الظروف لا تحدد شخصية أي إنسان». من منازل الإسكان العامة للفقراء دور باروخ على الجانب الشرقي من جزيرة مانهاتان لمدينة نيويورك كانت تتردد هذه الجملة باستمرار من الأم التي كانت تعمل كخادمة لتربي أولادها الثلاث وتزرع فيهم القيم الأخلاقية وحب التعليم التي رأت فيه طريقاً للارتقاء والتقدم لأطفالها. تلك كانت أم أورسولا بيرنز التي أصبحت في يومنا هذا رئيسة شركة زيروكس.
أورسولا بيرنز عاشت أورسولا في حي فقير مع عائلتها التي قضت أيام وسنين في حالة الفقر والجوع والحرمان لكن كانت دائما تبحث عن الطريق التي ستغير مسار حياتها ففي الوقت الذي كان وجهها مدرسون في مدرستها الثانوية الكاثوليكية نحو مجال عمل تقليدي كالتمريض إتجهت بيرنز وهي في سن المراهقة إلى المكتبة لتستعلم عن فرص العمل التي تدفع أعلى رواتب في مجالي الرياضيات والعلوم وهي من الحقول التي امتازت بها. وقادتها أبحاثها المكتبية تلك إلى تخصص الهندسة الميكانيكية التي درستها في معهد العلوم التطبيقية بنيويورك وتابعتها بكلية الدراسات العليا في جامعة كولومبيا حينما نالت على منحة تدريب صيفية في شركة زيروكس. وكان ذلك مستهل فترة خدمتها المطولة في شركة زيروكس التي تصنع وتطور آلات استنساخ الوثائق، والتي تتخذ من ولاية كونيتيكوت مقرا لها.
وتقول بيرنز: إنضممت إلى شركة زيروكس كمتدربة هندسة ولم يكن محط أنظاري يتجاوز الجانب الهندسي من عمل الشركة» التي تترأسها بيرنز حاليا، والتي بلغت عائداتها 22 بليون دولار في العام 2010.
كوفئ عملها خلال السنوات الأولى من خدمتها في زيروكس بترقيتها إلى الإدارة الوسطى. فعملت أورسولا في وظائف مختلفة داخل شركة زيروكس العالمية بعدما وعانت فيها كثيرٌ من التمييز ونظرات الاحتقار حيث لم يكن هنالك الكثير من النساء ، مما دفعها مراراً للتفكير بمغادرة زيروكس، ولكنها كانت تقول لنفسها دوماً لما عليّ مغادرة هذا المكان وأنا أجد ثناء المدراء ودعمهم. سأبقى هنا لأكون ملهمة لغيري وأنجز مافي وسعي إنجازه وسأتجاهل أي شيء آخر، فكلما شعرت بالتمييز أو الإحباط تذكرت مقولة أمي، «تذكري أن العمل بجد هو أفضل وسيلة لتجاوز المحبطين».
ففي العام 1990 حينما طلب منها نائب رئيس الشركة لشؤون التسويق وخدمة الزبائن المشاركة في لجنة تابعة لفريق عمل، اعترضت بيرنز بحدّة على آراء مشارك آخر حول دور السيدات في مناصب إدارية وعبرت بعنف عن عدم اتفاقها مع ذلك الرأي. وكان أن ثمّن نائب رئيس الشركة ويلون هيكس وجهة نظرها.
وتقول بيرنز عن تلك المرحلة من حياتها: «كنت راضية جداً من اختياري لمجال عملي ومطمئنة من معارفي وما كنت أتعلمه… حتى لقائي صدفة بمدير في الشركة قادني في وجهة جديدة.»
وتعتبر أن جسارتها لفتت انتباه هيكس فطلب الإجتماع بها ولاحقا عرض عليها منصب مساعدته التنفيذية، وكانت فرصة إرشادية للعمل جنبا إلى جنب معه ما أتاح لها فهم مجريات العمل بصورة أفضل.
وبعد فترة قصيرة تبوأت بيرنز منصب المساعد التنفيذي للمدير الأعلى لشركة زيروكس آنذاك، بول ألير، فسنحت لها بذلك فرصة الإطلاع عن كثب، وتحسس النشاطات اليومية للإدارة العليا. ومن هناك لمست مساراً لها في الإدارة أخذها إلى خارج حيزراحتها وزودنها بشعور جديد تماما من الثقة في القيمة التي يمكنها ان تستقدمها للعمل.
وكانت محطتها التالية منصب نائب الرئيس والمدير العام لدائرة الإستنساخ والتصوير الملون في شركة زيروكس ونائبة الرئيس لخدمات استراتيجيات الشركة. وفي العام 2007 أسند إليها منصب الرئيس وفي 2009 أعلنت المديرة التنفيذية العليا، آن ملكاهي، أن بيرنز ستخلفها في ذلك المنصب السامي.
وتقول بيرنزعندما اتضحت الأمور بأنني سأصبح رئيسة تنفيذية لشركة كبرى مثل زيروكس أبلغتني آن مولكيه قائلة: في كل الأحوال سيكون الأمر شاقا عليك . ولكن إياك أن تصبحي نسخة مني، لأنك لن تستطيعي أن تصبحي نسخة مني . تلك من بين الأمور التي تعلمتها . فيمكن أن يصبح الإنسان نسخة من شخص ما ويمضي في حياته دون تغيير، وأعتقد أنه لا يمكن لي أن أكون نسخة من الآخرين وأن أتحمل مسؤوليات القيادة .
ويشير كريستوفر متزلر إلى تسليم شركة زيروكس برحابة خبرات بيرنز في إطار الشركة كنموذج طيب لشركات أخرى تزعم على تعيين مدراء تنفيذيين. ومتزلر، وهو عميد مشارك لشؤون الموظفين بجامعة جورجتاون بواشنطن، يقدم نصحا ومشورة لشركات متعددة الجنسيات حول التمييز والتنوع في التوظيف. ويستطرد متزلر قائلا: «لو كانت لدينا عملية صارمة تقول من أجل أن تنجح كمدير تنفيذي يجب أن تتوفر لديك مثلا قدرات عشر هي كذا وكذا، ولو طورنا هذه القدرات بداية، سيكون لدينا مجال خيار أكثر عمقا.»
ويعتبر متزلر أن العديد من الشركات تختار مدراء تنفيذيين مستندة إلى فكرة ضبابية حول من يكون مجلس الإدارة مطمئنا له بدلا من الشخص ذي أفضل مؤهلات ما يتيح المجال أمام خيارات تتسم بتنوع أقل وقدر أقل من التأهيل الجيد. وقرار ترقية أورسولا بيرنز كان مختلفا، حسب رأي متزلر، إذ أن «ملكا هي التي شغلت منصب المديرة التنفيذية العليا لشركة زيروكس قالت ما معناه في الأساس: أنا مرتاحة مع أورسولا بيرنز… لأنها أشرفت على عمليات دائرة إحدى نشاطات الشركة… بل أكثر من ذلك، أدارت شؤونها بنجاح. وهي تفهم كيف تؤدي شركة وظائفها. وما أقدمت عليه آن ملكاهي، وهو يتباين كثيرا مع ما يفعله كثير من مدراء تنفيذيين آخرين، هو صوغ لغة عمل تعرّف ما هو الإرتياح مع شخص أو من عمله.» وما كان يميز بيرنز عن العديد من كبار المدراء التنفيذيين هو مسار عملها المهني إذ كانت تتحلى بأساس قوي في الهندسة الميكانيكية عوضاً عن مجرد تخصص إدارة الأعمال المعهود بدرجة من كلية إدارة أعمال تجارية. وعن ذلك تقول بيرنز: «حينما انتقلت إلى الإدارة وتدرجت فيها كانت خلفيتي في الهندسة الميكانيكية، وما تزال، تشكل الأساس لكل شيء أقوم به في زيروكس، من ترؤس تطوير المنتجات إلى فهم كيفية تحسين أداء التكنولوجيا وخدماتنا وجعلها أذكى لمنفعة زبائننا.»
كما أن أورسولا كانت معروفة بصراحتها وأنها تعبرعما يدور في داخلها. وهو شيء مستحب طالما خصصت وقتا للإصغاء. والمكون الحاسم في ذلك هو توحيد الناس حول مجموعة أهداف مشتركة. والتنوع هو عامل أساسي في هذه الاستراتجية وقد أوجدت مناخا جامعا حيث يعطى الجميع فرصة لزيادة معارفهم وللقيادة ولقبول التحديات وللنجاح.»
ولعبت دوراً جوهرياً في إنقاذ الشركة من الإفلاس عام ،2001 ولم ترضَ بيرنز بما حققته من إنجازات ففي عام 2010 قادت زيروكس للاستحواذ على شركة خدمات كمبيوتر بقيمة 6 مليارات دولار . وأدى هذا التصرف إلى جعل زيروكس رائدة في عالم المعالجة وإدارة الوثائق . وجاءت الثمار كثيفة هذه المرة حيث حصدت الشركة 6 .21 مليار دولار بزيادة بلغت 43% مقارنة بالعام 2009 .
وفي العام 2009، قالت بيرنز في كلمة أمام اجتماع لجمعية الشابات المسيحيات: «ما زلت أسمع أمي تقول لي: إن الظروف لا تحدد وضع أي إنسان». وكانت تردد لي على الدوام، «مكانك لا يحدّد من أنت.»
بعيداً عن والدتها التي كانت من أهم الأشخاص التي هيمنت على تطورها الشخصي تذكر بيرنز شخص فيرنون جوردن المحامي والناشط في الحقوق المدنية والمستشار الرئاسي السابق، كنموذج تقتدي به سيرتها المهنية. وتضيف بيرنز: «جوردن بيّن أن أمورا مثل الحكمة والإحترام والصبر يمكن أن تكون عناصر قوية. وجميعنا يشهد أناسا كهؤلاء في حياتنا. وهذه العلاقات تصوغ وجودنا وهي تذكرني بأنه في نواح عديدة أنا خير ممثل لعرقي ولأنوثتي. ولا مجال للإنكار أيضا بأنها ممثلة لإرثي.»
توفيت والدتها قبل 29 عام تقريباً بعدما أرهقتها الأمراض من أجل حياة أبنائها، وتقول أورسولا: (في كل موقف أواجهه أتخيل أن والدتي كالطير على كتفي تغرد لتشجيعي أو لنصيحتي، ولطالما كانت نصائحها التي تشبه «التغريدات» أثرٌ بالغ على نفسي). أورسولا التي تعلقت بوالدتها كثيراً وبمقولتها أكثر علقت لوحة في مكتبها مكتوب عليها: «لا تفعل أي شيء من شأنه أن يجعل أمك غير فخورة بك».