كيف يمكن للمستثمرين المساعدة في إنشاء نظام بيئي سليم للذكاء الاصطناعي؟
خاص entrepreneuralarabiya
بقلم : ديمتري كامينسكي، الشريك العام، مجموعة المعرفة المتعمّقة
تسهم ثورة الذكاء الاصطناعي بإحداث نقلة نوعية في المشهد العام لرأس المال الاستثماري وريادة الأعمال من خلال شق طرق جديدة للنمو والابتكار، فضلاً عن خلق فرص هائلة للمستثمرين الذين يتطلعون إلى الاستفادة من الموجة التكنولوجية القادمة.
ولكن مع هذا النمو المفاجئ تأتي مجموعة جديدة من التحديات. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن شركات رأس المال المغامر تتجاهل المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الشركات الناشئة العاملة بمجال الذكاء الاصطناعي والتي نشهد حالياً مبالغة في تقدير قيمتها.
المخاطر المحتملة للاستثمار المتسرّع في الذكاء الاصطناعي
يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي نمواً مطرداً، مدعوماً باستثمارات ضخمة من قبل شركات رأس المال المغامر والأسهم الخاصة، فضلاً عن الحكومات. وفقاً للدراسات الحديثة، تم استثمار أكثر من 2 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي التوليدي حتى الآن، بزيادة 425٪ منذ عام 2020. في حين أن هذه الأخبار تعتبر جيدة لقطاع الذكاء الاصطناعي، إلا أنها قد تكون أيضاً مصدر قلق لأصحاب رؤوس الأموال. أدى ارتفاع مستوى الاستثمار إلى المبالغة في تقدير شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، إذ يتوقع المستثمرون اليوم عوائد استثمار أسرع وأعلى.
عندما يقوم المستثمرون بضخ أموالهم في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة المبالغ في تقديرها، فإنهم يقومون بشكل غير مباشر بخلق تصوّر مبالغ فيه لقدرات الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى توقعات غير واقعية لما يمكن للتكنولوجيا تحقيقه ضمن هذه الشركات. وهذا بدوره قد يؤدي إلى توقعات تفوق قدرات الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما ينتج عنه ضعف في الأداء وخيبة أمل في السوق، وفي بعض الحالات انهيار في صفوف الشركات الناشئة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي هذا إلى فقدان الثقة في قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل عام، مما قد يلحق ضررًا بنمو وتطور القطاع والشركات العاملة فيه.
إن التركيز على الأرباح والمكاسب قصيرة الأجل يمكن أن يؤدي إلى انتهاكات أخلاقية أيضاً، بحيث قد تكون شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة المبالغ في تقديرها أكثر تركيزاً على تقديم عائد استثمار سريع، بدلاً من تطوير حلول الذكاء الاصطناعي بشكل سليم. وقد يؤدي ذلك إلى حلول متحيزة أو تمييزية تفتقر إلى الشفافية والتي من شأنها إلحاق الضرر بآفاق الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل.
وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، لا يزال بإمكان أصحاب رأس المال المغامر المساعدة في إنشاء نظام بيئي سليم للذكاء الاصطناعي.
تشجيع الشفافية والمساءلة
يتعين على المستثمرين دفع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة للتحلي بالشفافية بشأن عملياتها ومخاطرها وتحدياتها. يجب أن يُطلب من تلك الشركات الناشئة الكشف بصدق عن مصادر البيانات والخوارزميات وعمليات صنع القرار وذلك بهدف تحسين الشفافية والمساءلة والرقابة. وسيمكّن ذلك المستثمرين من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن قيمة وجدوى شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مما يساعد بدوره هذه الشركات على بناء الثقة مع مختلف أصحاب المصلحة.
التركيز على النمو على المدى الطويل
يجب أن تحافظ شركات رأس المال المغامر على تركيزها على النمو طويل الأجل، وتقييم عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والتنمية الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، بنفس مستوى المكاسب قصيرة الأجل المتوقعة من استثماراتها. من ناحية أخرى، يجب أن تركز شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة على دمج المبادئ الأخلاقية في أنظمتها وحلولها، مما يضمن أن تكون تطبيقاتها شفافة وعادلة وغير متحيزة.
إجراء العناية الواجبة الصارمة
إن إجراء العناية الواجبة الصارمة حول شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة قبل الاستثمار هو أمر بالغ الأهمية، إذ يساعد في تحديد أي مخاطر محتملة مرتبطة بالشركة الناشئة مثل المبالغة في التقييم أو القضايا الأخلاقية. كما يضمن أن المستثمرين يضعون أموالهم في شركات تتماشى مع قيمهم وأهدافهم، مما يؤدي إلى نتائج أفضل على المدى الطويل.
يعد قطاع الذكاء الاصطناعي أحد أكثر القطاعات تعقيداً وديناميكية ضمن الاقتصاد العالمي، مما يجعل العناية الواجبة بشأن أهداف الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة صعبة للغاية. يمكن أن تساعد آليات العناية الواجبة المدعومة من قبل الذكاء الاصطناعي في التغلب على هذه التحديات، ولكن فقط إذا كانت هذه الآليات متقدمة بقدر مستوى حلول الذكاء الاصطناعي التي يتم النظر فيها ضمن تلك الشركات. وذلك لأن الذكاء الاصطناعي هي تقنية دقيقة للغاية، ولا يمكن لطرق العناية الواجبة البسيطة أو البدائية تقييم المخاطر والفرص المرتبطة بها بشكل كامل.
من خلال استخدام آليات العناية الواجبة بوساطة الذكاء الاصطناعي والتي لا تقل تعقيداً عن حلول الذكاء الاصطناعي التي يتم النظر فيها ضمن تلك الشركات، يمكن للمستثمرين اكتساب فهم أفضل بشأن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، وتحديد المخاطر والفرص المحتملة، واتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة. يمثل اتخاذ القرارات الاستراتيجية ضمن هذا القطاع تحدياً متنامياً، وتعد العناية الواجبة بوساطة الذكاء الاصطناعي أداة أساسية للمستثمرين الذين يرغبون في النجاح.
تعزيز التعلّم والتوعية العامة
يعد تثقيف الجمهور حول الذكاء الاصطناعي واستخداماته المحتملة وقيوده أمراً بالغ الأهمية لبناء نظام بيئي سليم للذكاء الاصطناعي. وللمستثمرين دور يؤدونه في تعزيز الوعي العام بتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، والنظر في فوائدها وعيوبها المحتملة، وترشيد كيفية استخدامها بأمان وأخلاقية. وبذلك يكون الأفراد المطلعون والمجتمع ككل مجهزين بشكل أفضل للتعامل مع أي مخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيه، مما يدفعهم إلى طرح الأسئلة والتعبير عن المخاوف. يمكن أن تضع هذه التوعية ضغطاً أكبر على الشركات الناشئة والمستثمرين في الذكاء الاصطناعي لإعطاء الأولوية للممارسات الأخلاقية السليمة.
التركيز على التطبيقات الواقعية
من المتوقع أيضاً أن يلهم المستثمرون شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة لتطوير حلول يتنج عنها تطبيقات يمكن استخدامها على أرض الواقع لمعالجة المشكلات الملموسة. ومن خلال القيام بذلك، يمكن أن يسهم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس فقط بتطوير حلول مجدية من حيث الربحية، بل أيضاً في معالجة بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً.