راكيش كيشان، الرئيس التنفيذي لشركة تراسنت أرابيا والمدير الإداري لشركة تراسنت
تُشير بياناتنا المعيارية إلى أن إدارة المرافق تسير على نفس المنحنى الذي تمر به الشركات عادةً للوصول إلى مرحلة النضج. في مراحلها الأولى، كانت إدارة المرافق عبارة عن منظومة تفاعلية مجزّأة تتطلب عمالة مكثفة وترتكز قيمتها إلى حد كبير على حلول الإصلاح العاجل ولا تتبع سوى معايير قليلة. ومع ذلك، شهد قطاع إدارة المرافق تحوّلاً كبيراً ووصل إلى مرحلة النضج حيث تقدم العديد من شركات إدارة المرافق اليوم خدمات قائمة على أحدث التقنيات مع الالتزام بأرقى المعايير العالمية من خلال وضع أطر حوكمة صارمة لمقدّمي الخدمات والعمل بموجب عقود تتمحور حول الحوافز. يتراوح مستوى النضج على نطاق واسع عبر المناطق المختلفة إذ أنّ بعض الأسواق متقدمة نسبياً بينما لا تزال الأسواق الأخرى، مثل أسواق الشرق الأوسط، تقليدية ومدفوعة بمنظومة القوى العاملة. تواصل الأسواق الأكثر نضجاً التوجه نحو نماذج عمل مدفوعة بالعمليات ومدعومة بالتكنولوجيا، حيث تتجاوز إدارة المرافق اليوم كونها منصة لتوفير حلول الإصلاح العاجل أو الصيانة وغيرها من الخدمات. على مستوى العالم، يركز قطاع إدارة المرافق حالياً على تحسين التجربة الشاملة لشاغلي المباني خاصة وأنهم يستهلكون مجموعة واسعة من خدمات إدارة المرافق. في نهاية المطاف، يظل هدف إدارة المرافق هو تقديم خدمات قائمة على الخبرة تشمل كافة مراحل التجربة من لحظة دخول الزائر أو الساكن إلى المرفق حتى مغادرته، وتتضمن عناصر مختلفة مثل تبسيط إجراءات تسجيل وصول الزوار أو توفير خدمة كونسيرج تقدم خدمات شخصية.
بعد أن بدأ هذا القطاع بمنظومة قوى عاملة بسيطة، تطوّر الآن من التركيز على المُدخلات إلى التركيز على المُخرجات والخدمات القائمة على الخبرة. ومع ذلك، يتطلّب النمو وتحقيق النضح الكامل تبنّي أساليب ومنهجيات جديدة تستفيد من العمليات الموحدة والتركيز على المُخرَجات والخبرة، وإعادة تصور الشراكات مع متعهدي الخدمات لتقديم نماذج عمل مدفوعة بالخبرة.
وفقاً لشركة “Mordor Intelligence”، من المتوقع أن تصل قيمة سوق إدارة المرافق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى 74.59 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029. يعود هذا النمو بشكل كبير إلى الاستثمارات القيّمة في مجموعة واسعة من المجالات التي تتراوح بين التجارة والضيافة والترفيه والرياضة والتكنولوجيا والثقافة والتراث. هناك فرصة كبيرة لتطوير سوق إدارة المرافق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ليتمكن من تقديم حلول تتماشى مع التحوّل الذي يشهده السوق في المنطقة. لتحقيق ذلك، يُعتبر عامل النجاح الحاسم هو الارتقاء بالمهارات الخاصة بإدارة المرافق لتلبية المطالب المتزايدة على المرافق وإدارة الأصول ذات المستوى العالمي بشكل أفضل في منطقة الخليج. ولكي يتمكّن قطاع إدارة المرافق من تلبية المطالب المتزايدة على الكفاءة والاستدامة والارتقاء بتجارب العملاء، ينبغي أوّلاً الاهتمام بتعزيز المهارات والتعهيد المتقدم وإعادة تعريف نماذج الشراكة مع متعهدي الخدمات. ستلعب التكنولوجيا والروبوتات والأتمتة دوراً محورياً في ذلك، خاصة في المناطق التي تخضع لقيود على العمالة أو لارتفاع تكاليفها.
لقد حان الوقت للارتقاء بمهارات القوى العاملة في إدارة المرافق لأهمية ذلك في تحقيق نتائج عالية الجودة قائمة على الخبرة وتعزيز مكانة قطاع إدارة المرافق في المملكة العربية السعودية كسوق عالمي بمعايير عالمية. يجب أن يعمل متعهدو الخدمات والعملاء ومحترفو إدارة المرافق على تطوير مهاراتهم للحفاظ على قدرتهم التنافسية وجاهزيتهم للعمل في سوق إدارة المرافق الناضج على مدى السنوات العشر القادمة.
إدارة الأصول التقنية والبيانات
مع ظهور المباني الذكية ودمج إنترنت الأشياء، أصبح بإمكان إدارة المرافق الاستفادة من التقنيات التي ترتقي بتجربة شاغليها وتعمل كممكّنات لتعزيز السلامة والأمان والرفاهية والإنتاجية. ينبغي أن يتقن مدراء المرافق إدارة الأصول التقنية، جنباً إلى جنب مع إدارة وصيانة البنية التحتية التي تعمل بالأتمتة والتكنولوجيا. اليوم، يمكن للمباني الذكية العمل بطريقة تعاونية مع الالتزام بمعايير مثالية تستند إلى استراتيجية محددة لإدارة أصول المرفق. كما توظف المباني أنظمة ذكية، مثل التعرف على الوجه، وكاميرات المراقبة، وأجهزة الاستشعار لدمج البيانات بهدف تحسين الأمن والسلامة والرفاهية والارتقاء بتجارب العملاء. هناك فرص كبيرة لإنشاء مثل هذه المجتمعات المدعومة بالتكنولوجيا والمدفوعة بالتجربة، ولكن لا يمكن تحقيقها إلا في وجود مجموعات مهارات أعلى والتحول بعيداً عن الأساليب التقليدية. مع هذا، ستشكل البيانات تحدّياً كبيراً حيث لا تزال البيانات المجزأة مشكلة مستمرة. يجب أن يتمتع محترفو إدارة المرافق بمجموعة المهارات اللازمة لتوحيد وتحليل البيانات المجزأة في منظومة متماسكة وقوية لتحسين التخطيط وتقليل الطلب وتعزيز جودة الخدمات. كُلّنا ثقة من جاهزية سوق إدارة المرافق في المملكة العربية السعودية للتصدي لهذا التحدي فهو في وضع يسمح له بتخطّي منحنى النضج الذي يسير عليه سوق إدارة المرافق الحالي.
وفقاً لمؤسسة “Frost & Sullivan” للاستشارات، تعد أنظمة إدارة المباني مكوّناً رئيسياً للمباني الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المتوقع أن تولّد أكثر من 500 مليون دولار أمريكي من الإيرادات بحلول عام 2027، كما سيقوم مالكو المباني ومشغلوها بشكل متزايد بتبني حلول الأتمتة هذه.
تساهم الإدارة الفعالة للبيانات بتمكين المهنيين من تعزيز الكفاءة التشغيلية وتقديم تجارب عملاء مؤثرة. ومع ذلك، ينبغى التنبه إلى أن الإنفاق بحرية على التكنولوجيا دون التفكير في البنية العامة وتجربة المستخدم سيؤدي على الأرجح إلى تنفيذ أنظمة مكلفة معرّضة للفشل والعجز عن تلبية توقعات المستخدمين أو متطلباتهم. يجب إدارة الأنظمة المعقدة بشكل شامل، وضمان كفاءتها وتوافقها مع المنصات المختلفة مع إعطاء الأولوية لتجربة المستخدم الإجمالية لتحقيق عمليات سلسة والاستدامة طويلة الأجل، فنحن نرى في كثير من الأحيان أنظمة مكلّفة لإدارة المباني تفشل في تحقيق النتائج الموعودة.
إطلاق العنان للاستدامة
مع تركيز الحكومات والشركات الخاصة في جميع أنحاء الشرق الأوسط على الحد من البصمة الكربونية وتحسين استخدام الطاقة، أصبحت الاستدامة وكفاءة الطاقة من المحركات الرئيسية في مجال إدارة المرافق. تساهم المبادرات، مثل مشروع الرياض الخضراء في المملكة العربية السعودية واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050 بدفع جهود الاستدامة. وفقاً لتقرير صادر عن Stonehaven، تحتل المملكة العربية السعودية والإمارات المرتبة العاشرة عالمياً في مشاريع البناء المعتمدة من “LEED”.
ينبغي أن يرتقي مدراء المرافق بمستوى مهاراتهم المتعلقة بأنظمة كفاءة الطاقة وشهادات المباني الخضراء وإدارة برامج الاستدامة عبر دورة حياة المبنى – من حيازة المرفق إلى تقديم الخدمة. هناك طلب كبير على مهارات الإشراف على برامج التنظيف والصيانة والضيافة، خاصة وأنّ الاستدامة قد أصبحت محوراً رئيسياً في إدارة المرافق.
معالجة فجوة المهارات
في الشرق الأوسط، وخاصة في المملكة العربية السعودية، هناك فرصة كبيرة لمعالجة فجوة المهارات في إدارة المرافق من خلال مبادرات تحسين المهارات المستهدفة وتطويرها. ومع طموحات رؤية السعودية 2030 لتصبح المملكة رائدة عالمية في مجال الأعمال والتكنولوجيا والسياحة، سيحتاج قطاع إدارة المرافق إلى تطوير قوى عاملة قادرة على إدارة البنية التحتية المتطورة المطلوبة لدعم هذه الطموحات.
لتحقيق ذلك، تحتاج الشركات إلى المزيد من الخبرات في الهندسة والتكنولوجيا والضيافة وإلى تطوير مهارات لإدارة المرافق تختلف عن النهج التقليدي. من شأن هذا أن يمكّن المهنيين من العمل بشكل تعاوني وشمولي أكثر، مما يضمن تحسين جميع جوانب إدارة المرافق – من التنظيف والصيانة إلى إدارة الزوار.
تطوير المهارات الشخصية
تشهد إدارة المرافق تحوّلاً من التركيز على المهام إلى دور استراتيجي قائم على الشراكة التجارية. ومع قيام المهنيين المحترفين بتولّي هذه المسؤوليات، ستكون المهارات التي يواجهها العملاء، مثل التواصل والقيادة وخدمة العملاء، ضرورية لتقديم الحلول والتوصية بها وتعزيز تجارب شاغلي المرافق.
على سبيل المثال، ستصبح إدارة الزوار جانباً بالغ الأهمية من إدارة المرافق خاصة مع طموحات المملكة العربية السعودية بأن تصبح مركزاً رئيسياً للسياحة والثقافة. سواء تعلّق الأمر بإدارة المجمعات الرياضية أو المناطق التجارية أو المتاحف الثقافية، سيحتاج القائمون على إدارة المرافق إلى ضمان تقديم تجربة سلسة وإيجابية للزوار وأن تكون الخدمات متوافقة مع رسالة كل مرفق.
الاستثمار في المستقبل
لقد أصبح مستقبل إدارة المرافق اليوم أكثر إشراقاً من أي وقت مضى. ومع ذلك، يظل النجاح في متناول الذين يثبتون جاهزيتهم للتغيير والاستعداد للابتكار والتخلي عن طرق العمل التقليدية. ومع تحول الشرق الأوسط إلى مركز عالمي من الدرجة الأولى، سيزداد الطلب على المتخصصين ذوي المهارات العالية في إدارة المرافق. لهذا، من الضروري أن يستثمر قطاع إدارة المرافق في المهارات ذات الصلة من أجل المستقبل.