فادي حليم، شريك، جو راشد، مدير أول لدى ستراتيجي آند الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة برايس وترهاوس كوبرز.
كان النمو الذي شهدته مدن دول مجلس التعاون الخليجي نموًا ملحوظًا، إذ تزايد عدد سكان المناطق الحضرية الخليجية بين سنتي 1970 و2022 اثني عشر ضعفًا ليصل إلى 51.4 مليون نسمة، وفقًا للبنك الدولي. وفي سنة 2022 حصرًا، ساهمت المملكة العربية السعودية بنسبة 69٪ من إجمالي النمو الحضري في دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فقد جاء هذا النمو على حساب تراجع النمو في بعض المناطق التاريخية.
بعد الطفرة النفطية والتوسع الصناعي السريع وتغير الاحتياجات، تراجع النمو في هذه المناطق ما جعلها أقل استقطابًا للشركات والأفراد على حدٍ سواء. وتأثرت الحياة والروابط الاجتماعية، والأصول الثقافية الفريدة التي حددت طابعها بشكلٍ مشترك. على سبيل المثال، اختارت العديد من العائلات الانتقال إلى مساكن حديثة البناء وعزفت الشركات التجارية المحلية عن تأسيس مراكز بها.
ويمكن للمدن تجنب هذه الآثار من خلال برامج إعادة إحياء التي تهدف إلى الحفاظ على الأحياء القديمة مع تعزيز الازدهار الاقتصادي بها من خلال التشجيع المتوازن والدقيق لتجارة التجزئة. ويمكن لتجارة التجزئة تجديد الأحياء التاريخية من خلال تطبيق المبادئ الخمسة التالية.
أولًا، دراسة نمط التنمية الذي شهدته المنطقة التاريخية في العقود الأخيرة للتأكد من أن عروض التجزئة الجديدة في المنطقة تتوافق مع ثقافتها وتقاليدها وقيمها التجارية. يُعد تقدير خصائص المنطقة التاريخية – تجارتها التقليدية والعناصر المميزة الأخرى – أمرًا مهمًا لضمان توفير فرص جديدة من خلال تجارة التجزئة مع الحفاظ على طابع المجتمعات المحلية. تأوي بعض المناطق التاريخية، على سبيل المثال، شركات وحرف تقليدية معروفة، لدى بعضها خصائص سكّانية محددة، تضم تجار منذ فترة طويلة (مثل تجار المنسوجات أو التوابل) وتلبي احتياجات مجموعات معينة من الزوار (مثل الحجاج).
ثانيًا، فهم التصميم المعماري والإنشائي لتحويل المنطقة إلى وجهة مرغوبة بهدف الحفاظ على جوهر المنطقة ولكن مع تزويدها بوسائل الراحة الحديثة، حيث يرغب الناس في قضاء الوقت وإنفاق المزيد. ويمكن لبرامج إعادة الإحياء تحقيق هذا التوازن خلال خلق الانسجام بين الأصول القديمة والجديدة. يتضمن ذلك استخدام المفاهيم المعمارية الحديثة والتطوير المستوحى من الأساليب التقليدية. ويجب أن تراعي هذه المفاهيم تاريخ المنطقة دون أن تكون نسخة طبق الأصل لمناطقٍ أخرى بحث تمتزج مع البيئة المحيطة بها. على سبيل المثال، حافظ سوق القيصرية في البحرين على تجارته التاريخية في اللؤلؤ والتوابل والشاي، واستكمل ذلك بعروض مثل المجوهرات والعطور وتجار التجزئة في المواد الغذائية والمشروبات.
هناك العديد من العناصر التي تجعل المنطقة وجهة سياحية، بما في ذلك الأسطح المصممة خصيصًا وأثاث الشوارع والإضاءة. وينبغي أيضًا أن يكون من السهل زيارة المنطقة بتوفير مواقف للسيارات – مما يزيد من أعداد الزائرين، ومقدار الإنفاق، ومدة إقامتهم – ولكن بطريقة لا تخل بطابع المنطقة. جددت مدينة تورونتو إحدى المناطق التاريخية من خلال إغلاق الشوارع أمام حركة المرور، وإبراز الطراز المعماري المستوحى من العصر الفيكتوري، مما شجّع المزيد من الزوّار على التجول أوقاتاً أطول في المنطقة.
ثالثًا، مراعاة مصالح تجار التجزئة المحليين نظرًا لأنهم غالبًا ما تربطهم علاقة تاريخية وثقافية بالمنطقة وإقامة حوار بين تجار التجزئة بحيث تدرك الأطراف المعنية أهمية العلامات التجارية العالمية لبيئة تجارة التجزئة الحديثة. على سبيل المثال، تعاون المشاركون بنشاط مع المجتمع المحلي للتركيز على إعادة تأهيل أصول التجزئة، وإعادة التجار الذين غادروا، وإعادة تنشيط التجمعات الثقافية بدعم من كبار تجار التجزئة السعوديين في إعادة إحياء منطقة البلد “جدة التاريخية” في المملكة العربية السعودية.
رابعًا، دعم تجار التجزئة المحليين. إن أحد تحديات إعادة إحياء المناطق التاريخية يتمثل في إمكانية أن يؤدي الارتقاء بالأحياء إلى تهميش الشركات المحلية. وتستطيع الحكومات منع هذه الآثار العكسية من خلال توفير الدعم في وقتٍ مبكر، عبر سن قوانين التي تعطي أفضلية للشركات المحلية القائمة. وتشمل آليات الدعم الأخرى المنح وفترات السماح لمدفوعات الإيجار ودعم الإيرادات. عادةً ما تكون هذه الأشكال من المساعدة المالية مؤقتة، وتنتهي عندما تحقق المنطقة الاستقرار الاقتصادي ويتزايد عدد الزوار.
خامسًا، تعزيز التجربة. فإلى جانب تجارة التجزئة، يُعد إبراز الفعاليات والأنشطة من الأمور التي تجذب الزوار وتضفي مزيداً من الحيوية، مثل الموسيقى والفعاليات الثقافية والمهرجانات، خاصة تلك التي تلبي تطلعات مختلف الأذواق. إذ أن الهدف الأساسي من إعادة إحياء المناطق التاريخية هو الاحتفاء بتراث هذه المناطق وإحياء تقدير التراث وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إقامة الفعاليات والأنشطة التي تترك انطباعاً وتأثيراً أكبر من مجرد زيادة عدد تجار التجزئة المحليين ومنافذ الأطعمة والمشروبات. بالإضافة إلى تحديد مواعيد الفعاليات على مدار السنة لضمان التدفق المستمر للزوار، حتى خلال أشهر الصيف الحارة. ومن الأمثلة على ذلك النجاح اللافت لتجربة إعادة تطوير محطة كينغز كروس في لندن بفضل الاختيار الدقيق للمطاعم ووسائل التسوّق والفنون والطابع الثقافي – وقربها من مركز المواصلات الرئيسي.
ولتحقيق النجاح، يجب أن يؤدي إعادة إحياء أي منطقة تاريخية إلى إحياء المشهد التجاري وتحديثه، وتزويدها بمجموعة من العروض والتجارب التي تكمل التراث وتحتفي به. ومن المهم التوازن في برامج التجديد من حيث توظيف تجارة التجزئة لتمزج القديم بالجديد بهدف تعزيز النمو والحفاظ على التقاليد.