دبي – خاص
توم كلارك هو شريك في مكتب “هايدريك آند سترغلز” في دبي وعضو في المجموعة العالمية لممارسات التكنولوجيا والخدمات ومسؤولي التكنولوجيا والشؤون الرقمية.
أدى التركيز الكبير على البيانات في عصرنا الحالي إلى زيادة الحاجة إلى وجود رؤساء تنفيذيين لشؤون البيانات في المؤسسات بشكل أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، حيث تواجه المؤسسات في الشرق الأوسط تدفقاً هائلاً ومتنامياً من المعلومات، وخصوصاً مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء أساسي من العمليات الداخلية على مختلف المستويات المؤسسية. كما تتمثل التحديات الخارجية التي تواجهها هذه المؤسسات في التعامل مع المستويات المتزايدة من الاهتمام بقضايا الخصوصية ، حيث أعرب 40% من المستهلكين في الشرق الأوسط عن ترددهم في مشاركة بياناتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، مما يعزز من الحاجة إلى الوصول إلى البيانات وإدارتها بفعالية. ولا شك أن فرق الإدارة التنفيذية للمؤسسات قد أدركت مؤخراً أهمية تعيين رئيس تنفيذي لشؤون البيانات لدعم مسيرة التحول الرقمي وتعزيز التنافسية.
إلا أن شغل هذا المنصب يعد الخطوة الأولى فقط؛ بينما يكمن التحدي الحقيقي في تهيئة الظروف لنجاحه في أداء مهامه.
وغالباً ما يواجه قرار تعيين رئيس تنفيذي لشؤون البيانات مقاومة من فرق الإدارة، نظراً لما يتطلبه هذا المنصب من تغييرات ضرورية في الممارسات الراسخة في المؤسسات. وعلى الرغم من أن ذلك يعد تطوراً طبيعياً، إلا أن القادة والفرق القائمة قد يعتبرون ما يطرحه الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات من أفكار تدخلاً غير مرحب به أكثر من كونها تحسينات ضرورية، مما يؤدي إلى مقاومة للتغيير.
ولكن هذا التدخل قد يكون العامل الأساسي الذي تحتاجه المؤسسة لتحقيق النمو.
احتضان التغيير
يتطلب نجاح الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات في مهامه من الفرق التنفيذية ومجالس الإدارة تقبّل التغيير واعتباره عنصراً أساسياً لتحقيق التحول، حيث يتيح منح الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات صلاحيات التأثير على العمليات القدرة على كشف الممارسات القديمة ضمن المؤسسة وإعدادها لمواكبة المستقبل.
لنأخذ الإنتاجية على سبيل المثال، إذ أظهرت الأبحاث أن إنتاجية الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، قد نمت بمعدل سنوي لا يتجاوز 0.3% على مدى 25 عاماً، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 2.3%. وسيكون تقليص فجوة الإنتاجية من المهام الأساسية للرؤساء التنفيذيين لشؤون البيانات في المنطقة لدعم قدرة المؤسسات على تعزيز مرونتها، حيث يمكن لرئيس تنفيذي ناجح في هذا المجال تحديد الفرص الملائمة لنشر تقنيات قائمة على البيانات، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ودمجها في العمليات اليومية لمختلف أقسام المؤسسة.
وينبغي على المؤسسات، لضمان تحقيق النجاح في احتضان التغيير، أن تدرك أن البيانات تعد من الأصول الاستراتيجية للحفاظ على التميز والقدرة على المنافسة وليست مجرد منتج ثانوي لعملياتها. وأدركت بعض مجالس الإدارة في الشرق الأوسط ذلك، إذ قامت شركة “جي 42 جروب”، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في أبوظبي، بضم “عضو مجلس إدارة مدعوم بالذكاء الاصطناعي”، قادر على تحليل بيانات الأعمال والمعلومات المالية وتوجهات السوق والمؤشرات الاقتصادية العالمية لعقود مضت. وساعد استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة على تعزيز عملية اتخاذ القرارات من خلال توفير تحليلات في الوقت الفعلي، مما ساهم في تحسين كفاءة إدارة الموارد وتطوير عمليات الحد من المخاطر.
التوافق على مستوى مجلس الإدارة
تتمثل إحدى العقبات في احتضان التغيير في عدم توحيد التوقعات بين مختلف أصحاب المصلحة، وخصوصاً على مستوى مجلس الإدارة، حيث قد لا يتمكن أعضاء المجلس، اعتماداً على خبراتهم ومعرفتهم، من فهم مخطط التحول الرقمي للبيانات بشكل كامل، أو قد تكون لديهم تصورات مختلفة حول مفهوم النجاح.
ويزيد من تعقيد المشكلة الضغط الواقع على وظيفة الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات لتقديم نتائج فورية، إذ أن المؤسسات التي تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة للبيانات، على سبيل المثال، لن تتمكن من تحقيق مكاسب سريعة، مما قد يهدد صلاحيات الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات وقدرته على إحداث تغييرات إضافية.
وتنبع هذه التحديات عادةً من وجود فجوات في الترجمة وعدم طرح هذه النماذج التكنولوجية المعقدة بلغة تتيح فهمها من قبل أعضاء مجالس الإدارة. ولا شك أنه يتعين على الرؤساء التنفيذيين لشؤون البيانات التمتع بمهارات مثل إدارة أصحاب المصلحة، إلا أن أعضاء مجالس الإدارة تقع على عاتقهم مهمة تثقيف أنفسهم حول التقنيات الناشئة. ويتيح هذا الجهد المشترك للطرفين خوض مناقشات مثمرة، تساعد على توحيد الرؤية حول مخطط التحول الخاصة بالمؤسسة وتحديد أهداف واقعية على المدى القصير والطويل.
وتعد مشاركة أعضاء مجلس الإدارة ودعمهم بشكل عام، لنشاطات الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات عاملاً أساسياً لنجاحه وضمان حصوله على الموارد الضرورية لتحقيق التغيير.
حشد التأييد المؤسسي
تُعد إعادة رسم الثقافة المؤسسية لدعم الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات خطوة حاسمة، إذ يتوجب على المؤسسات تطوير ثقافة تعتمد على البيانات ابتداءً من أدنى المستويات الوظيفية، وهو ما يتطلب التزاماً مستمراً من القيادات في مختلف الإدارات.
وينبغي على القيادات المؤسسية أن تكون قدوات تحتذى في عملية التغيير من خلال دمج التحليلات والذكاء الاصطناعي في العمليات التجارية واتخاذ القرارات، فضلاً عن دورهم المحوري في نقل مخاوف الموظفين إلى الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات، وخصوصاً عندما تؤدي المبادرات الجديدة إلى تغييرات جذرية في الممارسات التقليدية. وغالباً ما تكون المخاوف المتعلقة بفقدان الوظائف أو تقليص التأثير البشري نابعةً من عدم فهم التغيير بشكل جيد. ولذا من الضروري أن تتعاون القيادات المؤسسية مع الرئيس التنفيذي لشؤون البيانات لتنفيذ التغييرات بشكل تدريجي للحد من هذه المخاوف، مع الاطلاع على آراء الموظفين لضمان معالجة مخاوفهم بفعالية.
ويضمن اتباع منهجية شاملة في التحول، قائمة على الحرص على الاطلاع على مختلف الآراء، تماشي المبادرات مع الأهداف المؤسسية بشكل كامل. وأظهرت أبحاث “هايدريك آند سترغلز” أن المؤسسات التي تشجع الموظفين من مختلف المستويات على مشاركة آرائهم تكون أكثر ابتكاراً ومرونة بمقدار ستة أضعاف، وأكثر قدرة على تحقيق أهدافها التجارية بمقدار ثمانية أضعاف.
المستقبل قائم على التغيير
يتزايد عدد المؤسسات التي تعتبر التغيير ضرورة ملحة، وخصوصاً مع سعي منطقة الشرق الأوسط لأن تصبح مركزاً للذكاء الاصطناعي. وأظهر استبيان أجرته “إتش إل بي جلوبال” أن نصف قادة المؤسسات تقريباً في الشرق الأوسط وأفريقيا يستخدمون الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع أو يتطلعون إلى اعتماده لتعزيز القدرات التنافسية لمؤسساتهم.
ومع ذلك، أشارت العديد من الجهات التي تحاول اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي بمواجهتها لصعوبات تتعلق بالبيانات، سواء في تحديد عمليات حوكمتها أو تسريع دمجها في نماذج الذكاء الاصطناعي. وذلك يبرز الدور الحاسم الذي تلعبه البيانات في تحقيق القيمة، بالإضافة إلى أهمية وجود رئيس تنفيذي لشؤون البيانات للاستفادة من إمكانياتها بشكل كامل.
وربما تكمن وصفة النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي في اتباع منهجية منظمة لاحتضان التغيير، أو التدخل في هذه الحالة. إذ أن أكثر الرؤساء التنفيذيين لشؤون البيانات كفاءة يحتاجون إلى بيئة تمهد لنجاحهم، تبدأ بترحيب المؤسسات بتأثيرهم، وتوحيد التوقعات على مستوى مجلس الإدارة، وحشد الدعم المؤسسي الشامل. وبالنسبة للمؤسسات في الشرق الأوسط، قد تكون الجرأة على اعتماد التغيير في اتخاذ القرارات العامل الفاصل بين الحفاظ على المؤسسة أو تحويلها إلى جهة رائدة في مجال التحول في عالم قائم على البيانات