي يمكن استبدالها، قسم العمال. وفي سنة1913 أدخل خط الإنتاج (التجميع) المتحرك، الذي فيه أن يبقى العمال في مكان ليضيفوا قطعة أو جزء لكل سيارة عند مرورها أمامهم على الخط. ويمد مجموعة العمال بالقطع المطلوبة عن طريق سير، محسوب توقيته بعناية فائقة لتمكين خط التجميع من العمل بسلاسة تامة. فقام بتقسيم خط التجميع إلى 84خطوة منفصلة، ويدرب العمال على القيام بعملية واحدة. وقام بدراسة للزمن والحركة لتقدير الزمن المناسب وعدد العمال المطلوب لإنجاز العمل.
استخدام خط التجميع المتحرك قام بثورة هائلة في مجال تصنيع السيارات مما قلل من زمن تجميع السيارة وبالتالي إلى خفض سعرها، مما جعلها في متناول الكثير وعمل على زيادة شعبيتها.
فكرة
يقول هنري فورد أن فكرة خط التجميع خطرت له حين كان في زيارة لأحد الأماكن المخصصة للذبح وتحضير اللحوم في شيكاغو. فقد كانت الذبائح تعلق في ترولي علوي وتتحرك لتقف أمام مجموعة من العاملين، حيث تقوم تلك المجموعة بعملية محددة لاستقطاع جزء محدد من الذبيحة، ثم تحرك الذبيحة للمجموعة التالية التي تقوم فقط باقتطاع جزء أخر محدد، وهكذا حتى ينتهي المطاف في نهاية الخط بالهيكل العظمي للذبيحة. وتبلورت الفكرة عند هنري فورد بأنه يمكنه تجميع السيارة بالطريقة العكسية. فيبدأ في بداية الخط بالهيكل العظمي للسيارة (الشاسية) ثم تقوم كل مجموعة من العمال بتركيب أجزاء محددة عند توقف السيارة أمامهم بالخط (مجهزين بالقطع المطلوبة ومدربين على تلك العملية المحددة)، حتى ينتهي المطاف بسيارة مجمعة في نهاية الخط، بطريقة أسرع وأدق!
كان أول إنتاج للسيارة موديل تي التي تجمعت في ديترويت في 1 أكتوبر سنة 1908، وقد بيعت وقتها بمبلغ 950 دولار، والتي انخفض سعرها إلى 280دولار نتيجة أسلوب الإنتاج والإدارة. وخلال 19 عاماً تم بيع 15 مليون سيارة من موديل تي في أمريكا بالإضافة إلى مليون بكندا وربع مليون بإنجلترا، وهو أكثر موديل يستمر إنتاجه لفترة زمنية طويلة بعد البيتلز لشركة فولكس واجن. وخلال الفترة من 1908 إلى سنة 1927 أدخلت تعديلات طفيفة على تصميم الموديل تي. وبحلول عام 1918 أصحبت نصف سيارات أمريكا الموديل تي.
كان أكثر المؤثرين على هنري فورد المخترع توماس أديسون، فبعد نجاح موديل تي، طلب فورد من أديسون تطوير بطارية تخزين للطاقة الكهربائية تعمل بالسيارة، وقام بدعم المشروع بمبلغ 1.5 مليون دولار. ولكن مع كل الاختراعات العظيمة التي قام بها أديسون فإنه لم يستطيع تحقيق ذلك المطلب.
قوة
نقاط القوة لفورد ليس كونه مخترع ولكن في إجراءات التصنيع التي ابتكرها. فبدل أن يقوم العمال في مكان واحد بتجميع السيارة، فعمل على أن تقوم مجموعة من العمال بإضافة أجزاء على السيارة أثناء مرورها على خط الإنتاج. وفي سنة 1914 أصبح أول سير متحرك ذاتياً يمكنه أخراج سيارة كل 93دقيقة، بدلاً من 728 دقيقة بالطريقة المعتادة. وفي نفس السنة أذهل فورد العاملين في مجال السيارات بإعطاء أجر للعامل عنده مقداره 5 دولارات كأجر ليوم العمل الكامل. حيث كان الأجر للعمال في مجال السيارات 2.34 دولار في يوم العمل المقدر بتسعة ساعات. لم يقم فورد بمضاعفة الأجر ولكنه أنقص ساعة من وقت العمل ليصبح وقت العمل اليومي ثمانية ساعات فقط. وبذلك أمكنه من جعل اليوم ثلاثة نوبات عمل بدل من اثنين.
عقبات
واجه هنري فورد الكثير من العقبات في إدارة شركته ففي إصراره على التوسع في المصانع وتقليل سعر السيارة مما أدى بالمساهمين بالشركة من مقضاته في ذلك الشأن. وليس التوسع هو فقط ما كان يعمل له فورد ولكن هو الاكتفاء الذاتي لتصنيع أجزاء السيارة. ولتصنيع أجزاء السيارة أدى إلى الحاجة إلى امتلاك مناجم للحديد ووسائل نقل كالسفن والسكك الحديدية ومصانع تصنيع الأجزاء للمحرك والشاسية والأجزاء الداخلية بالسيارة وإطارات السيارات. وخلال عام 1920 أصبحت شركة فورد تملك مزارع مطاط في البرازيل، أساطيل سفن، سكك حديد، مناجم فحم، ألاف الأفدنة من غابات الأشجار. مناجم لخام الحديد.
وفي خلال عقدين من الزمن أصبحت السيارة متوفرة لمعظم الناس، وأصبح أصحاب المزارع غير معزولين، واختفى الحصان من الطرقات بسرعة كبيرة والذي أدى إلى الاستغناء عن زراعة المواد المغذية للحصان (القش) وزرع بدلاً منه زراعات أخرى مما أدى إلى ثورة في مجال الزراعة، وبدأ انتشار المدن بالمناطق البعيدة مما أدى إلى ثورة في مجال البناء والأعمار، وشيدت الطرق والكباري لربط البلاد ببعضها مما أدى إلى ثورة في مجال الاتصالات.
إصرار
خلال عام 1925 كان هنري فورد ينتج 10000 سيارة كل 24 ساعة. ولكن في سنة 1926 ونتيجة لإصرار فورد على عدم إنتاج موديل جديد والاستمرار في إنتاج موديل تي فقط، بدأت مبيعات سيارات فورد تخسر جزء من السوق لشركة جنرال موتورز حيث أصبح موديل تي من الموديلات القديمة، وعدم أقدامه على تطوير موديل تي بما يتماشى مع المحدثات بالسوق؛ وإصراره على عدم أجراء التعديلات الحديثة على السيارة؛ مثل النقل التقليدي لسرعات صندوق التروس (بدل من نقل الحركة الخص به)، الفرامل الهيدروليكية (بدلاً من الميكانيكية)، محركات 6، 8 أسطوانات (بدلاً من 4 أسطوانات لموديل تي)، ولون السيارة حيث أن جميع سيارات موديل تي التي أنتجت كانت سوداء اللون. ومع إصرار هنري فورد بعدم تطوير أو إضافة أو تعديل للموديل تي قام تجمع لشركات السيارات بعمل شركة سميت بشركة جنرال موتورز بإنتاج العديد من الموديلات بألوان مختلفة تناسب تنوع الأذواق والاختيار للناس التي قامت بجذب القوة الشرائية من شركة فورد.
وعندها هنري فورد برأي المحيطين، وأغلق شركات فورد لمدة خمسة أشهر، قام بعدها هنري فورد بتقديم السيارة موديل أيه 1927 Model A وكذلك محرك 8 أسطوانات ذو الشكل V. نجح موديل أيه نجاح متواضع عند نزله الأسواق. ولولا قيام الحرب العالمية الثانية وتحويل الشركة لإنتاج الطائرة بي- 24 والسيارة الجيب لكان محرك في 8 أسطوانات (v-8 Engine) المصنع في سنة 1932 هو أخر اختراعات هنري فورد.
عمل هنري فورد على أن يدير شركته بطريقته الخاصة تحت سيطرته الخاصة، فدخل في منازعات مع حاملي أسهم الشركة لرغبته في عمل توسع للشركة مستخدماً أرباح الشركة في تحقيق ذلك وكذلك تخفيض سعر السيارة لتصبح في متناول الجميع. وكذلك دخل في منازعات مع نقابة العمال حتى تكون له السيطرة الكاملة في إدارة الشركة والتي أدت إلى مواجهات بين الأمن الخاص بالمصنع والعمال.
بعد إضرابات عمال صناعة السيارات في ديترويت عام 1928، كلف هنري فورد مساعديه بالبحث عن أكثر الشعوب مناعة للتنظيم النقابي. فقامت شركة فورد بإحضار نحو 2000 عامل يمني للعمل في شركة فورد بمدينة ديربورن، بضواحي ديترويت.
توفي هنري فورد في ربيع سنة 1947 وكان عنده من العمر 83 سنة تاركا ورائه ثروة تقدر بحوالي من 500 إلى 700 مليون دولار، وشركة سيارات عالمية، وسيارة في متناول الجميع، وأسطورة خالدة.