في كل عام لا بد وأن يكون لي لقاء مع ديفيد بينكرتون، الرئيس التنفيذي للاستثمار في بنك فالكون للخدمات المصرفية الخاصة. في كل عام يعطيني ديفيد زبدة الكلام وخلاصة الرأي ويأخذني إلى آخر السطر، ليقدم لي صورة بانورامية عن خارطة الاستثمار في العالم والمنطقة.
إلى أين يتجه الاقتصاد؟ أي القطاعات يشهد نمواً؟ أيها يشهد تراجعاً؟ ما هي التحديات المرتقبة؟ أين يجب أن نستثمر هذا العام؟ وفي ماذا يجب أن نستثمر؟ كل هذه ويزيد أسئلة يجيب عنها ديفيد بينكرتون من خلال لقائنا التالي. في لقاء هذا العام ينضم إلينا كيفن سوليفان، رئيس قسم إدارة الأصول، مدير عام فالكون برايفت ويلث المحدودة الذي كانت إضافته نوعية بالنسبة لعددنا هذا من Entrepreneur العربية حيث تناول استثمارات العرب في العقارات في لندن على وجه الخصوص.
البداية كانت مع ديفيد. والبداية كانت مشرقة نحن بخير. واقتصاد المنطقة نحو مزيدٍ من الازدهار، حيث قال: «الاقتصادات في المنطقة تنمو بنحو 4 إلى 5 % سنوياً ولا تزال تتمتع بوضع مستدام يسمح لها بتحقيق المزيد من النمو على الرغم من تضخم أسعار الأسهم المحلية العام الماضي. إن سعر الطاقة المتدني في المنطقة وإعادة توزيع هذه الثروة على مستوى البنية التحتية عاملين يتجهان بالمنطقة نحو الخريطة العالمية للازدهار المستدام».
وإن كان البعض من حين إلى آخر يشير إلى الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وحتمية تأثيرها على الدول جميعا وإن كانت مقتصر على بعض الدول اليوم، إلا أن لديفيد رأي مختلف، حيث يرى أن منطقة الشرق الأوسط كبيرة جداً، وفيها عدد كبير من البلدان. وأنه قد يكون هناك مشاكل سياسية في بعض الدول ولكن هناك دول أخرى تبلي بلاء حسنا للغاية.
وهذا لا ينطبق على أسواق المنطقة فيعتقد ديفيد أن الأسواق الناشئة عموماً تختلف عن بعضها البعض. يقول: «الأسواق الناشئة مختلفة جداً عن بعضها البعض؛ ولا يجوز تعميم الوضع عليها كلها، فبعض الأسواق كالصين مثلاً والبلدان التي تعتمد على سلسلة التوريد إلى الصين تعاني من بطء في نمو اقتصاداتها فتراها تنمو ولكن ليس بمعدل السرعة ذاته. أضف أن هناك الكثير من الأسواق المثقلة بالديون والتي لديها طاقة فائضة، ما يؤثر على هوامش الربح، وبالتالي على قيم الأسهم. أما بعض الأسواق الأخرى كالشرق الأوسط مثلاً فهي تنمو وتوسع هوامش الربح، وبالتالي تكتسب تقديراً مهماً في أسواق الأسهم الخاصة بها. بمعنى آخر، لا يمكن تطبيق فرضية «نمو» عامة وضمان حصول هذا النمو ببساطة. على المرء أن يدفع ثمناً معقولاً مقابل هذا النمو، على أن يفهم المخاطر الحالية السياسية وتلك المتعلقة بالسياسات في العديد من هذه البلدان وإدارتها بفعالية للتغلب عليها. أما على المدى الطويل، فهناك بعض فرص النمو المقنِعة في كل من الأسواق الناشئة والمتقدمة».
ويتابع: «نحن نفضل الأسواق الناشئة الثانوية أو الأسواق الحدودية على دول البريكس التقليدية. البرازيل وروسيا أمام تحديات اليوم، والصين من جهتها تتجه ببطء نحو تشكيل مكان مغر للاستثمار على قاعدة التقييم النسبي، وذلك بعد سنوات كان أداءها فيها دون مستوى أداء سائر أسواق الأسهم العالمية. أما الهند فكان أداؤها قوياً منذ بداية العام».
توجهات الاستثمار
استثمروا في الأسهم و الملكية الخاصة..
«لا زلنا متفائلين بشأن فئات الأصول التي تنطوي على مخاطر، أي الأسهم في كل من الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة الثانوية والهامشية، ولكننا نحبذ سندات الأسواق الناشئة ونرى أنه بإمكان الأسهم في الأسواق المتقدمة أن تنتج عائدات أفضل من السندات في هذه المناطق على المدى الطويل».
«ونشجع الاستثمار في الملكية الخاصة أيضاً، لكننا نرى أن إدراج الأسهم الخاصة في محفظة مالية يجب أن يعكس قدرة العميل على تحمل المخاطر ونقص السيولة».
استثمروا في شركات النمو..
«أما بالنسبة للقطاعات، فما زلنا نحبذ شركات النمو، فعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي في العالم بطيء في الأسواق المتقدمة إلا أنه إيجابي. وهناك شركات كبيرة تتمتع بخط نمو عال وهوامش ربح قوية. التصحيح الذي جرى في هذه الأسهم كان بمثابة انطلاقة جديدة، وما زلنا نعتقد أنه ستتم مكافأة المساهمين بعوائد مجزية على المدى الطويل».
ماذا عن الملكية الخاصة والسندات؟
الملكية الخاصة هي فئة من فئات الأصول المحببة في الأسواق الصاعدة. يقول ديفيد: «ما زلنا نؤمن بمتانة السوق الصاعدة للأسهم بشكل عام، وبالتالي يمكن للملكية الخاصة أن تشكل فئة أصول جذابة جداً. بناء عليه، أن الملكية الخاصة فئة أصول تسمح لخيار المدير أو الاستراتيجية أن يحدث فرقاً استثنائياً ويتفوق في الأداء على المدى الطويل». إن استراتيجيات الملكية الخاصة حققت في الماضي عوائد ضخمة بفضل الروافع المالية الرخيصة، لكن من غير المرجح أن تولد هكذا عوائد عالية في المستقبل، وبالتالي فمن المهم التركيز على استراتيجيات الملكية الخاصة أو إيجاد مدراء قادرون على تنمية أرباح الشركة وتدفقاتها النقدية في محافظهم المالية من دون الاعتماد على الهندسة المالية.
يقول ديفيد: «نتوقع أن تبقى نافذة الاكتتاب مفتوحة في الولايات المتحدة وأن تكون أوسع في أوروبا، ما يشكل مصدر سيولة مهم لاستراتيجيات الأسهم الخاصة. وفيما تقترب تكاليف الديون إلى الهامش، ولو ببطء، لا تزال تكلفة هذا الدين تسمح بهيكلة عملية شراء حصة مسيطرة بأموال مقترضة بطريقة تحقق الأرباح».
وأخيرا، توفر استراتيجيات الأسهم الخاصة في العديد من الأسواق الحدودية عدداً من أفضل الوسائل التي تؤدي إلى إظهار المستثمرين في هذه الأسواق، إلا أن اختيار هذه الاستراتيجيات عملية محفوفة بالمخاطر وتتطلب وجهات نظر على المدى الطويل وقدرة على استيعاب التقلبات على المدى القريب. إن التركيبة السكانية المقنعة وتسارع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العديد من هذه البلدان هما عاملين يوفران مجموعة خصبة من الاقتصادات تسمح بالاستثمار وتحقيق عوائد مجزية.
وهنا يوضح ديفيد أنه فيما يتعلق بالسندات بشكل عام: «لسنا متشائمين إزاءها ولكننا نعتقد أن احتمال ارتفاع أسعار الفائدة بشكل أبطأ هو بمثابة رياح عكسية طبيعية تواجه تحقيق عوائد ضخمة من الأسهم في المستقبل. بالتالي، ما زلنا نحبذ ديون الشركات والسندات المرتبطة بالائتمان المهيكل في الأسواق الناشئة إذ إنها توفر عوائد وشروط ائتمان أكثر جاذبية».
وأخيراً حدثنا ديفيد عن أحدث أخبار البنك. فأشار أن السبب وراء خروج بنك فالكون من السوق الآسيوية وإغلاق الفرع الوحيد في هونغ كون كان نتيجةً لدراسة استراتيجية.
قال: «بعد أن قمنا بمراجعة استراتيجية في أوائل عام 2014، قرر بنك فالكون للخدمات المصرفية الخاصة إيقاف أعماله المصرفية الخاصة في هونغ كونغ، وذلك بعد أن قمنا أيضاً بتقييم تكلفة الحفاظ على مشروع لم يحقق ما كان يأمله البنك في البداية.
لكن على الرغم من إيقاف أعمالنا في هونغ كونغ، لا نزال منخرطين في آسيا من خلال محورنا للخدمات المصرفية الخاصة في سنغافورة، ونركز طاقتنا واهتمامنا على النمو الآسيوي الذي تتصدره سنغافورة».
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فإن لدى بنك فالكون للخدمات المصرفية الخاصة طموح استراتيجي ليصبح مصرفاً رائداً في مجال الخدمات المصرفية في الأسواق الناشئة مع التركيز على الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الشرقية إلى جانب مكتبنا في سنغافورة. الثروات إلى نمو، خاصة في الشرق الأوسط، ونظرا لملكيتنا في الإمارات العربية المتحدة، تمكنا من تطوير علامة تجارية وخبرات إقليمية قوية.
وعن أداء البنك العام الماضي وهذا العام يقول: «لدينا أصول مدارة تتجاوز قيمتها 15 مليار فرنك سويسري، وهي تتضمن رقما قياسيا جديدا في الإمارات العربية المتحدة حيث تم تحقيق أكثر من 1.5 مليار فرنك سويسري مؤخرا. وقد زادت النسبة المئوية للتفويضات ذات القيمة المضافة. في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، حقق بنك فالكون للخدمات المصرفية الخاصة نتائج جد إيجابية ونحن راضون عن طريقة سير أعمالنا».
أما كيفن سوليفان فقد كان محور الحوار معه حول المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي
السبب وراء خروج بنك فالكون من السوق الآسيوية وإغلاق الفرع الوحيد في هونغ كون كان نتيجةً لدراسة استراتيجية.
وجوابه كان: «لا شك في أن التدفق قد ازداد في السنوات القليلة الماضية في ظل ارتفاع ملحوظ في الأشهر الاثني عشر الماضية».
إلا أنه يقول أنه من الصعب التأكيد على أي أرقام دقيقة عن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في عقارات المملكة المتحدة، وذلك لأن العديد من عمليات الشراء تتم من خلال شركات قابضة شخصية وصناديق وكيانات خارجية أخرى فلا يتم كشف المالك المستفيد، ما يصعب عملية تجميع البيانات إلا أن هذه الاستثمارات تساوي المليارات.
«لا شك في أن التدفق قد ازداد في السنوات القليلة الماضية في ظل ارتفاع ملحوظ في الأشهر الاثني عشر الماضية».
لطالما جذبت المملكة المتحدة مواطني دول مجلس التعاون، ولا سيما العقارات السكنية في لندن التي تعود إلى 1970 أو قبل. الأزمة التي تواجهها المنطقة متعددة الأوجه، كما ذكرنا أعلاه، وهذا بطبيعة الحال سبب من الأسباب التي تدفعهم للتوجه إلى المملكة لكن هذا لا يمنع أن لندن مركزاً مالياً وتجارياً مهماً وملاذا آمنا للراغبين بالقيام بأعمال تجارية.
كيفن يرى أن العقبة الوحيدة في سوق العقارات في المملكة المتحدة هي الضريبة المفروضة على تملك غير المقيمين لمساكن وشركات في المملكة المتحدة. فمنذ بدء الأزمة، أخذت الحكومات في جميع أنحاء العالم تبحث عن سبل لزيادة إيراداتها، حتى أنها فرضت نظام ضرائب ذي مستويات على الممتلكات، وذلك اعتماداً على قيمة الممتلكات. لذا، من المستحسن طلب مشورة مهنية لدى النظر في عملية شراء ما.
ويشير كيفن إلى أن الروابط التجارية الأهم تتمثل بمصدري المملكة المتحدة الذين يتطلعون إلى الاستفادة من مشاريع البنية التحتية الضخمة في منطقة الخليج. وهم لا يصدرون سلع وحسب بل خدمات أيضاً، والدليل هو عدد مواطني المملكة المتحدة الكبير الذين يعيشون في الخليج.