ما تزال الأعمال العائلية في وطننا العربي هي القاعدة وما عداها استثناء. وإن كانت هذه الطبيعة تمهد طريقاً أمام أجيال الشباب وتفتح أبواباً للنجاح لها، إلا أن ذلك لا يعني أن الجيل الجديد لا يواجه كمّاً لا بأس به من التحديات.
قياساً بعمره، المكانة التي يتواجد فيها محمد صالح الحمادي اليوم تعتبر إنجازاً استثنائياً. ومن يعتقد أن هذا الإنجاز سهلاً، عليه التفكير مجدداً.
ربما يبدو تحقيق النجاح في عمل عائلي سهلاً، ولكنه كذلك فقط للرائي من خارج حدود هذا العالم المعقد للعمل العائلي. نظرياً إن كنت شاباً أو شابةً من عائلةٍ تمتلك عملاً ناجحاً، يبدو أن ذلك يمهد طريقاً معبدة بالورد لك نحو نجاح سهل. ما عليك سوى أن تنهي تحصيلك التعليمي وتستلم منصباً هاماً تمضي فيه نحو مناصب أعلى. لكن.. ما أبعد حقيقة الأمر عن هذه الصورة الوردية.
من خلال تجربته يكشف لنا محمد صالح الحمادي، المدير التنفيذي لشركة الحمادي للتنمية والاستثمار، صورةً أكثر واقعية عن حقيقة النجاح في عملٍ عائلي، متطرقاً إلى ما يتطلبه وما يعنيه تحقيق هذا النجاح.
الحمادي ذو الثلاثة وأربعون عاماً يتولى مناصب عدة، فبالإضافة إلى إدارة الحمادي للتنمية والاستثمار يشغل منصب رئيـس مجلس إدارة الحمادي لتقنية المعلومات وعضو مجلس إدارة شركة عزيز للأنابيب وعضو مجلس إدارة الحمادي للتنمية والاستثمار. بدايةً لا يبدو أن ما يقوم به عملاً سهلاً، لكن، وهذه العلامة الفارقة الأولى، لا يمكنه أن يقوم بأقل من ذلك.
النجاح واجب
يرى الحمادي أن النجاح عموماً هو مطلب شخصي: «هناك أشخاص يسعون إلى النجاح وذلك غالباً يكون بدافع شخصي». ويتابع موضحاً: «عندما يكون تحقيق النجاح خيارك يختلف عنه عندما يكون مقدراً عليك وذلك عندما توجد المسئولية تجاه العائلة وما صنعته».
ويفصِّل أنه في الحالة الأولى يكون المرء هو من اختار الطريق، والضغط الملقى على كاهله هو ضغط ذاتي بالدرجة الأولى. بينما في الحالة الثانية يكون أمام مسئولية لا مفر منها تجاه عمل العائلة، وهنا الضغط مضاعف والنجاح ليس خياراً بل واجب. يزيد هذا الأمر من دقة الحالة ومن التحدي المبدئي الذي على كل راغبٍ في الوصول إلى هدف ما مواجهته وهو تحدي الذات. يقول الحمادي: «المواجهة الأولى هي: ماذا أريد أنا؟ وماذا يتطلب مني عمل العائلة؟»
هذا لا يعني بالضرورة أن يكون هناك خلاف بين ما تريد وما هو مطلوب منك. ففي حالات عدة ينسجم الأبناء في المجال الذي كبروا وهم يسمعون عنه في بيوتهم ويعرفون عنه أكثر من غيرهم. قد يطور الأبناء تعلقاً بمجال عمل آبائهم ولكن حتى وإن حدث، هذا لا يعني أن المعضلة قد حُلت.
القيادة إلى الأمام حصراً
بعد أن أتم الحمادي تحصيله العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث درس في مجالي إدارة الأعمال والتسويق وحصل فيهما على شهادتي بكالوريوس من جامعة ويبر عام 1996، عاد إلى السعودية واستهل عمله في العام 1995 كمدير عام مؤسسة الحمادي لإدارة وتشغيل المستشفيات.
الأمر الذي يجب أن يؤخذ بالاعتبار هنا هو: ماذا يعني أن تستهل خطواتك في الحياة العملية بقيادةِ مشروعٍ ناجح في الأصل؟
الفرق هنا بين رائد الأعمال الذي يبدأ عمله بنفسه وبين من يستلم قيادة أعمال العائلة هو الفرق بين أن تصنع نجاحاً لم يكن موجوداً وبين أن تجعل عملاً ناجحاً يصبح أكثر نجاحاً. وهنا كما يرى الحمادي المسألة أكثر صعوبة. يقول: «أن تبدأ عملك الخاص، فإن أي نجاح تحققه يُحسب لك ويكون خطوة إلى الأمام، فالمقارنة مع غيرك غير موجودة. بينما عندما يكون عليك أن تقود عمل العائلة الناجح قبل وصولك إلى القيادة، هنا تشكل مسألة المقارنة عبئاً عليك. وحيث أن القيادة لا يمكن أن تكون سوى بالمضي إلى الأمام فإن مجرد حفاظك على المكانة ذاتها ليس كافياً على الإطلاق».
بكلمات أخرى لا يكفي أن تكون مبدعاً، بل عليك أن تكون أكثر إبداعاً ممن سبقك إلى الإبداع.
هامش المرونة
لما كانت المرونة عاملاً أساسياً في سهولة الحركة، فإنها واحدة من العوامل التي تجعل التقدم إلى الأمام أيسر. في حالة الأعمال العائلية فإن هامش المرونة يكون في أدناه. بحسب الحمادي عندما تأتي إلى استلام دفة القيادة في عمل العائلة فإنك ترث شركةً كبيرة ولها عمر طويل وبيئةً صلبة قائمة على أسس متينة ولها روح وشخصية وثقافة محددة وواضحة الملامح. الأمر الذي يقف سداً منيعاً في وجهك إذا كان ما تحتاج لفعله للمضي قدماً بحاجة إلى فرض تغييرٍ ما.
بعموم الأحوال يتلقف الآخرون التغيير على أنه إنذار خطر. وفي حالة الأعمال العائلية فإنه في الكثير من الأحيان من يقاوم التغيير هم من أفراد العائلة، ما يزيد الأمر حرجاً وصعوبة. يقول الحمادي: «هذه التحدي بالذات، إذا كان رائد الأعمال الذي يبدأ عمله بنفسه لا يواجهه، فكفاه ذاك».
شئون أخرى كثيرة ومتنوعة تزيد تحديات قيادة العمل العائلي نحو النجاح، منها انتقال السلطة إلى الجيل الثاني والخلافات التي قد تنشأ في الجيل الثاني وما إلى ذلك من أمور كثيرة.
لكن ذلك كله لا يعني أنه ليس للعمل العائلي ميزات. بحسب الحمادي فإنك تتلقن الخبرة في المجال في سن مبكرة جداً، ومن أكثر من عائلتك قد يرغب في أن يساعدك ويمد لك يد العون، إضافة إلى حيز الأمان في ما يتعلق باستمرار العمل.
يقول الحماد: «المسألة ليست سهلة على الإطلاق، ولكن إذا امتلكت مفاتيح النجاح الأساسية سوف تنجح بلا شك».
مفاتيح أساسية
لا تختلف أساسيات النجاح سواء كان طالبه رائد أعمال يبدأ عمله بنفسه أو كان رائداً من رواد قيادة الشركات العائلية. والأساسيات كما يراها الحمادي تحصر في الإبداع والعصرية والمرونة وأخيراً الإصرار. لكن الفارق كما سبق وذكرنا هو أن رائد الأعمال العائلية عليه أن يكون أكثر إبداعاً، وأكثر مرونة وأما الإصرار فلا خيار له سواه، حيث النجاح كما سبق وألمح ليس مجرد خيار.
بالتوقف عند مسألة المرونة يرى الحمادي أنه في حالة الشركات العائلية، ولأن المرونة غالباً ما تكون في مستوياتها الدنيا هنا على قائد العمل أن يعوض بأن يكون هو أكثر مرونة وكذلك أسلوب إدارته.
العصرية
من الخطوات التي رأى الحمادي أن العصر يفرضها هي التوجه نحو تقنية المعلومات التي يشرح عنها: «تقنية المعلومات هي آخر ما توصلت إليه حضارة العصر، وهي قد دخلت كل بيت وعمل وأصبحت مطلب أساسي لكل شخص لذا فالحمادي لتقنية المعلومات والتي تجاوزت الخمسة عشر عاماً منذ افتتاحها سباقة دائماً في هذا المجال وأصبحت رائدة في مجال منصات الرسائل القصيرة والمورد المعتمد لشركة جوجل العالمية في تطبيقات الاعمال ونحاول دائماً الحصول على الأحدث لتقديم الأفضل».
وتمثل الحمادي لتقنية المعلومات بحد ذاتها جديداً دائماً يتجدد كل يوم، لأن المعلوماتية حضارة متطورة بحد ذاتها. وبحضور شركة جوجل العالمية وفى تعاون مشترك بين الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي والحمادي لتقنية المعلومات المورد المعتمد لتطبيقات جوجل للأعمال تم تدشين موقع بوابة الخليج الاقتصادية التفاعليةfgccc.net ، ومن خلال انعقاد الدورة الثالثة والأربعون لمجلس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة ابها تشرفت الحمادي لتقنية المعلومات والأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بقبول دعوة صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة عسير بتدشين بوابة الخليج الاقتصادية التفاعلية والمعتمدة على تطبيقات جوجل للأعمال في التواصل والمشاركة بين الغرف الاعضاء والغرف التجارية ومنسوبيها تعزيزاً لرؤية ورسالة الاتحاد الرامية إلى تسريع خطى التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وصولاً إلى وحدتها الاقتصادية، والعمل على توفير البيئة المناسبة لتطوير أداء القطاع الخاص الخليجي وتعزيز قدراته التنافسية، ليكون قاطرة التنمية في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي والأداة الدافعة نحو تكاملها ووحدتها الاقتصادية.
بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها رائد الأعمال العائلية بشكل خاص، هناك أيضاً الصعوبات والتحديات العامة التي تواجهها الأعمال كافةً، يذكر منها الحمادي المنافسة القوية. إلا أنه يستطرد ليوضح: «لكن ثقتنا القوية بإمكانياتنا تجعلنا نخوض العمل بكل قوة واقتدار، وهناك صعوبات باللغة وقد وجدنا حلولها، وهناك صعوبات تستجد أثناء العمل اليومي ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لها في وقتها».
التحديات جزء من العمل، ووجودها لا يجب أن يثبط العزيمة. الحمادي متفائل دائماً بمستقبلٍ مليء بالخير، ويعمل بجدٍ وإصرار لأجله، يقول: «المستقبل نراه مشرقاً مبشراً بالخير بإذن الله، لأننا أنشأنا الشركة على أسس علمية وعملية وتعتمد على كوادر تمتلك كثيراً من الخبرة والكفاءة، وقبل كل شيء نحن نتوكل على الله سبحانه وتعالى في كل أمورنا».
اتساق مع الرؤية المجتمعية
أولت حكومة المملكة أهمية خاصة منذ نشأت الدولة للقطاع الصحي. وأحرزت تقدماً لنحاية البينة التحتية والعلمية والكوادر المؤهلة في هذا المجال. الاهتمام بهذا القطاع لم يكن حكراً على الحكومة، حيث ساهمت عائلات في تطور القطاع وازدهاره، الحمادي يرى أن هذه مسئولية اجتماعية على الجميع المساهمة في تحملها.
يقول: «القطاع الصحي الخاص هو جزء لا يتجزأ من البنيان الاجتماعي والخدمي للمجتمع ككل وقد نال ما يستحقه من دعم، ويبقى على العاملين بهذا القطاع أن يقوموا بواجبهم إزاء بلدهم الذي قدم لهم كل شيء وإزاء أبناء البلد الذين ينتظرون منهم الأفضل والأميز وإزاء العالم أجمع ليقدموا صورة ناصعة البياض عن المملكة، لقد حاولنا جهدنا في مستشفى الحمادي كمستوى رائد على مستوى المنطقة التي تؤدي الواجب على أتم وجه وصدقنا بهذا التوجه هو سر نجاحنا وسر الثقة الغالية التي نلناها بمرور الأيام».
لدى الحمادي 3 مستشفيات: وهي مستشفى الحمادي في العليا ومشروع مستشفى الحمادي في السويدي ومشروع مستشفى الحمادي في النزهة.
يعد مستشفى الحمادي العليا أحد الصروح الطبية بمدينة الرياض وقد أقيم على مساحة وقدرها 35000 م2 وتم افتتاحـه فـي شهـر 4 من العام 1985 ليكون بذلك أحد أكبر المستشفيات الخاصة بمدينة الرياض في ذلك الوقت. واستطاع مستشفى الحمادي خلال الخمسة وعشرون عاماً الماضية ان يتمتع بسمعة عالية في الرياض وخارجها وذلك من خلال الخدمة الطبية المتميزة، إضافة إلى النقلة النوعية والتطورات والتوسعات التي شهدتها أقسام المستشفى المختلفة.
أما مشروع مستشفى الحمادي بالسويدي فيقع في حي السويدي في جنوب مدينة الرياض على أرض مساحتها 44.664 متر مربع مملوكة من قبل الشركة، وسوف يتكون مبنى المستشفى من 6 طوابق فوق الأرض و2 طوابق تحت الأرض بمساحة بناء إجمالية تبلغ 100.000 متراً مربعاً بالإضافة الى سكن الأطباء والتمريض.
ويقع مشروع مستشفى الحمادي بالنزهة في حي النزهة بشمال مدينـة الرياض على أرض مساحتها 21908.04 متر مربع مملوكة من قبل الشركة، وسوف يتكون مبنى المستشفى من 6 طوابق فوق الأرض و2 طوابق تحت الأرض بمساحة بناء إجمالية تبلغ 75.000 متراً مربع. وسوف يقدم مجموعة شاملة من الخدمات الطبية للمرضى بالإضافة إلى مرافق طبية شاملة ومتطورة ورعاية شاملة للمرضى.
وتماشياً مع استراتيجية الحمادي في التطوير العصري فقد وقعت شركة الحمادي للتطوير والاستثمار وهي الشركة الأم لمستشفيات الحمادي، اتفاقاً مع سيسكو ووايبرو بهدف إطلاق مشروع ثلاثة مستشفيات ذكية متّصلة ببعضها وهذا ما سيُعزّز من التقنيات على مستوى البنية التحتيّة الطبيّة.
وقد تشاركت الحمادي مع سيسكو ووايبرو لتوفير إمكانيات طبيّة مميزّة كسحابة معلومات المستشفى الخاصة الإلكترونية المتوفرة تحت الطلب على الإنترنت، والحلول المعزّزة لسير العمل في العيادات إضافة لحلول أخرى ترفع من مستوى العناية الطبيّة وتُغيّر من التجربة التي سيختبرها المرضى والفريق الطبيّ على حدّ سواء.
وستكون هذه الحلول متوافرة في مستشفيات المملكة العربية السعودية الثلاثة كجزء من الاستثمار المُقدّر بـ 90 مليون ريـال سعودي الذي يهدف لتوفير خدمات عناية صحيّة عالية الجودة.