كتب – ابراهيم محمد
يؤخذ على أردوغان أنه خلط السياسة بالمشاعر والعواطف وغلب انتماءه الإسلاموي على موضوعية السياسي، كل ذلك قاد سياساته الاقتصادية والسياسية إلى التراجع في السنوات الأربع الأخيرة.
شعار تركيا الشهير “صفر مشاكل” انقلب إلى النقيض، فأصبح “الكل مشاكل”، لم يبق لتركيا صديقاً في الإقليم، وها هي تتدحرج بسرعة إلى خوض حرب قد تطيح بكل الإنجازات الاقتصادية التي حققتها في سنوات النمو. مؤشرات كثيرة تؤكد تراجع الاقتصاد التركي على وقع الفساد والفشل في الإصلاح، إضافة إلى مخاطر سياسية إقليمية ودولية عديدة. إزاء هذا التراجع يطرح السؤال عما إذا كانت المعجزة الاقتصادية التركية قد حان أفولها؟
لم تنجح تركيا في تجنب مشاكل الإقليم لأنها لعبت دوراً رئيسياً في إشعال الحريق، ومع استمرار الاضطرابات السياسية والهجمات الإرهابية الخطيرة في عدد من الدول العربية ووصول شظاياها إلى تركيا، يكثر الحديث عن واقع الاقتصاد التركي.
آخر المعطيات تشير إلى أن نسبة نمو الاقتصاد التركي خلال الربع الأول من العام الجاري 2015 لم تتجاوز 1.6 %. وخلال العام الماضي كان معدل النمو بحدود 2.6 % رافقها نسبة بطالة تطال 20 % بين الشباب وتراجع ملحوظ في قيمة الليرة التركية. محصلة كهذه ما كانت لتخطر على بال أحد حتى عام 2011 حين كان “النمر الاقتصادي التركي” يحقق سنوياً معدلات نمو تراوحت بين 7 و 9 % سنوياً خلال سنوات النمو، مما أدى لمضاعفة الناتج المحلي التركي، الذي يزيد حالياً على 800 مليار دولار، أي ما يزيد على ضعف الناتج المحلي الإيراني، ليصبح بذلك أقوى اقتصاد في المنطقة، التدهور السريع في النمو التركي خلال السنوات الأربع الماضية يدفع المزيد من المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت “المعجزة الاقتصادية التركية” قد ولّت؟.
الأسواق العربية والروسية
مع فشل مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي توجه حزب العدالة والتنمية بشكل متزايد نحو السياحة وإلى أسواق جديدة في روسيا ودول وسط آسيا والعالم العربي. وقد أعطى هذا التوجه أقوى دفعة للاقتصاد التركي منذ عقود، إذ تضاعفت الصادرات التركية إلى العديد من هذه الدول أكثر من مرة في أقل من عشر سنوات. على سبيل المثال، ارتفعت الصادرات إلى روسيا من 11 مليار دولار عام 2004 إلى أكثر من 38 مليار دولار في عام 2008. وخلال الفترة بين 2002 و 2012 ارتفع التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية بنسبة وصلت إلى 300 %، ليصل إلى أكثر من 50 مليار دولار سنوياً. وعلى الصعيد السياحي أضحت تركيا أحد أهم الوجهات السياحية في أوروبا والشرق الأوسط، إذ يصل عدد زائريها إلى أكثر من 25 مليون سنوياً.
إغفال الإصلاحات
اعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير على الاستثمارات الأوروبية، التي تشكل نحو ثلاثة أرباع الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى تركيا. هذا التدفق الكبير من جهة والنجاح الكبير في دخول أسواق روسيا والعالم العربي من جهة أخرى، رافقهما تفويت فرص القيام بالإصلاحات الهيكلية الضرورية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي وكثير من الخبراء. وعلى ضوء ذلك لم يتم تطوير الصناعة التركية لإنتاج التقنيات الحديثة ودخول سوقها العالمية، كما لم يتم إصلاح نظام التعليم القادر على تأهيل كوادر شابة تقود عملية التطوير بالشكل المطلوب.
يضاف لذلك أن ثغرات النظام القضائي واستشراء الفساد، الذي وصل إلى عائلة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان والمقربين منه، زعزع ثقة المستثمرين ورجال الأعمال بمناخ الاستثمار ومستوى الشفافية في عقد الصفقات الاقتصادية. ويجد هذا الأمر انعكاسه في تراجع الاستثمارات الخارجية إلى تركيا بنسبة 23 % خلال 2014، حسب بيانات وزارة الاقتصاد.
مستقبل غامض
بالإضافة إلى العوامل الداخلية، بما فيها فشل خطة السلام مع حزب العمال الكردستاني، دخلت عوامل خارجية أدت إلى فرملة نمو الاقتصاد التركي، ومن أبرزها تراجع الاقتصاد الروسي ومعه القوة الشرائية لروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. وتفيد آخر المعطيات الرسمية التركية والروسية أن الصادرات التركية تراجعت إلى روسيا بنسب وصلت إلى 36 % مؤخراً. وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات التجارية مع العديد من الدول العربية كمصر وسوريا وليبيا . إذ تدهورت هذه العلاقات، إما بسبب النزاعات المسلحة في هذه الدول أو بسبب مواقف الحكومة التركية الداعمة للإسلاميين في الدول المحيطة.
وبالنسبة لمصر، تشير البيانات المتوفرة إلى تراجع الصادرات التركية بنسبة تصل إلى 17 % خلال العام الجاري مقارنة مع العام الماضي. وبالنسبة لسوريا وليبيا هناك توقف شبه تام للحركة التجارية مع تركيا. كما أن التجارة التركية مع دول الخليج تضررت بشكل كبير بعد توقف حركة الترانزيت عبر الأراضي السورية، التي كان يعبرها سنوياً نحو 85 ألف شاحنة محملة بالبضائع إلى السعودية ودول الخليج.
عودة إلى الوراء
مع استمرار الاضطرابات وضعف الأسواق إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأوروبي، فليس أمام تركيا في الوقت الحاضر فرصة لزيادة صادراتها ودفع عجلة اقتصادها. كما أن فضائح الفساد والمخاطر السياسية الناتجة عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أفقدت حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية، ستجعل المستثمرين أكثر نفوراً من التوجه إلى السوق التركية.
يضاف إلى ذلك أن الحكومة التركية لا تستطيع على ضوء التراجع الاقتصادي وزيادة العجز في الميزانية والتبادل التجاري زيادة الطلب على السلع من قبل المستهلك المحلي بسبب ارتفاع نسبة البطالة واتساع نطاق الفئات ضعيفة الدخل إلى مستوى الأسعار السائدة. وهو الأمر الذي يعني بالمجمل صورة غير وردية للاقتصاد التركي في الوقت الحالي.
كوادر:
– فضائح الفساد والمخاطر السياسية الناتجة عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أفقدت حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية، ستجعل المستمرين أكثر نفورا من التوجه إلى السوق التركية
– آخر المعطيات تشير إلى أن نسبة نموه خلال الربع الأول من العام الجاري 2015 لم تتجاوز 1.6 بالمائة. وخلال العام الماضي كان معدل النمو بحدود 2.6 بالمائة رافقها نسبة بطالة تطال 20 بالمائة بين الشباب