خاص – entrepreneuralarabiya
بقلم: باسل عمر أبو علي
الهدف من هذا المقال هو إلقاء الضوء بشكل أدق على ممارسات وسلوكيات منتشرة وتتفشى بشكل سريع وملحوظ في معظم إن لم يكن كافة الشركات والمؤسسات حول العالم، بحيث أصبحت مادة تدرس في بعض الجامعات والمعاهد، وهو ما يعرف بالبوليتكس في العمل أو “Workplace Politics”، وهو سلوك لا يتعلق بجنسية معينة أو جنس محدد أو ديانة ما.
مثل أي موضوع شائك آخر، هنالك عدة وجهات نظر بين مؤيد ومعارض سواء بشكل عام أو بشكل خاص لهذا السلوك، وبالتالي أستعرض فيما يلي وجهة نظري الشخصية ومن واقع الخبرة العملية على مدى عشرين عام، وبناء على ما نسمع ونقرأ من الزملاء والأصدقاء من واقع تجاربهم في مختلف مجالات العمل.
البعض يطلق على البوليتكس مصطلح “تحالفات ومحسوبيات ومسح جوخ”، والبعض الآخر يعتبرها “شطارة وفن إدارة”، فهي أحيانا تتواجد على المستوى الفردي وبين الزملاء في العمل وأحيانا على مستوى الإدارة أو المجموعات في الشركة أو المؤسسة الواحدة، والهدف منها وبشكل أساسي وبنظر الممارسين لهذا السلوك هو “ضمان الرزق” و”ضمان الاستمرارية في العمل ومن ثم الارتقاء” في هذه الشركة أو المؤسسة سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي، و”تدمير” و”إزالة” أية عقبات بأي طريقة كانت، وأهم هذه العقبات بالطبع هم الأفراد أو الزملاء الآخرين أو المجموعات الأخرى في العمل.
شخصنة الإدارة والبوليتكس في الشركات والمؤسسات على مختلف القطاعات تأتي مع عقد التأسيس، وأصبحنا نحلل ما لا يجوز تحليله باسم “الشطارة” و”لو لم نفعلها نحن سيفعلها غيرنا”، وأصبحت عادة وطبع سيئ ومرض نفسي لدى العديد من الأفراد، بحيث أصبحت مهنتهم وهدفهم في العمل هو الجلوس وإيصال المعلومات الخطأ وزعزعة الثقة بين الزملاء وحبك المؤامرات ووضع “الاستراتيجيات” لمصلحتهم.
للأسف نسينا أنفسنا ونسينا المباديء وأخلاقيات العمل وأصبح من السهل الإساءة لزميل ما أو تدمير مستقبل أو حياة عائلة زميل ما أو حتى تحقيق الخسارة لشركة ما مقابل تحقيق مصالح فردية أو جماعية في الشركة أو المؤسسة الواحدة دون أي اكتراث، حتى أصبحت البوليتكس آفة بل وباء منتشر وينتشر في الشركات والمؤسسات مثل “مرض السرطان”، بحيث يجب استئصاله وخاصة الخبيث منه، وأصبحت الانجازات والتحديات في العمل تقاس بكيفية ومقدار تحقيق المصالح الشخصية على حساب الآخرين.
الحميد والخبيث
وهنا دعونا نفرق بين نوعين من البوليتكس مثلها مثل السرطان أو الكوليسترول في الجسم: “الحميد أو الجيد” و”الخبيث أو الضار”.
يمكن تعريف البوليتكس الحميد أو الجيد بأنه القدرة على إدارة المواقف والأشخاص بطريقة لا تؤذي أي فرد أو مجموعة أو الشركة، وتكون كمن يمسك العصاة من النصف، فيكون فيها نوع من المجاملة التي لا ترتقي للرياء والنفاق، بل يكون الهدف منها مداراة “السفهاء” ومثيري المشاكل، ودرء خطر أو شر الشخص أو الزميل ودون الإساءة لزميل آخر، وإيصال المعلومة الصحيحة بطريقة أو بأخرى، وعمل علاقات مهنية سليمة لإنجاز المهام، وهذا النوع ضروري لاستمرار الحياة والعمل ولكن نعيد ونؤكد دون الإضرار بالآخرين وبسمعتهم ومهنيتهم وإمكانياتهم.
ويمكن تعريف البوليتكس الخبيث أو الضار بعكس الحميد أو الجيد، وهو إستخدام واتباع كافة الوسائل من كذب ونفاق ورياء ونميمة، بهدف الإساءة أو الضرر بزميل أخر أو مجموعة أخرى في الشركة، وعمل التحالفات “الشيطانية”، لتحقيق هدف أو أهداف موضحة في الفقرة التالية. ويتخذ هذا النوع بعض المسميات في العالم العربي مثل “الأسفين” أو “الطعن في الظهر” أو حتى ومع العذر “الخازوق” وأصبحت كلمة تفعل للإساءة وتقال للضحك والشماتة! وهذا النوع هو ما أركز عليه في هذا المقال وهو شر لابد من إيقافة أو على الاقل التقليل منه.
في هذا السياق، نذكر أنواع ثلاثة من الشخصيات “المريضة” كما وصفها وحددها أوليفر جيمس في كتابه “سياسة المكتب”:
الأولى، تتعلق بمديري الشركات الذين يكافحون من أجل الهيمنة والسيطرة على الشركة أو المؤسسة، ولا يهمهم التخلي عن مهنيتهم وأخلاقهم و”الدوس” على خصومهم من أجل البقاء.
الثانية، هي الشخصيات أو الأفراد الذين يقضون معظم وقتهم في التخطيط وحبك المؤامرات.
والثالثة، هم الأفراد الذين يعانون جنون العظمة وهم مقتنعون أنهم الأحق والأجدر في كل شيء ولا يكترثون إطلاقا بغيرهم.
ولكن الأسوء وكما يعتقد أوليفر جيمس هو نوع آخر من الشخصيات “الظلامية” التي تجمع الأنواع الثلاث السابقة، وهي شخصيات أو أفراد تتميز بالنرجسية والأنانية والمكر والحقد والنذالة وحب الذات.
أسبابه و”مبرراته”
هنالك عدة أسباب من وراء ممارسة البوليتكس الخبيث أو الضار من قبل بعض الافراد في الشركة أو المؤسسة، نذكر منها:
- ضمان الاستمرار في العمل على حساب الغير من الزملاء
- الارتقاء في العمل على حساب الغير من الزملاء
- الحصول على مميزات أو مكافآت على حساب الغير من الزملاء
- فقط لعدم محبة أو رغبة وجود شخص أو زميل آخر
- تحقيق مكاسب شخصية خفية ودون وجه حق
- لتعيين قريب أو صديق في وظيفة شاغرة، أو بدلا من زميل آخر موجود
- من أجل كسب ود زميل آخر أو زميلة أخرى حتى لو على حساب الغير
- طريقة لإثبات الذات والسيطرة دون وجه حق
- أسلوب لتخريب أو تدمير إدارة أو شركة لأسباب شخصية معينة
- ردا على عدم موافقة زميل أو المدير لإدارة أخرى على تعيين قريب أو صديق غير مؤهل أو غير كفؤ
آثاره ونتائجه
قد لا يعلم البعض وربما لايعي خطورة ما يفعل وأثره وأبعاده دينيا ودنيويا، ولكن الكثير وللأسف يعلم ويتجاهل لسبب أو لآخر، وذلك لتحقيق أهداف شخصية محددة كما ذكر سابقا “نسو الله فأنساهم أنفسهم”. وعليه تكون العواقب وخيمة بعض الأحيان، وينتج عنها أضرار على المستوى الفردي والعائلي لبض الزملاء من خلال فقدان مصدر الرزق، وعلى مستوى الشركة أو المؤسسة من خلال فقد الموظفين الأكفاء أو/و تدني مستوى الأداء لدى الموظفين للشعور بالإحباط والظلم أو/و من خلال صرف أموال لا داع لها أو/و تجاهل صفقة مهمة لمصلحة الشركة أو العمل.
ومن جانب آخر، وللأسف أن من يبقى في العمل أو يترقى ومن يحصل على المكافآت هو هذا الشخص المتسلق والوصولي، وذلك بسبب جهل المدير أو المسؤول أو/و ضعف شخصيته أو/و مشاركته المباشرة لتحقيق نفس المكاسب والأهداف، وهنا تكون الطامة الكبرى.
كيفية معالجته
يقع على عاتق الإدارة العليا المسؤولية الأكبر في وجود أو عدم وجود مثل هذا السلوك في الشركة أو المؤسسة، وعلى وضع الحلول في حال وجوده، فعلى الإدارة خلق بيئة عمل مهنية وموضوعية عادلة بعيدة عن المحسوبيات، ويكون ذلك من خلال وضع معايير وحوافز تمثل الفشل والنجاح في الشركة.
وعلى المدير أو المسؤول أو حتى الزميل في العمل، تقصي الحقائق والاستماع للطرف الآخر أو الأطراف الأخرى قبل اتخاذ أية قرارات قد تكون ظالمة أو مجحفة بحق زميل أو إدارة ما.
ولا ننس وبشكل أساسي نشر الوعي الأخلاقي بين الزملاء وعمل ورشات العمل المناسبة من فترة لأخرى.
نصيحة
أصبحنا نضحك على أنفسنا وعلى غيرنا ونظن أننا نضحك على الآخرين، ولكن الدنيا وكما علمتنا التجربة صغيرة وتدور، فالظلم لا يدوم وما تفعله بغيرك سيعود عليك أو على أفراد عائلتك بالمثل إن لم يكن أكثر “العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم”. على كل شخص منا تقييم نفسة وتدارك ذاته ومهنيته وأخلاقة، فكلنا خطاؤون ولكن خير الخطاؤون التوابون، والتيقن من أن الرزق على الله وحده.
ليس من الخطأ أو العيب عمل علاقة حميدة ونظيفة ومهنية مع جميع الزملاء والرؤساء في العمل، وتوثيق هذه العلاقة من خلال بذل الجهود وتحقيق الانجازات بكل مهنية ومصداقية وعدالة وموضوعية لك ولزملائك ولموظفينك، وأن نحاول دائما:
- الأخذ بالأسباب، وتطوير الذات، وحسن الخلق في التعامل
- تجنب الشائعات وإصدار الشائعات
- الترفع عن المجادلات العقيمة حتى لا ندع المجال للاصطياد في الماء العكر
- تجنب الغضب والرد بسرعة
- المحافظة على الكرامة والمهنية في كل الظروف والأحوال والتحلي بالثقة
- أن نكون مثال حي لزملائنا وموظفينا
وبقي أن نسأل أنفسنا: هل المال الذي نأخذه في نهاية الشهر من خلال الإساءة للآخرين وسرقة جهودهم وحقوقهم والتقليل من إمكانياتهم دون وجه حق والارتقاء والتسلق على أكتاف الزملاء في العمل هو مال حلال؟! وهل ما نطعمه لأولادنا وعائلاتنا من خلال ممارسة هذا الأسلوب الخبيث هو مال حلال؟!