أندرياس هاسيلوف، الرئيس التنفيذي لشركة أومبوري
من المتوقع أن يشهد قطاع البيع بالتجزئة، في منتصف عام 2024، بتغييرات سريعة تدعمها أربع تقنيات جديدة. وفي ظل التباين الكبير في الاستثمار على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات في عام 2023، شكل القطاع المصرفي وقطاع التجزئة أكبر المستثمرين في تقنية الذكاء الاصطناعي في ذلك العام . حيث يقُدر الإنفاق العالمي على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي بنحو 154 مليار دولار أمريكي في عام 2023 في جميع القطاعات. في حين أن هذه التطورات تعد بإثراء تفاعلات العملاء وإعادة تشكيل قطاع البيع بالتجزئة، فمن الضروري الاعتراف بالتحديات المحتملة والمعضلات الأخلاقية المتعلقة بتكاملها، لا سيما فيما يتعلق بخصوصية البيانات. تؤكد الأهمية المتصاعدة لأنظمة حماية البيانات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط، على أهمية قيام تجار التجزئة بالتعامل مع هذه القضايا بعناية.
كما يعد تقييم التأثير الأوسع لهذه التقنيات على قطاع البيع بالتجزئة أمر بالغ الأهمية. حيث يمكن لهذه الابتكارات تجارب العملاء، وتعزيز الكفاءات التشغيلية، وتبسيط سلاسل التوريد، وفتح المجال أمام تدفق إيرادات جديدة. ولكن الحفاظ على التوازن بين هذه المزايا والاعتبارات الأخلاقية أمر ضروري للنجاح المستدام وتعزيز ثقة العملاء في بيئة البيع بالتجزئة التي تشهد تطوراً مستمراً.
بالانتقال إلى المجالات الرئيسية التي تقود هذا التحول:
- أصبحت الحلول متعددة القنوات جزءاً لا غنى عنه في مشهد البيع بالتجزئة بالرغم من عدم تطبيقها بالشكل الصحيح في كثير من الأحيان. حيث يمكن لشركات البيع بالتجزئة، من خلال توفر الأدوات المناسبة، تطبيق هذه الحلول بفعالية، مما يؤدي إلى تحسين تجارب العملاء وزيادة الكفاءة لموظفي البيع بالتجزئة. ولكن قد ينجم عن تعقيد إدارة العمليات متعددة القنوات مشاكل تتعلق بتدريب الموظفين وإعدادهم.
أصبحت الحاجة إلى أدوات جيدة لتمكين الموظفين ملحة أكثر من أي وقت مضى نظراً لتوسيع شركات البيع بالتجزئة لعروضهم متعددة القنوات. حيث يجب على موظفي البيع بالتجزئة التعامل مع شبكة تزداد تعقيداً من الأنظمة والعمليات، تتراواح من إدارة المخزون وتنفيذ الطلبات إلى خدمة العملاء والعوائد. ويؤدي عدم توفر الأدوات والتدريب المناسبين إلى شعور الموظفين بالإرباك، مما ينجم عنه انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدل دوران الموظفين وتدهور تجربة العميل في النهاية.
يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة، مثل شات جي بي تي، أن تؤدي دوراً مهماً في هذا المجال ، عبر تمكين موظفي البيع بالتجزئة. كما يمكن لتجار التجزئة، من خلال الاستفادة من قوة أدوات الذكاء الاصطناعي هذه، إنشاء أنظمة تدريب ودعم ذكية وشخصية تتكيف مع الاحتياجات الخاصة لكل موظف وأسلوب التعلم الخاص به. على سبيل المثال، يمكن أن يوفر المساعد الافتراضي المدعوم بالذكاء الاصطناعي إرشادات وإجابات مباشرة لأسئلة الموظفين، مما يساعدهم على التعامل مع العمليات المعقدة متعددة القنوات بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمنصات التعلم القائمة على الذكاء الاصطناعي تقديم وحدات تدريبية مستهدفة صغيرة الحجم تبقي الموظفين على اطلاع بأحدث المعلومات حلول المنتجات وتقنيات البيع وأفضل الأساليب المتعلقة بخدمة العملاء.
يتجاوز الذكاء الاصطناعي التوليدي التدريب والدعم من خلال تبسيط وأتمتة المهام المتكررة في البيع بالتجزئة، مثل إدارة المخزون ومعالجة الطلبات. وهذا يحرر الموظفين من أجل إشراك العملاء وحل المشكلات، مما يخلق بيئة عمل أكثر مكافأة. يبين دمج حلول مثل مساعد متجر دوفري للتسوق عبر المحادثة وماجيك ميرور من إتش آند إم المبنيان على منصة فايجريد الكيف التي استفادت بها شركات البيع بالتجزئة بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي منذ سنوات. لا بد أن يؤدي التطور السريع لهذه التقنيات الآن إلى إحداث ثورة في الصناعة لتعزيز مشاركة العملاء وتحسين الكفاءة التشغيلية بشكل أسرع من أي وقت مضى. لا يقتصر تأثير هذه الأساليب المبتكرة على زيادة تفاعل العملاء فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تأثير أكبر يشمل الأنشطة الترويجية والتغطية الإعلامية، مما يبرز إمكانات هذه الحلول في مجال البيع بالتجزئة.
- يعمل الواقع المعزز على إحداث تحول جذري في التسوق عبر الإنترنت من خلال تمكين العملاء من تصور المنتجات في حياتهم اليومية قبل إتمام عملية الشراء. حيث تجاوزت مرحلة التوقعات الاستهلاكية القياسية. حيث يمكن لتجار التجزئة الذين يعملون على دمج تقنية الواقع المعزز في منصات التجارة الإلكترونية الخاصة بهم تقديم تجربة تسوق أكثر جاذبية، مما يخفف من الشكوك المتعلقة بالمشتريات عبر الإنترنت.
ومن الأمثلة على ذلك تطبيق ايكيا للواقع المعزز، ايكيا بليس، الذي أحدث ثورة في تسوق الأثاث عبر الإنترنت من خلال السماح للمستخدمين بوضع الأثاث فعلياً في منازلهم لتسهيل قرارات الشراء. تعمل هذه التقنية على تعزيز تجربة التسوق عبر الإنترنت، وتزويد العملاء برؤية واقعية لكيفية ظهور المنتجات وملاءمتها في مساحات معيشتهم، مما يؤدي إلى تغيير الطريقة التي نتسوق بها للأثاث عبر الإنترنت. كما قد يؤدي الفشل في اعتماد تقنية الواقع المعزز إلى تخلف تجار التجزئة عن ركب المنافسين حيث من المتوقع أن يعتمد المزيد من المستهلكين على هذا الاتجاه. في عام 2024، حيث من المتوقع أن تصل أهم الاستثمارات في الواقع المعزز والافتراضي إلى 4.1 مليار دولار.
- التخصيص هو المكان الذي تتألق فيه الإمكانات الحقيقية لتكنولوجيا البيع بالتجزئة. حيث يمكن لتجار التجزئة الآن من خلال أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، الاستفادة من البيانات لإنشاء تجارب تسوق مصممة خصيصاً لكل عميل. وهذا يتجاوز التسويق المستهدف؛ فهو ينطوي على فهم تفضيلات العملاء وسلوكياتهم واحتياجاتهم لتقديم محتوى وتوصيات فريدة وذات صلة بالمنتج.
على سبيل المثال، تطبق نتفليكس التخصيص الفائق من خلال اختبار A/B ومحركات التوصية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتخصيص المحتوى بناءً على سلوك المستخدم وتفضيلاته. وبالمثل، تستفيد أمازون من خوارزميات التعلم العميق لاقتراح المنتجات المخصصة، مما يعزز تجربة التسوق ويعزز المبيعات من خلال الاقتراحات المستهدفة. يمكن لتجار التجزئة، من خلال الاستثمار في التخصيص، تمتين العلاقة مع العملاء، وزيادة الولاء للعلامة التجارية، ودفع نمو المبيعات.
يشهد قطاع البيع بالتجزئة تحولاً جذرياً بفضل تقنية البلوكشين التي تتجه نحو النضج. توفر هذه التقنية حلولاً مبتكرة للتحقق من صحة المنتجات وإعادة ابتكار برامج الولاء وتعزيز أمن البيانات. من خلال الاستفادة من إمكانات البلوكشين، يستطيع تجار التجزئة منح عملائهم تحكماً أكبر ببياناتهم مع إطلاق استراتيجيات تسويقية جديدة ومخصصة تحترم خصوصية العميل.
- تشهد تقنية البلوكشين تطوراً مذهلاً يؤهلها إلى إحداث نقلة نوعية في مجال برامج ولاء العملاء، حيث تسمح بمشاركة آمنة للبيانات بين شركات تجارة التجزئة المختلفة وتتيح تخصيصاً فائقاً على نطاق أوسع. ومع تزايد الوعي بمخاوف الخصوصية المتعلقة بالبيانات، يتجه تجار التجزئة نحو اعتماد تقنية البلوكشين في برامج الولاء، كما هو الحال في برنامج كريس باي الخاص بالخطوط الجوية السنغافورية، الذي أحدث نقلة نوعية في مجال مكافآت العملاء. تستفيد هذه الاستراتيجية المبتكرة من عملة كريس باي مايلز، وهي عملة رقمية، لتسهيل المعاملات التجارية السلسة مع شركاء التجزئة. كما تضمن تقنية البلوكشين مشاركة البيانات بشكل آمن وفوري وتقلل من النفقات التشغيلية وتزيل الحاجة إلى الوسطاء.
في ظل التطور المستمر الذي يشهده قطاع البيع بالتجزئة، بات من الضروري على الشركات أن تستبق التطورات التكنولوجية وتواكبها. سيتمكن تجار التجزئة الذين ينجحون في دمج حلول البلوكشين في عملياتهم من مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة، بينما يخاطر المتأخرون مواكبة هذه التقنيات بخسارة المنافسة. ومع ذلك، لا يكفي الاعتماد على التكنولوجيا وحدها، بل يتعين على تجار التجزئة الاستثمار في أهم أصولهم، وهم موظفوهم. ، يمكن للشركات، من خلال توفير الأدوات والتدريب والدعم المناسبين تمكين موظفيها من التعامل مع تعقيدات البيع بالتجزئة متعددة القنوات وتقديم تجارب استثنائية للعملاء.
يعتبر عام 2024 نقطة تحول في قطاع البيع بالتجزئة، حيث تمهد التكنولوجيا الطريق لمستقبل أكثر ديناميكية وكفاءة وتركيزاً على العملاء، وذلك من خلال تمكين كل من المستهلكين وتجار التجزئة على حد سواء.