قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” إننا اليوم ونحن ننعم بإنجازات السنوات الخمسين الأولى من عمر دولتنا المديد، ونفخر بما أحرزناه لبلادنا من تقدم ومكانة، نتذكر آباءنا الذين أسسوا اتحادنا وأقاموا دولتنا، وشقّوا لنا دروب النهضة والازدهار.
وأضاف سموه ــ في كلمة وجهها عبر مجلة درع الوطن بمناسبة عيد الاتحاد الخمسين للدولة ــ أننا نتذكر والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، ولا نجد ما يكفي من العبارات التي تعبر عن عظيم تقديرنا لقيادته وحكمته وعطاءاته، فلولاه لما قام الاتحاد، ولما صارت دولتنا حقيقية ثابتة وفاعلة في منطقتنا وعالمنا ..ونتذكر بالعرفان والتقدير الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم “طيب الله ثراه”، شريك الشيخ زايد في وضع لبنة الاتحاد الأولى في 18 فبراير 1968، ورفيق دربه في التأسيس والبناء ومواجهة التحديات.
وفيما يلي نص الكلمة..
“بسم الله الرحمن الرحيم أبناء وبنات وطني الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم وأهنئكم بحلول عيد الاتحاد الخمسين وأتوجه إلى المولى عز وجل بالحمد والشكر على ما أفاض به علينا من نعم ..وأشكره سبحانه وتعالى أن قدر لي الإسهام في مسيرة بناء اتحادنا ودولتنا منذ بداياتها الأولى.
اليوم ونحن ننعم بإنجازات السنوات الخمسين الأولى من عمر دولتنا المديد، ونفخر بما أحرزناه لبلادنا من تقدم ومكانة، نتذكر آباءنا الذين أسسوا اتحادنا وأقاموا دولتنا، وشقّوا لنا دروب النهضة والازدهار.
نتذكر والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ولا نجد ما يكفي من العبارات التي تعبر عن عظيم تقديرنا لقيادته وحكمته وعطاءاته، فلولاه لما قام الاتحاد، ولما صارت دولتنا حقيقية ثابته وفاعلة في منطقتنا وعالمنا.
ونتذكر بالعرفان والتقدير الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم “طيب الله ثراه”، شريك الشيخ زايد في وضع لبنة الاتحاد الأولى في 18 فبراير 1968، ورفيق دربه في التأسيس والبناء ومواجهة التحديات.
ونتذكر بالتقدير إخوانهما حكام الإمارات الذين التفوا حولهما، وشاركوهما في توطيد أركان الاتحاد.
ولا تغيب عن هذا اليوم ذكرى الرعيل الأول من أبناء الإمارات الذي حملوا الاتحاد في قلوبهم، وعملوا بإخلاص وتفان في بناء وإدارة مؤسسات الدولة وتطويرها ..كما لا تغيب ذكرى أسلافنا الذين حافظوا على أرضنا، وأداموا الحياة عليها متغلبين على العزلة وشح الموارد وقسوة البيئة.
وعلى الرغم من مرور 17 عاماً على انتقال الشيخ زايد إلى دار البقاء، فإن حضوره في أيامنا وضمائرنا يزداد رسوخاً، وكلما حل يوم الثاني من ديسمبر يتكثف هذا الحضور في نفسي وفي خاطري، فقد عملت تحت قيادته منذ تأسيس الاتحاد، وتعلمت منه ونهلت من قيمه ومبادئه، وتأملت في قراراته ومواقفه، التي كان جوهرها مصالح وطننا وإسعاد شعبنا، وتقوية اتحادنا.
وقد كانت الوحدة عند الشيخ زايد فعل إيمان طبع تفكيره ونهج حياته وسياساته في إدارة الشأن العام. وكان يشعر أنه منذور للسعي في طريق الوحدة، فكان القوة الدافعة لقيام اتحادنا ودولتنا، وكان الشريك الموثوق في إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكان المبادر في جهود تعزيز التعاون العربي.
إن تراث الشيخ زايد في القيادة والحكم مدرسة تتعلم فيها الأجيال دروساً ثمينة في العطاء السخي للوطن، وفي نسج العلاقات مع الآخرين، وفي التقريب بين المواقف المتعارضة، وفي إدارة الأزمات ومواجهة التحديات وابتداع الحلول للمشاكل المعقدة.
والواقع أن التحديات لم تفارق مسيرتنا، فهي صنو الحياة، ويصادفها الأفراد والمجتمعات والدول ..وكان التحدي الأكبر هو تحدينا لأنفسنا؛ كان علينا إثبات قدرتنا على تأسيس دولة فاعلة، وبناء نموذج تنموي طموح ..وقد واجهنا في السنوات الخمسين الماضية تحديات تنوعت بين الأمنية والسياسية والاقتصادية؛ وتعاملنا معها كما يجب، منطلقين من إيماننا بأن جدارتنا الوطنية والإنسانية تكمن في نهوضنا لمواجهتها بثقة وإيمان وتفاؤل، وهكذا نجحنا في مواجهة تحديات مرحلة تأسيس الاتحاد وتثبيت قواعده، وركود الاقتصاد العالمي في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وتداعيات حرب الخليج الأولى، وغزو الكويت، واحتلال العراق، وأحداث “ما يسمى بالربيع العربي” التي أدخلت العالم العربي في نفق الفوضى والاضطراب، وألحقت بدول ومجتمعات عربية دماراً وخراباً عميمين.
أيها المواطنون والمواطنات يدعونا هذا اليوم للتأمل في أين كنا قبل خمسين عاماً، وأين أصبحنا، وكيف وصلنا إلى هنا؟ وأحسب أن نسبة كبيرة من أبنائنا وبناتنا تحت سن الخمسين لا يعرفون الصورة الكاملة، فيما يلم بها من تجاوزت أعمارهم الخامسة والخمسين.
ولا يتسع المجال هنا لمقارنات بالأرقام والوقائع والأحوال، فالإحاطة بها تحتاج إلى مجلدات، وهي على كل حال موثقة بالمعلومة والصوت والصورة ومتاحة للجميع.
لذلك سأكتفي بالإشارة إلى عناوين ومسارات مهمة عشت تفاصيلها، وشاركت في معظمها، وعايشت تطورها عن قرب.
أتأمل اليوم في مسار نشوء وتكوين الهوية الوطنية الإمارتية. عادة ما يكون بناء هوية وطنية لأي شعب عملية تاريخية تتسم بالصعوبة والحساسية.
وفي بعض النماذج في عالمنا، ترافقت العملية بعنف شديد، وأحياناً بحروب طاحنة، وفي أحيان أخرى فرضها طرف على طرف آخر بالقوة والإرغام. وهو ما خلف صراعات داخلية في دول عدة، ومحاولات لانفصال أقاليم في دول أخرى.
لكن هويتنا الإماراتية ولدت معافاة يوم ولادة الاتحاد، وذلك لأن الإماراتيين شعب واحد كان موزعاً في كيانات عدة، وأن الروح الوحدوية متجذرة عميقاً في نفوسهم من واقع القربى والنسب ووحدة العقيدة والجغرافيا والتاريخ والمرجعية الحضارية والقيم والعادات والتقاليد. وقد وجدت هذه الروح في الاتحاد تجسيداً لآمالها وطموحاتها، وفي الشيخ زايد قائداً لتحقيق هذه الآمال والطموحات.
وأتأمل اليوم في مسار الأداء الحكومي الذي أنطلق من نقطة الصفر، واستحدث وزارات ومؤسسات وتشريعات لا عهد للإماراتيين بها، ولا كوادر وطنية كافية لشغل معظم وظائفها، وعلى الرغم من هذا الوضع، سابقت الحكومة الزمن لتنفيذ مئات المشاريع، وكان طبيعياً أن تحدث عثرات ما لبثت أن أخذت في التراجع على وقع تراكم الخبرات، وتدفق الموارد البشرية الوطنية المؤهلة، إلى أن وصلنا إلى هنا حكومة تضاهي أفضل مثيلاتها في العالم أداءً وتخطيطاً ومواكبة للمتغيرات، واستشرافاً للمستقبل، وتفاعلاً سريعاً وإيجابياً مع مستجداته.
وأتأمل في مسار التنمية الشاملة للإنسان والعمران، وانتقالها في كل حقولها من الكم إلى الكيف، وصولاً إلى المنافسة على المراكز الأولى في مؤشراتها العالمية. والشواهد لا تعد ولا تحصى، إن على مستوى مرافق البنية التحتية، والبنية الرقمية، أو تنويع الاقتصاد وتطوير خدمات التعليم والصحة والإسكان.
ولعل مسيرة بناء قواتنا المسلحة تقدم أفصح النماذج عن هذا المسار. فهي في قلب عمليات بناء الدولة، تفاعلت معها وواكبتها في الإنجاز والتقدم، وأضافت إليها بخبراتها المتفوقة في تكوين الموارد البشرية الوطنية، وتمكينها من اتقان لغة عصرنا بكل منجزاته وعلومه وأحدث تقنياته واختراعاته.
وأتأمل اليوم المسار الذي حقق لدولتنا مكانتها المرموقة عالمياً، وأكسب دورها في شؤون عصرنا حيوية وفاعلية. إنه مسار طويل وصاعد لحمته الإنجازات والمبادرات التنموية والإنسانية، وسداه المواقف والسياسات وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح وقبول الآخر واحترام خصوصياته، وقد ضاعفنا وتائر صعود هذا المسار، قبل نحو خمسة وعشرين عاماً حين وضعنا في صلب رؤانا واستراتيجياتنا الاتجاهات العالمية الصاعدة في الاقتصاد والتنمية والبيئة.
آنذاك، كان العالم يعيد تشكيل نفسه حول التكنولوجيا الرقمية، فاقتحمنا العالم الرقمي في وقت مبكر، وشيدنا بنية تحتية رقمية متفوقة، مكنتنا من الدخول بثقة في عصر الحكومة الإلكترونية، وفي عصر الاقتصاد الرقمي، والانتقال بهما إلى عصر الذكاء الصناعي. وأدركنا أن الفضاء هو المجال الحيوي للعالم الرقمي، فانتقلنا من شراء الأقمار الصناعية إلى صناعاتها بأيد وعقول إماراتية. وانتقلنا من المتابعة المنبهرة بأخبار الرحلات العلمية لدراسة الفضاء والكواكب، إلى المشاركة في هذه الرحلات. لقد بدأنا رحلة المغادرة من تصنيف المستهلكين إلى تصنيف المنتجين، ونحن مصممون على أن نكون شركاء في المجتمع العالمي لعلوم الفضاء وصناعاته.
وقد أعددنا وجهزنا لهذه الشراكة مستلزماتها. وضعنا الخطط والمشاريع وبرامج التنفيذ. وبنينا المؤسسات المتخصصة، والكوادر والخبرات الوطنية التي تتعزز يوماً بعد يوم بعقول شبابنا وشاباتنا.
فضلاً عن ذلك، تثري صناعاتنا الفضائية البنية العلمية الوطنية، وتتداخل مع كل الصناعات الدقيقة وتعزز مصادر قوتنا، وتنطوي على فرص اقتصادية ذات قيمة مضافة عالية، فحجم اقتصاد الفضاء يربو اليوم على ترليون دولار، وهو مرشح لزيادات مضطرده، ونحن مع غيرنا نتنافس على حصصنا فيه.
مجال آخر نشارك العالم اهتمامه المتصاعد به وهو التغيير المناخي. ونحن نقارب هذا الموضوع على المستوى الحكومي بما يستحق من اهتمام، ونريد أن يمتد هذا الاهتمام إلى المجتمع والقطاع الخاص. فمشكلة المناخ عالمية بامتياز، ولا منجاة لدولة ولا منطقة جغرافية من تداعياتها الكارثية.
وخاصة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتغير مستوى سطح البحر، واشتداد حدة الأعاصير، واتساع الجفاف.
نحن في الإمارات شركاء فاعلون في مواجهة آثار تغير المناخ، ومنذ نحو عشرين عاماً ضاعفنا استثمارنا في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا خفض انبعاث الكربون، وقطعنا شوطاً مهماً نحو تحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 وعمادها تنويع مصادر إنتاج الطاقة النظيفة. ولدينا اليوم محطتان للطاقة الشمسية من بين الأكبر في العالم، والمحطة الثالثة قيد التنفيذ. ولدينا محطات براكة للطاقة النووية، وأول مدينة في العام تعتمد على الطاقة النظيفة، وأول مشروع في المنطقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
لقد جعلت هذه الإنجازات دولتنا شريكاً عالمياً مهماً في مواجهة تغير المناخ، وهو ما حفز دول العالم على اختيار مدينة “مصدر” في عاصمتنا مقراً رئيسياً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آرينا” في سابقة لاختيار مدينة في الشرق الأوسط مقراً لمنظمة دولية.
وفي تأكيد إضافي لثقة العالم بقدرات دولتنا، اختارت دول العالم قبل أيام الإمارات لاستضافة دورة العالم 2023 لقمة الأمم المتحدة للمناخ /COP 28/.
أيها المواطنون والمواطنات..
غداً نبدأ الخمسين الثانية في مسيرة التنمية والتطوير، مهتدين برؤية الإمارات 2071، ومبادئ الخمسين، والمبادئ العشرة التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” مرجعاً لجميع مؤسسات الدولة، لتعزيز أركان الاتحاد، وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم.
ننطلق غداً ونحن أكثر ثقة بنموذجنا الإماراتي الشامخ، وخبراتنا الثرية في التخطيط والتنفيذ واستشراف المستقبل، وبكفاءة مواردنا البشرية الوطنية، مدركين أننا نتحرك في بيئة عالمية تشهد تغيرات غير مسبوقة في سرعتها وتأثيراتها على العلاقات الدولية وأولويات الدول، وأساليب العمل، وأنماط المعيشة. وقد أنجزنا خلال السنتين الماضيتين بناء الأطر التي تكفل لنا التأقلم مع هذه المتغيرات، وتؤمن مواكبتها والاستجابة السريعة لمقتضياتها، باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وتعديل الخطط وتطويرها كلما لزم الأمر، تعزيزاً لقدرتنا على اغتنام الفرص وتجنب المخاطر المصاحبة لهذه المتغيرات.
وكما نجحنا في مواكبة الاتجاهات العالمية الصاعدة والمشاركة في حراكها، وتمكنا من تحقيق أهداف رؤية الإمارات 2021، فقد أنجزنا استعداداتنا للأعوام الخمسين المقبلة، برؤى تستشرف المستقبل وتغطي كافة قطاعاتنا الحيوية، ووضعنا الاستراتيجيات والخطط وبرامج وآليات التنفيذ، وطورنا التشريعات بما يعزز محركات التنمية، ويطور بيئة الأعمال، ويوسع الاقتصاد، ويحفز الاستثمار، ويشجع الابتكار، ويبني ويجذب العقول المتميزة في العلوم المتقدمة والبحث والتطوير.
وكل ذلك يعزز مصادر ومكونات قوتنا الذاتية، ويوطد ركائز الأمن والاستقرار، ويحسن نوعية حياة شعبنا، ويدعم مشاركتنا الفاعلة في شؤون عالمنا.
أيها المواطنون والمواطنات..
خمسون عاماً تنقضي اليوم بحسابات الأيام والسنون، لكن إنجازاتها ودروسها وخبراتها مستمرة معنا تلهمنا وتحفزنا على التفاني في خدمة وطننا.
وبكم ومعكم يا أبناء وبنات وطني سنضيف إنجازات جديدة، ونسير بنموذجنا الإماراتي إلى أرحب الآفاق ونغذ الخطى في دروب التنمية، ونواصل الصعود في معارج التقدم، ومنافسة دول العالم على المراكز الأولى في كل مؤشرات التنمية المستدامة.
كل يوم وطني وأنتم ووطنا بخير وعز وسؤدد. وعساكم من العائدين الغانمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.