بقلم: هاني ويس، الرئيس التنفيذي لشركة “ماجد الفطيم للتجزئة
ربما تعرض القارئ أو المتسوق لمصطلح “متجر ملاءمة Convenience Store” وهو وصف شاع استخدامه منذ عقود خارج عالمنا العربي للتعبير عن متجر “السوبر ماركت” الذي تتوفر لديه غالبية الاحتياجات المنزلية اليومية وتلائم خدماته متطلبات عملائه. وغالباً ما يكون ذلك المتجر، قريباً من منازلهم أو يعمل لساعات متأخرة من الليل أو يقدم خدمات التوصيل، فيوفر لهم أيضاً “الراحة”.
التقنيات تعيد صياغة مفهوم الملاءمة والراحة
حالياً، سواء حول العالم أو في عالمنا العربي، ومع صعود التقنيات الرقمية وانتشار المنصات الإلكترونية والتسوق الرقمي، توسع وترسخ مفهوم “الملاءمة والراحة” المرتبط بقطاع تجارة التجزئة. وأصبح أكثر وضوحاً وشمولية وجاذبية. ويبدو أن تجارة التجزئة خلال العقد القادم ستقودها تلك الابتكارات التقنية المخصصة للتسوق والتي أصبحت تشكل في كثير من الأحيان الخيار الأول والمفضل لأنشطة العملاء.
إن هذه التقنيات تشهد ولا شك تطورات سريعة ومتلاحقة، مدفوعة بتوجهات المتسوقين وتوقعاتهم وعوامل أخرى. ولكن قلة فقط من قادة قطاع التجزئة ممثلين في شركات وعلامات تجارية كبرى، هم الذين بادروا بتطبيق أفكار تقدمية تستشرف المستقبل. لكن الغالبية في قطاع التجزئة ما تزال متقاعسة عن مواكبة تلك التوجهات. وهو أمر مثير للاستغراب!
لقد كان من المتوقع أن يبادر الجميع في القطاع بالتحرك لتأسيس مستقبلهم الذي يضمن لهم البقاء. وعلى الرغم من أننا نتفهم أن تبنّي التقنيات الرقمية يحتاج إلى استثمارات ومعرفة تقنية -وهي موارد لا تتوفر للغالبية- إلا أنه من المعلوم بالضرورة، أن “مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة”، وقد تكون هذه الخطوة شاقة لكنها ضرورية. وعلى الجانب الآخر، لا يبدو السكون وعدم التحرك خياراً متاحاً حالياً، فلا يخفى على أحد أن مشهد قطاع التجزئة، قد بدأ يشهد زحفاً مزلزلاً لتحولات كبرى ومؤثرة، ربما تختفي معها أسماء كانت معروفة في السابق.
هل نعيش واقعاً كان فيما سبق مجرد سيناريوهات في أفلام الخيال العلمي!
أنا ومعي كل أبناء جيلي، عاصرنا التسوق التقليدي والتواصل التقليدي بكل معانيه وأنشطته، وكان أقصى ما يمكن القيام به فيما يخص التسوق “الملائم”، هو الاتصال من الهاتف الأرضي أو “المتحرك التقليدي” بالبقال المجاور للمنزل لتلبية طلب مستعجل. ولذا ربما يبدو للبعض أن ما نعيشه اليوم من رقمنة وأتمتة مستوحاً من أفلام الخيال العلمي.
واليوم سواء بالنسبة لنا أو للجيل الحالي الذي جاء للعالم في زمن الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت ترافقنا في كل وقت ومكان. فإن الأمر يبدو طبيعياً جداً، وربما يثير الإعجاب، لكنه لا يثير التعجب. بل، ونتوقع المزيد دون اندهاش، فاتصالنا بمنصات التجارة الإلكترونية والشراء عبر التطبيقات الذكية، يمثل مشهداً متطوراً وامتداداً أكثر عمقاً وشمولية لمشهد تواصلنا نحن فيما سبق بالبقال المجاور لمنزلنا. وبالنسبة لأبناء جيلي، فإذا كنتم تعتقدون أن مشاهد التحولات التي شهدناها معاً خلال العقود الماضية، وخصوصاً السنوات العشر الماضية مثيرة للإعجاب من الناحية التقنية، فاستعدوا لمزيد من الانبهار خلال العقد المقبل. فالتغيرات التقنية والابتكارت، أصبحت متلاحقة والتطورات متسارعة وعلى مدار اليوم. فقط تابعوا شريط الأخبار أو البرامج التي تتحدث عن أحدث التقنيات. وهذا يعني أن السنوات العشر المقبلة ستكشف عن تطورات تتجاوز بكثير تلك التي حدثت خلال العقد الماضي. فمع تعاظم قدرات الحوسبة السحابية وتقنيات تحليل البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والأتمتة والذكاء الاصطناعي. يتم اقتطاع الفاصل الزمني بين التحولات التي يشهدها قطاع التجزئة والعالم بكل عناصره والتي تمس حياتنا اليومية.
ومن هنا، فنحن بصفتنا تجار تجزئة وقادة في هذا القطاع، فإننا مسؤولون عن تغيير أفكارنا تجاه تلك التقنيات المتداخلة مع أعمالنا. وعلينا التفكير جدياً في تبنيها ومن كل جانب، كما يتبنى الجيلين الحالي والصاعد هواتفه الذكية والتسوق عبر الإنترنت، فهم لن يتخلوا عنهما مهما حدث، ولن يتنازلوا عن اعتمادهم على هذه التقنيات الجديدة “المبهرة” التي تتمحور حول راحتهم وملاءمة توجهاتهم حاضراً ومستقبلاً.
ما زلنا في أول الطريق
بعد أن أعادت التقنيات صياغة مفهوم “الراحة والملاءمة” وكذلك التحديات الصحية التي واكبت مطلع هذا العقد الجديد، أعدنا في شركة “ماجد الفطيم للتجزئة” التأمل والتفكير في أساليب وقنوات اتصالنا بعملائنا. وبدأنا
البحث جدياً عن عناصر أخرى تستجيب لتوجهاتهم وتأخذ بعين الاعتبار استحقاقات التحدي. فطرحنا منصات وخدمات مبتكرة مثل “استلمها بنفسك” و”امسح وانطلق” وقد شكلت تلك بدايات رحلتنا مع تبني التقنيات وفق المفهوم الأوسع للملاءمة والراحة. ثم تبعنا ذلك بتأسيس وافتتاح مراكز تلبية الطلبات الآلية، وإطلاق خدمات الدفع الذاتي دون تلامس والروبوتات ذاتية القيادة، والتي استفادت جميعها من تقنية بلوك تشين والذكاء الاصطناعي.
وقد حازت تلك الخدمات ذات الأساس التقني وفي وقت قصير على ثقة عملائنا وأصبحوا يتعاملون معها بشكل حدسي وتلقائي خلال تسوق احتياجاتهم من متاجر “كارفور” التابعة لنا. ومع ذلك فإننا ما نزال في بداية الرحلة، والتي ننتظر خلالها، اعتماد المزيد من العملاء على التجارب التي توفر لهم “الملاءمة” من خلال تلك التقنيات، والتي ينتظر أن تصبح خدمات شائعة في المشهد الجديد لتجارة التجزئة.
إما تلك الخطوة نحو المستقبل، أو خطوات نحو الفشل
الرحلة مستمرة دون انتظار أي أحد. فبحسب دراسة أجريت لتعاملات المستهلكين في نقاط ّالبيع التابعة لماجد الفطيم، وصل اختراق التجارة الإلكترونية في الهايبرماركت والسوبرماركت إلى 13% في النصف الأول من عام 2022، والذي يعد قفزة بنسبة 3% من الفترة ذاتها من العام الماضي1. وبحسب دراسات عالمية، يتوقع أن يتجاوز حجم السوق العالمي لتجارة التجزئة المؤتمتة 19,5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024 2. وهو سوق مدفوع في الأساس بمفهوم “الملاءمة والراحة”، حيث يتبنى المستهلكون بشكل تلقائي وسريع طرق التسوق الآلية الجديدة. وعليه لا يتوجب على أي أحد في القطاع أن يخشى التحول أو يتردد بسبب التكلفة ومتطلبات رفع مستوى أداء المهارات المطلوبين لتحديث عملياتهم التشغيلية سواء كانت علامة تجارية كبيرة أو صغيرة. ومع ذلك، يجب علينا جميعاً أن نستوعب جيداً، أن “ولاء العميل” هو مفهوم معقد ويتداخل مع مفهوم “الملاءمة والراحة” كعنصر أساسي. وأي اخفاق في الجمع بين المفهومين سيعد فشلاً واسع النطاق. ولكن يمكن تجنبه ببساطة عبر اتخاذ تلك الخطوة الأولى والنجاح في جذب انتباه العميل وتلبية احتياجاته بحسب توجهاته التي تلائمه وتوفر له الراحة. والساحة ما زالت مفتوحة وشاسعة في سوق تجارة التجزئة المؤتمتة لاستقبال المزيد سواء من الكبار أو الصغار من ذوي الفكر الرائد والتقدمي لتحقيق النجاح والازدهار.
التقنيات تقود التحولات غير المسبوقة في قطاع التجزئة وتؤسس لمستقبله
في ظل تسيد مفهوم “الراحة والملاءمة” وصعوده كقاعدة أساسية للتواجد والنجاح في قطاع التجزئة، فقد اتخذنا في “ماجد الفطيم للتجزئة” هذا المفهوم كعنصر أساسي واستراتيجي تتمحور حوله كل أفكارنا الجديدة والمستقبلية، والتفكير في تلبية احتياجات مجتمعنا الذي يتطلع لنا بتوقعات عالية بحثاً عن الملاءمة والراحة وما سنقدمه له. وعليه، حرصنا على مراجعة قدراتنا الحالية والاستثمار في تقنيات أكثر دقة وفاعلية لتحديد التوجهات وبناء طرق جديدة لتطوير عملياتنا. وقد تطلب هذا إعادة توزيع القوى العاملة وتدريبهم على مهام أخرى تواكب ذلك التحول التقني الذي طال كل شئ، بدءاً من مهمة إدارة المخزون وحتى مهمة توصيل الطلب وكل ما بينهما من مراحل تنفيذية. وقد انعكس ذلك على ارتفاع مستوى رضا العملاء تجاه ما نوفره لهم. والأمر ذاته على مستوى الأطراف ذات العلاقة مثل الموردين، حيث انعكس نمونا ونجاحنا على ازدهار أعمالهم.
تجارب تسوق جديدة تجمع بين رونق التقليدي والملاءمة بمفهومها المستقبلي
من بين أحدث تجارب التسوق التي طرحتها مؤخراً “ماجد الفطيم للتجزئة” كانت خدمة “كارفور سيتي+” التي قدمت أول متجر لا يطلب من العميل التوجه إلى صندوق الدفع بعد تسوق احتياجاته. وهي التجربة التي تجمع بين متعة التسوق التقليدي والتوجهات السائدة حالياً باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث يستخدم العملاء هواتفهم الذكية للدخول إلى المتجر، ويتم اضافة واحتساب قيمة السلع والمنتجات المختارة بشكل تلقائي إلى سلتهم الافتراضية عند اختيارها. ومن ثم خصم قيمتها من بطاقة الائتمان المسجلة بحسابهم والمغادرة بسهولة من دون الحاجة للوقوف في صفوف الانتظار عند صناديق الدفع. وقد شهدت التجربة ترحيباً كبيراً من العملاء الذين تبنوها سريعاً كطريقة مفضلة للتسوق، الأمر الذي يشير إلى أن مثل هذه التجارب المبتكرة المعتمدة على التقنية بشكل أساسي، ستكون من بين التوقعات التلقائية للعملاء في أي متجر مستقبلاً.
نجاحنا اليوم هو أساس مستقبل القطاع
خلاصة الأمر، أن التقنيات أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا ولن تنفصل عن أنشطتنا اليومية المعتادة. ومع الوقت، سنصبح أكثر اعتماداً على تلك التقنيات وعلى أجهزتنا التي تربطنا بها. ولذا، فإن تحديد التوجهات على المدى الطويل وتحديد التوقعات بشكل أدق في هذا المجال لا بد وأن يكون من أساسيات تفكيرنا في كل شيء. فالرحلة مستمرة ولن تنتظر أحد، وعلينا تخيل الواقع المقبل الذي يحركه مفهوم “الراحة والملاءمة”. وعلى
قادة قطاع التجزئة، العمل على انجاز تلك التصورات في وقتها الأصلي. فنجاحنا اليوم، هو الأساس لما سنشهده من ازدهار خلال السنوات العشر المقبلة.