خاص entrepreneuralarabiya
بقلم كريستين دي لارغي، الزميلة التنفيذية لدى معهد القيادة في كلية لندن لإدارة الأعمال، والعضو السابق في مجلس إدارة شركة هارفي ناش للخدمات في المملكة المتحدة، حيث قدمت الخدمات الاستشارية لأعضاء المجلس في شؤون التخطيط المهني، والمتخصصة في نشر برامج المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة على مستوى المدراء التنفيذيين ومجالس الإدارة
ينظر الكثيرون إلى فكرة بناء شبكة العلاقات بعين الازدراء، ويعتبرونها وسيلة للترويج الذاتي وتحقيق المصالح الشخصية، لكنني أراها على النقيض من ذلك تماماً. إذ يهدف التواصل الفاعل ضمن شبكة علاقات مؤثرة إلى تبادل الأفكار الرائدة، وتعزيز التعاون المتبادل، وتسهيل الوصول إلى المعلومات الصحيحة. لذلك يُعد بناء شبكة علاقات متينة ومتنوعة واحترافية ضرورة ملحة ومسألة جوهرية بالنسبة إلى قادة اليوم. وفي ضوء حالة الاضطراب وانعدام اليقين السائدة، تبرز الحاجة إلى قادة قادرين على التعامل مع تحدياتها والاستفادة من الأفكار المبتكرة في سبيل حل المشاكل المعقدة، مثل الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية. إلا أنه من غير المعقول أن يكون القادة على اطلاع كامل على كل ما يلزم لحل هذه المسائل، وهذا ما أشارت إليه زميلتي، في كلية لندن لإدارة الأعمال، البروفيسورة هرمينا إبارا، ضمن ورقتها البحثية حول مهارات القيادة المستقبلية، حيث أشارت إلى ضرورة أن يركز القادة على تعلم الجوانب والمجالات المجهولة بالنسبة إلى المؤسسة، بدل التركيز المتواصل على تطوير الجوانب المعروفة سابقاً.
ويحتاج القادة إلى قدرات ومهارات عديدة ومتنوعة بهدف تعلم المجالات المجهولة بالنسبة إلى المؤسسات. فعلى سبيل المثال، توصلت شركة غوغل إلى أن الموظفين الأفضل أداءً يسعون غالباً إلى بناء شبكة علاقات أكبر وأكثر إنتاجية، حيث يضمن إنشاء روابط تواصل مع مجموعة مختلفة من الأشخاص تعزيز التعاون والارتقاء بمستويات الأداء. وبالمثل، تكتسب المهارات التقنية والوظيفية توجهاً استراتيجياً أكبر مع التدرّج في السلم الوظيفي، ويتحول الاهتمام من أداء المهام التحليلية إلى بناء شبكة علاقات موثوقة ومتنوعة، والاستفادة منها كمصدر حيوي رئيسي لتحقيق النجاح في المستقبل.
ولكن بناء شبكة علاقات متنوعة يتطلب درجة معينة من التوافق الفكري، حيث ينطوي على الانضمام إلى مجموعة من الأفراد المترابطين، الذين يتفاعلون فيما بينهم ويتبادلون المعلومات ويتعاونون على تطوير العلاقات المهنية والاجتماعية. ومن الناحية التطورية، يوفر الانضمام إلى شبكة أو مجموعة روابط اجتماعية متينة تساعد على البقاء. لذا فإن تشكيل المجموعات يمثل جزءاً من طبيعتنا، ولكن ذلك يتم على حساب التنوع. فقد أوضحت الدراسة البحثية المهمة، التي أجراها كلّ من تاجفيل وتيرنر في عام 1979 على المجموعات، أن على الأفراد الالتزام بمعايير المجموعة وقيمها وسلوكياتها للشعور بالانتماء إليها، الأمر الذي يزيد من إمكانية بناء شبكة علاقات مكونة من أفراد يحملون أفكاراً متشابهة. وبالرغم من أن المجموعة المتجانسة تتميز بروابط اجتماعية وثيقة، إلا أنها قد تفتقر إلى الموارد ووجهات النظر المتنوعة الضرورية للتعامل مع الظروف الصعبة. لذلك فإن القائد الذي يقوم ببناء شبكة علاقات توفر له إمكانية الاستفادة من الخلفيات ووجهات النظر المتنوعة، سيمتلك الأفضلية على غيره من القادة.
وفيما يلي سبع خطوات لمساعدة القادة على بناء شبكة علاقات قوية.
كيفية بناء شبكة العلاقات
الاستفادة من المهارات الفطرية
يواجه الكثيرون صعوبة في بناء شبكة العلاقات، حيث يعزون ذلك إلى ضعف الثقة. لكننا جميعاً ننتمي ونشارك في شبكات اجتماعية متعددة، سواء ضمن العائلة أو مع الأصدقاء أو زملاء العمل أو أصحاب الاهتمامات والهوايات المشتركة، حيث نؤسس علاقات قائمة على الثقة المتبادلة والاهتمامات والتساؤلات المشتركة، وهذا في الواقع هو جوهر بناء شبكة العلاقات. ويمكننا تشبيه بناء شبكة العلاقات المهنية بتشكيل صداقات جديدة ضمن العمل، بهدف التعاون وتبادل المعارف والخبرات.
ما هو الوقت المناسب لبناء شبكة العلاقات؟ في أي وقت وفي كل مكان
يلجأ البعض إلى الاستفادة من شبكة العلاقات كحل أخير فقط عند الحاجة إلى البحث عن عمل جديد. لكن شبكة العلاقات الوثيقة يمكن أن تساهم في تقديم الدعم وطرح الاقتراحات والأفكار وتقديم المعلومات وتوفير الموارد التي من شأنها المساعدة على تحسين الأداء الوظيفي الحالي وتعزيز التنمية الشخصية للحصول على وظائف جديدة في المستقبل. لذا فمن الأفضل المسارعة إلى بناء شبكة العلاقات عند التقاء أشخاص جدد باهتمامات مشتركة.
ما هو العدد المناسب لأفراد شبكة العلاقات؟ عدد دنبار
اقترح روبن دنبار، في كتابه “كم صديقاً يحتاج إليه الشخص؟ عدد دنبار ومراوغات تطورية أخرى”، أن بوسع الشخص بناء شبكة علاقات مكونة من 150 شخصاً. وينطلق في نظرته تجاه التسلسل الهرمي ومستويات التقارب من المبدأ الرئيسي القائم على جودة دائرة دعم ضيقة من خمسة أشخاص تحيط بكل شخص منا، ويتشعب عنها عدد متزايد من الأشخاص بشكل متسلسل. وانطلاقاً من هذه الدائرة الضيقة، تتوسع مستويات التقارب لتشمل 15 شخصاً يمثلون دائرة التعاطف الخاصة بكل شخص، ثم 50 شخصاً يمثلون شبكة العلاقات النشطة أو المقربة، وصولاً إلى 150 شخصاً يمثلون مجموع أفراد شبكة العلاقات الشخصية. ويمكن الاعتماد على هذه التصنيفات عند بناء شبكة العلاقات لترتيب عدد الأشخاص ودرجة التواصل المناسبة لكل مستوى.
أنواع شبكات العلاقات بين التنفيذية والاستراتيجية
تختلف أنواع شبكات العلاقات باختلاف أسباب بنائها. وقد عرض إبارا وهانتر، في ورقتهما البحثية في عام 2007 بعنوان “كيف يبني القادة شبكات العلاقات ويستفيدون منها“، تصنيفات مفيدة تساعد على ترتيب أنواع العلاقات القائمة وتحديد المستويات المفيدة والمناسبة لتعزيز الاستثمار فيها.
شبكة العلاقات التنفيذية – تركز على المستوى المهني ضمن المؤسسة، وتضم فريق العمل المباشر والرؤساء والزملاء والموردين والعملاء.
شبكة العلاقات الشخصية – تمثل مساحة آمنة للتنمية الشخصية واختبار الأفكار الجديدة، ويمكن أن تشمل أشخاصاً ضمن المؤسسة أو خارجها أو مجموعات الخريجين.
شبكة العلاقات الاستراتيجية – تركز على المسائل الاستراتيجية العامة، بهدف تحليل المشهد المهني والسياسي، ويمكن أن تتضمن علاقات على مستويات مختلفة خارج وحدة الأعمال أو المؤسسة.
وبالرغم من عدم وجود حدود واضحة تفصل هذه الشبكات عن بعضها البعض، فإن معرفة هذه التصنيفات تساعد على بناء شبكة علاقات شاملة بنظرة استراتيجية.
هل من الأفضل بناء شبكة العلاقات ضمن المجموعات الكبيرة أم الصغيرة؟
يُنصح بالعمل ضمن السياق المناسب لكل شخص، حيث يفضل البعض حضور فعاليات التواصل الكبيرة ويقيسون مستوى نجاحهم بعدد الدعوات التي تصل إلى حساباتهم على موقع لينكد إن. في المقابل، يجد آخرون فائدة أكبر في التواصل مع عدد محدود من أصحاب الاهتمامات المشتركة، وتأسيس علاقة وثيقة طويلة الأمد.
لذلك، يُنصح بالمشاركة بالفعاليات المناسبة، بدءاً من اللقاءات الشخصية لتناول القهوة أو الغداء، ووصولاً إلى الدعوات لحضور الفعاليات ذات الاهتمام المشترك. ويجب وضع أهداف واقعية، والعمل على تحقيقها، مثل حضور فعالية معينة والتعرف على شخصين جديدين على الأقل.
وتكمن الأهمية القصوى في طريقة بناء شبكة العلاقات لا في المكان والزمان.
كيفية بناء شبكة العلاقات من خلال إعادة صياغة الأفكار
تساعد إعادة صياغة الأفكار على تحقيق أكبر فائدة ممكنة من مساعي بناء شبكة العلاقات، حيث يجب تغيير منهجية التفكير من الترويج للنفس إلى مساعدة الآخرين، والتركيز على ما يمكن تقديمه للآخرين بدلاً من التفكير فقط بما يمكنهم تقديمه. كما يجب طلب المساعدة للحصول على حلول للمشاكل بدلاً من تركها تشغل تفكيرنا طوال الوقت، لا سيما أن هناك دائماً من هو مستعد لتقديم يد العون.
بناء شبكة علاقات مفيدة
يجب إجراء البحث اللازم والتخطيط الجيد لوضع هدف محدد ومفيد قبل التعرف على أي شخص أو حضور فعالية. ويجب الأخذ بعين الاعتبار المنافع التي يمكن تقديمها للأطراف الأخرى، والعمل على تحقيق التوازن بين أهدافهم وأهدافنا، مع إعطاء أولوية بسيطة لأهدافهم.
كما ينبغي السعي إلى تأسيس شبكة من العلاقات الحقيقية الوثيقة وليس مجرد المعرفة السطحية العابرة، ما يتطلب متابعة حثيثة وجادة. ويجب ألا ننسى أن جميع العلاقات تنطوي على تبادل المنافع، لذلك يتمتع جميع الأطراف بالحق في طرح الأسئلة والاستفسارات، وطلب تفاصيل الفعاليات أو المقالات ذات الصلة.
إضافة إلى ذلك، يلعب تسجيل التفاصيل والمعلومات دوراً مفيداً أيضاً. ويمكن تصميم جدول على برنامج إكسل، والأفضل بناء قاعدة بيانات على برنامج أكسس، لتسجيل وإدارة جميع التفاصيل والمعلومات الخاصة بشبكة العلاقات، لا سيما أنه من الصعب تذكر الاهتمامات والمعلومات الشخصية لـ 150 شخصاً.
وينبغي في النهاية الاهتمام بتعزيز العلاقة وتجديدها، من خلال الحفاظ على التواصل عن طريق تبادل المعلومات القيّمة والمفيدة، والتي تحظى باهتمام الأطراف الأخرى لتجنب الحشو الذي لا طائل منه. وفي حين يتطلب بناء شبكة العلاقات جهداً كبيراً، يمكن أن ينطوي على متعة حقيقية عند امتلاك الشغف والفضول، وحب التعلم الدائم، والرغبة في مساعدة الآخرين.
وبالطبع، توجد أنواع عديدة من العلاقات، وتختلف درجاتها باختلاف أنواع الأشخاص وطباعهم، حيث يتسم البعض بالانعزالية والعمل الفردي، فيما يفضل أخرون الحفاظ على علاقات فاعلة، ويسعون دوماً لتعزيزها والتعلم بشكل مستمر، وهو النوع الذي يجب البحث عنه وبناء علاقة مهنية وثيقة معه.
وينبغي البدء ببناء شبكة العلاقات بمجرد الحصول على فرصة مناسبة بغض النظر عن التوقيت.
ويتمثل العامل الأهم في التخطيط الجيد والالتزام الجاد وعدم ادخار جهد في سبيل ذلك.
وينبغي تخصيص وقت محدد في جدول الأعمال اليومي أو الأسبوعي أو الشهري، حوالي 10% مثلاً، للأنشطة المتعلقة ببناء شبكة العلاقات، حيث يعود ذلك بفائدة كبيرة على تطورك الاستراتيجي بوصفك قائداً يتمتع بشبكة علاقات واسعة، وتعزيز قدرتك على الجمع بين أنماط تفكير متنوعة لحل أصعب المشكلات الاستراتيجية وأشدها تعقيداً.
بقلم كريستين دي لارغي، الزميلة التنفيذية لدى معهد القيادة في كلية لندن لإدارة الأعمال، والعضو السابق في مجلس إدارة شركة هارفي ناش للخدمات في المملكة المتحدة، حيث قدمت الخدمات الاستشارية لأعضاء المجلس في شؤون التخطيط المهني، والمتخصصة في نشر برامج المسؤولية البيئية والمجتمعية والحوكمة على مستوى المدراء التنفيذيين ومجالس الإدارة.