دبي – خاص
بقلم ستين جاكوبسن، كبير الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى ساسكو بنك
ها نحن نقترب من بداية الربع الأخير من العام وسط انخفاض حاد للتقلبات وأسعار الفائدة ومعدّلات التضخم والنمو، ناهيك عن تفاقم المخاوف وانعدام المساواة الاجتماعيّة. ونعتقد أن الاهتمام سيتمحور في هذه الفترة حول انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تبدو محتدمة أكثر من أي وقت مضى. كما ستتسم هذه الفترة من العام بضعف الشهية تجاه المخاطر، خاصة وأن الحكومات تنتهج أسلوباً مراوغاً حول مقدار الأموال الشحيحة التي ستنفقها على الميزانية. باختصار، يمكن القول بأن مضامين في غاية الأهمية ستتكشف في الربع الأخير من العام.
من جهة ثانية، لدينا قناعة راسخة بأن العالم لن يستطيع التأقلم أكثر مع الدولار القوي. ورغم ذلك، واصلنا في ساكسو بنك صب جل تركيزنا خلال الأشهر القليلة الماضية على مسألة ارتفاع تكاليف رؤوس الأموال بالنسبة للجهات غير الحكومية، وكذلك تباطؤ التمويل بالدولار، بل وجفاف مصادره أحياناً. ودفعنا ذلك إلى اتخاذ موقف إيجابي على المدى القصير والمتوسط إزاء الدولار الأمريكي، وهو زخم قد يدفع زوج العملات اليورو-الدولار (EURUSD) إلى اختبار المستوى 1.00 وكذلك استقرار تداول زوج الدولار-الين (USDJPY) حول مستوى 100.00. ويتباين هذا الأمر مع رؤيتنا طويلة الأمد المتعلقة بحيازة مراكز قصيرة الأجل للذهب والفضة.
وثمة سبب آخر لهذا الاعتقاد الذي برز في نهاية العام حول ارتفاع الدولار وهو يكمن في سوق الائتمان. فقد ارتفع فارق TED spread بمقدار 40 نقطة أساس خلال العام، علماً أن هذا المؤشر يوضح الفرق بين معدلات الفائدة على القروض بين البنوك وسندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل كما يعكس مستوى إجهاد سوق الائتمان. وقابل ذلك أيضاً صعود سعر الفائدة المتبادل بين البنوك اللندنية (ليبور).
ونتوقع أن يقوم بنك الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة هذا العام، مع العلم أن السوق شهدت ارتفاعين للأسعار على الكميات الضئيلة من الأموال التي يتم تداولها دون تدخلات حكوميّة. وفي الفترة التي تعقب الانتخابات الأمريكية، نرجح بنسبة 60% أن يقوم الاحتياطي الفدرالي برفعٍ جديد للأسعار بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر المقبل.
وبالتوازي مع رغبة الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة خلال هذا العام، بدأت قامة الخيارات المتاحة تنفذ أمام نظرائه ’البنك المركزي الأوروبي‘ و’بنك إنجلترا‘ و’بنك اليابان‘، ما يؤكد انحسار الدعم المقدّم للسوق عموماً. ورأينا مؤخراً أنه حتّى صنّاع السياسات أقرّوا بشكل غير مباشر أن إجراءات التيسير الكمي والنوعي للسياسة النقدية لم تكن مجدية، بل أصبحت تغذّي الفقاعات في قطاع الإسكان والأسواق عموماً، الأمر الذي يعكس الحاجة الماسة لتدابير جديدة كلياً.
ولكن، ما هي التدابير الجديدة؟
إن التدابير الجديدة هي نفسها المعتمدة سابقاً، فالعالم ينشد حدوث توسّع مالي ينقذ الحالة الاقتصادية على المستوى الدولي. وتمثل هذه التدابير نفس الإصلاحات التي اعتُمدت في عام 2009 عندما انطلقت دورة الأعمال هذه غير المعتادة.
ولكن هناك تحذير لابد من الإشارة إليه في هذا السياق؛ إذ يبدو العجز المالي، الذي يؤرق بال السياسيين ومعظم الحكومات، مضبوطاً حين يتعلق الأمر بحجم الإنفاق لاسيما في الاقتصادات الغربية الكبرى. ومع إقبال الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا على استحقاقات انتخابية خلال المرحلة المقبلة، فإننا لا نتوقع تكشّف أحداث رئيسيّة أثناء الانتخابات وفترة الـ 100 يوم التي تليها. ورغم أن الفترة المتبقية من عام 2016 ستشهد مناقشات مكثّفة حول طريقة الحصول على حوافز مالية أكبر يوماً ما، وسبل الاستثمار بشكل موسّع في مشاريع البنية التحتية، ولكن الأجندة السياسية ستفرض قيوداً تحول دون اتخاذ إجراءات ناجعة، مما يعني إرجاء تنفيذ السياسات لغاية مثل هذا الوقت من العام المقبل!
وينُظر فعلياً إلى 2017 كعام آخر من فرص النمو الضائعة، ولدينا انطباع بأن العام الجديد سيحمل في طيّاته ما يكفي من الارتباك والفوضى والتغييرات الهامشيّة، والتي ستبرهن على الحاجة للتغيير الذي كنّا ننادي به لسنوات.
من ناحية أخرى، قد ينجح المرشح الجمهوري دونالد ترامب أو يخسر في الانتخابات الأمريكية ولكن من غير الممكن تجاهل دعم الناخبين والمناصرين له. وستكون المحصلة مواصلة انهيار العقد الاجتماعي والتأثيرات الخطيرة لذلك. وباعتقادي أن ترامب سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة، ليس بسبب ما يمثله من سياسات ومواقف أو يدلي به من تصريحات، بل لكونه مناهضاً للمؤسسات. فإذا وصل ترامب إلى سدّة الرئاسة، فلن يكون ذلك بسبب شخصيته، وإنما للتدني العميق في شعبية منافسته الديمقراطيّة هيلاري كلينتون التي تمثل نموذجاً قديماً من السياسات التي جعلت كثيراً من الأميركيين أكثر فقراً.
ولا ننسى بأن العقد الاجتماعي مبني منذ عدة قرون على الثقة بتحقيق النفع لكل من الحاكم والمحكوم، وذلك ليس عبر اعتماد مجموعة من الحلول والتدابير المؤقتة. ولكن ثمة هناك اليوم الكثير من الناس الذي خسروا – في ظل الحاكم – وظائفهم ودخلهم المتاح للإنفاق بل وأيضاً إيمانهم بالمستقبل.
وأي شخص يتسم بمناهضته للمؤسسات ويترشح لمنصب في أي مكان حول العالم سيكون النصر حليفه لا محالة. ولا يُعزى ذلك إلى الجدارة أو الأفكار، بل لأن العالم ضاق ذرعاً بالسياسات القديمة. ونؤكد أن اعتماد نفس تلك الأساليب سيعزز انعدام المساواة أكثر من أي وقت مضى، وخفض الإنتاجية، وتسيير معدلات الفائدة والتضخم، إلى جانب تسجيل أدنى التقلبات على الإطلاق، ولكن مع الشعور بأقصى درجات الرضى عن النفس.
أعتقد أن الربع الأخير من العام سيحمل أولى بوادر التغيير في العملية السياسية، وبالتالي سنشهد ارتفاعاً في حجم التقلبات بالأسواق. وفي بداية الأمر، ستكون السوق مصدومة لاكتشاف أن محافظها الاستثمارية أصبحت أكثر ارتباطاً فيما بينها، وسرعان ما ستدرك بأن التركيز على السندات أو الذهب لم يعد مجدياً. ونضيف تحذيراً أخيراً في هذا السياق حول الارتباط الوثيق بين الأصول بنسبة مرتفعة بلغت أكثر من 60%، مما يقلّص فرص التحوط لأن جميع الأصول تسير بنفس الاتجاه. وبعبارة أخرى، لقد قمنا بالدوران ضمن حلقة مفرغة دون التحرك نحو أي نقطة جديدة طوال الأعوام الثمانية الماضية. وأفضى ذلك إلى مزيد من الإجهاد والدوران على أوسع نطاق، ولا أحد يريد العيش في نفس الحلقة المفرغة مجدداً.
وعلى مر السنين، عادة ما كانت جميع التغييرات الكبرى تنشأ نتيجة الأخطاء السياسية. ورغم أن فوز ترامب في الانتخابات سيحمل مخاطر كبيرة، إلا أنه قد يرسي فوضى بنّاءة يحتاجها العالم بالفعل. وأعتقد أننا مقبلون على مرحلة عصيبة تستدعي التحصّن بشكل جيد وربط الأحزمة. ولكن هذه المرحلة ستساهم في إزالة كثير من الافتراضات الزائفة التي لطالما ارتكزت عليها السوق