د. سلمى سليمان – أستاذ مساعد فى الإدارة بجامعة هيريوت وات دبى
تشير ريادة الأعمال الرقمية إلى عملية إدارة وتطوير نماذج الأعمال من خلال إستخدام المنصات والأدوت والتقنيات الرقمية الحديثة. وذلك على عكس ريادة الأعمال التقليدية، التي طالما أعتمدت على المتاجر أو منافذ البيع أو الخدمات المادية. يستخدم رواد الأعمال الرقميون الإنترنت ويقومون بتسخير التكنولوجيا لتقديم المنتجات أو الخدمات، دون الحاجة إلى موقع فعلي فى معظم الأحيان. لقد فتح هذا التحول فرصًا واسعة للأفراد في جميع أنحاء العالم وفى جميع المجالات، مما أدى إلى الحد من التحديات الشائعة التى تواجه رجال الأعمال وتساهم فى تسهيل الوصول الى الشريحة المستهدفة بأقل تكلفة.
تشمل الجوانب الرئيسية لريادة الأعمال الرقمية على سبيل المثال الإستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي فى مجال التسويق، واستخدام منصات التجارة الإلكترونية مثل “شوبيفاى” أو “أمازون” لبيع المنتجات، واستخدام أدوات مثل الإعلان الرقمي أو تحسين محركات البحث (SEO) لزيادة حركة المرور. يمكن لرواد الأعمال أيضًا إنشاء أعمال تجارية من خلال التطبيقات أو خدمات الاشتراك أو إنشاء المحتوى الرقمي، مثل التدوين أو البث الصوتي أ حتى قنوات اليوتيوب.
ما هى فوائد ريادة الأعمال الرقمية؟
توفر ريادة الأعمال الرقمية المرونة، مما يسمح للأشخاص بالعمل من أي مكان لديه إنترنت وغالباً ما يحددون جداولهم الزمنية الخاصة المناسبة، مما يسمح بتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. بالإضافة إلى ذلك، إن التكاليف التشغيلية لريادة الأعمال الرقمية تُعتبر منخفضة مقارنة بريادة الاعمال التقليدية. ومع الحد الأدنى من الإستثمار في البنية التحتية المادية، يمكن لرواد الأعمال إنشاء وإدارة الأعمال التجارية عبر الإنترنت، مما يقلل من النفقات العامة. يمكن لرواد الأعمال الرقميين الوصول إلى الأسواق العالمية من خلال الإنترنت ، وبالتالى توسيع قاعدة عملائهم خارج الأسواق المحلية وتوسيع نطاق أعمالهم بشكل أسرع. تعمل أدوات التشغيل الآلي مثل التسويق عبر البريد الإلكتروني وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التجارة الإلكترونية على تبسيط العديد من العمليات التجارية وبالتالى تحسين الكفاءة والإنتاجية. توفر ريادة الأعمال الرقمية القدرة على التوسع بشكل سريع. ومع ذلك، فإن المشهد تنافسي، ويتطلب مهارات رقمية قوية، والقدرة على الإبتكار، والتكيف لتحقيق النجاح في سوق دائم التطور والتغير. كما تسمح تحليلات البيانات لرواد الأعمال بتتبع سلوك العملاء وبالتالى تحسين استراتيجياتهم في الوقت الفعلي، مما يضمن اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتكيفًا مع السوق في بيئة تنافسية.
ما هى نسبة نمو سوق ريادة الأعمال الرقمية فى الشرق الأوسط؟
وفقًا لتقرير TechGPT Compendium الصادر عن مجموعة UBS Group AG السويسرية، يمكن أن يرتفع حجم الإقتصاد الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 180 مليار دولار في عام 2022 إلى 780 مليار دولار في عام 2030. ويعكس ذلك نموًا سنويًا بنسبة 20 بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن ترتفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة من 4.1% في عام 2022 إلى 13.4% في عام 2030.
أما فى الإمارات العربية المتحدة فوفقًا لتقرير “هيئة تنظيم الإتصالات والحكومة الرقمية” بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في الإمارات نحو 99 في المائة فى عام 2023، وبلغ عدد المستخدمين 9.38 مليون شخص. كما أشار التقرير إلى أن نسبة استخدام الشبكة للبحث عن موضوعات متعلقة بقطاع الأعمال بلغت نحو 32.7 في المائة، فيما بلغت نسبة استخدام الخدمات المالية التكنولوجية 24.3 في المائة تمثل الخدمات البنكية الرقمية والإستثمار والتأمين. تعكس تلك الأرقام مدى نمو قطاع الأعمال الرقمية وإنتعاش السوق بسبب التطور التكنولوجى الذى نشهده حاليًا عبر كافة المجالات وبالتالى دفع نمو ريادة الأعمال الرقمية فى المنطقة وتشجيع المزيد من رواد الأعمال الناشئين والحاليين من إستكشاف المجال والإستفادة من إمكانياته وفوائده.
ما هى العوامل التى تؤثر نمو قطاع ريادة الأعمال الرقمية فى الشرق الأوسط وخاصة فى الإمارات العربية المتحدة؟
تأثر نمو قطاع ريادة الأعمال الرقمية في الشرق الأوسط بعدة عوامل، من أهمها المبادرات والإستراتيجيات الحكومية حيث نفذت العديد من دول الشرق الأوسط سياسات تهدف إلى تعزيز ريادة الأعمال والإقتصاد الرقمي. على سبيل المثال، قدمت حكومات مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية للابتكار في الإمارات العربية المتحدة ورؤية المملكة العربية السعودية 2030. كما ركزت الإستراتيجيات الوطنية مثل رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071 على التنويع الاقتصادي، مع التركيز بقوة على تعزيز الإبتكار وريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي.
بالإضافة الى الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 التى تم إطلاقها في عام 2017، والتى تسعى إلى جعل دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال الاستثمار في الشركات الناشئة والمبادرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتي تشجع على استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. كما تقدم الدولة منحًا وخطط تمويل لتشجيع الشركات الناشئة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا. وأنشأت مناطق اقتصادية خاصة (على سبيل المثال، مدينة دبي للإنترنت) لجذب الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من خلال تقديم تسهيلات فى الإجراءات ولوائح أكثر تساهلاً.
وفى أبوظبي تم إطلاق Hub71 في عام 2019، وهو عبارة عن نظام بيئي تكنولوجي يهدف إلى دعم الشركات الناشئة من خلال توفير مساحات مكتبية وإرشاد وإمكانية الوصول إلى المستثمرين. وتحظى Hub71 بدعم حكومة أبوظبي وشركة مبادلة وشركات التكنولوجيا العالمية مثل مايكروسوفت.
كما ساهمت الدولة فى نمو ريادة الأعمال الرقمية من خلال إنشاء مراكز وحاضنات الابتكار مثل مؤسسة دبي للمستقبل وهى مبادرة حكومية رئيسية تعزز الإبتكار وريادة الأعمال في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكتشين والتكنولوجيا المالية. وهي تدير برامج مثل مسرعات دبي المستقبل، التي تربط الشركات الناشئة مع الجهات الحكومية لاختبار الحلول المبتكرة وتوسيع نطاقها. بالإضافة الى مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع) وهى مبادرة توفر الإرشاد والحضانة والتمويل لرواد الأعمال الرقميين، مع التركيز على الشركات الاجتماعية والتكنولوجية.
كما تتميز دولة الإمارات العربية المتحدة بواحدة من أكثر البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات تقدماً في المنطقة، بما في ذلك معدلات انتشار الإنترنت العالية والإتصال على نطاق واسع. وهذا يسهل على الشركات الرقمية العمل بسلاسة والنمو. بالإضافة الى انها قامت بتبسيط عمليات تسجيل الأعمال، لا سيما في المناطق الحرة، حيث يمكن لرواد الأعمال الأجانب التمتع بملكية بنسبة 100% بالإضافة الى الإعفاءات الضريبية. إن إدخال تأشيرات طويلة الأجل (على سبيل المثال، تأشيرات لمدة 5 و10 سنوات) لرواد الأعمال والمستثمرين والمبتكرين جعل من دولة الإمارات العربية المتحدة موقعًا جذابًا للمواهب والكوادر الإستثنائية. تتيح برنامج التأشيرة الذهبية لرواد الأعمال ومؤسسي الشركات الناشئة الإقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة على المدى الطويل، مما يشجعهم على الاستثمار والإستقرار وبالتالى تنمية أعمالهم محليًا. وتعد الدورة ال 44 لمعرض جيتكس جلوبال التي عقدت في دبي في الفترة من 14 إلى 18 أكتوبر 2024 مثالا على الدعم الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة لريادة الأعمال الرقمية وريادة أعمال الذكاء الاصطناعي. ويعد هذا الحدث، الذي استقبل أكثر من 1,800 شركة ناشئة و1,200 مستثمر و6,500 عارض وحكومات أكثر من 180 دولة، دليلا على التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم التقنيات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي في المنطقة وعلى نطاق أوسع على نطاق عالمي.
إن النهج المتعدد الأوجه الذي تتبعه دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم ريادة الأعمال الرقمية من خلال السياسات والبنية التحتية والتمويل وتنمية المواهب ومراكز الابتكار قد جعل الدولة مركزًا رائدًا للأعمال الرقمية في الشرق الأوسط. إن جهودها الاستباقية في التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكشين، تعمل على تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار الرقمي.