تشغل “فيلما جوركوت” منصب المديرة التنفيذية لمركز “السركال“، وهو عبارة عن مؤسسة فنية وثقافية في دبي، تضمّ “السركال أفنيو”، و”السركال الاستشارية”، و”مؤسسة السركال للفنون”. ومن خلال هذا الدور، تعدّ “فيلما” وبكل سهولة واحدة من أكثر الوجوه شهرة على الساحة الفنية الإماراتية اليوم. أنشئت مؤسسة “السركال أفنيو” في عام 2008 على يدّ مؤسسها عبد المنعم بن عيسى السركال، ومنذ ذلك الحين، نمت المؤسسة لتصبح المنطقة الإبداعية الأولى في دبيّ، التي تضم كل شيء، بدايةً من المعارض الفنية المعاصرة، ووصولاً إلى أعمال المصممين على الساحة المحلية، بينما تعدّ “مؤسسة السركال للفنون” مؤسسة غير ربحية تأسست في 2019 بغرض دعم الممارسين والباحثين العاملين في مواضيع مرتبطة بمجتمع الفنّ الإقليمي. وفي الوقت نفسه، ظهرت “السركال الاستشارية” في عام 2020 كدليل لجهات وهيئات القطاعين العام والخاص التي ترغب في تطوير برامجها أو مساحاتها الثقافية الخاصة. وتتولى “فيلما جوركوت” الإشراف على جميع المؤسسات الثلاثة، حيث تحرص على أنّ تترك كل واحدة من هذه المؤسسات تترك علامة لا تُمحى في تشكيل ملامح القطاع الإبداعي في دولة الإمارات العربية المتحدة. تقول “فيلما” تعقيباً على ذلك: “يرتكز عملنا على أخلاقيات الرعاية والسلطة المشتركة والتعلّم الجماعي، حيث يتأصّل الحوار المفتوح والتعاون الممتد في شراكاتنا. ويعدّ كل من العملية المعرفية والناتج النهائي جزءًا من ممارستنا عند الوفاء بوعدنا الذي قطعناه للجميع. ولم تكن مؤسسة (السركال) مرادفة للبيئة المبنية على الإطلاق، بل على العكس، فبصفتنا مجتمعاً متعدد الأصوات والتخصصات، كنا دائماً منبراً يتم من خلاله تقديم أصوات وقصص متنوعة وتمثيلها. ولا يزال هذا الأمر حتى الآن يواصل تطوره ونموه من خلال تعاوننا ومشاريعنا على الصعيد العالمي. إنّ دعم الجيل الجديد من المفكّرين لتحدي القوالب التقليدية، وبما يؤدي إلى أشكال جديدة من المعرفة، هو ما يكمن في صميم رسالتنا”.
في هذه المرحلة، قد يكون هناك ادعاء يشير إلى أنّ “السركال” قد وضع أهدافاً نبيلة أو ربما طموحة بشكل علني، إلا أنّ “فيلما” توضح أنها عبارة عن تطلّعات متكاملة ومهمة للمؤسسة في ظلّ عالم طرأت عليه تغيرات ستدوم للأبد بسبب استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وتعقّب “فيلما” على ذلك قائلة: “عند مواجهة هذا الوضع الحالي، لا يمكننا التصرّف وكأن شيئاً لم يكن، بل لقد تغير كل شيء. سنستمر في التغيير. وستكون مُدننا مختلفة. وستكون السركال مختلفة. ومن الضروري أن يكون لدينا مساحة لفهم الحاجات المُلحّة التي تهمنا جميعاً، وأن نتيح لأنفسنا الوقت اللازم للتفكير، إذ نبدأ في إعادة التكيف مع الوضع الجديد، وإعادة صياغة أنماط جديدة من خلال التجريب، لنتمكن في نهاية المطاف من تشكيل ملامح خطابنا الجديد. وهذه اللحظة التاريخية تتيح لنا الفرصة لإعادة التفكير في دورنا كمجتمع، وفي الإمكانيات الجديدة للخروج بقيمة اليوم وفي المستقبل”. ولم تضيع مؤسسة “السركال” أي وقت حرصاً على إجراء مثل هذه المناقشات، ففي الواقع، تكشف “فيلما” أنّ مثل هذه الأفكار تشكّل أساس البرمجة التي وضعتها المؤسسة لبرنامجها الذي أُعلن عنه مؤخراً من معرض “إكسبو 2020 دبي”، تحت عنوان “حوار الثقافات”. وتوضح “فيلما” بقولها: “من خلال الخبرة الهائلة التي تتمتع بها مؤسسة “السركال” في تطوير المحتوى الثقافي، اتخذنا نهجاً يقوم على أساس البحث لتطوير البرامج خلال إقامة معرض (إكسبو 2020). وتشمل قائمة الموضوعات، المناخ والتنوع البيولوجي، الفضاء، التنمية الحضرية والريفية، التسامح والشمولية، المعرفة والتعلم، السفر والتواصل، الأهداف العالمية، الصحّة والعافية، الغذاء، الزراعة وسبل العيش، وأخيراً المياه”
وهكذا سيشهد برنامج “حوار الثقافات” السركال وهي تقدم سلسلة من المداخلات متعددة التخصصات واللجان الفنية التي سيتم عرضها على مدى الأشهر الستة للمعرض. وتوضح “فيلما” ذلك قائلة: “من خلال الشراكة مع معرض (إكسبو 2020 دبي) لتصور مفهوم برنامج (حوار الثقافات)، جمعنا بعناية بعضاً من المفكرين الرائدين في العالم ومن تخصصات متعددة لمعالجة وإعادة تصوّر عدداً من القضايا المعاصرة الهامة في عالم الأنثروبوسين. ويتيح برنامج (حوار الثقافات) الفرصة لنظرية كبرى تقدم انعكاساً ووعياً ومنهجيات مُعاد تصورها، كنتيجة لتوليد أشكال جديدة من المعرفة، وتفعيل الخطاب الاجتماعي، وتشكيل مجتمعات لا تحدّها أي حدود من خلال منبر إكسبو التعاوني”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مساعي مؤسسة “السركال” في هذه المبادرة تتماشى مع الروح التي أظهرتها خلال الأيام الأولى لظهور الجائحة، والتي شوهدت خلالها وهي تبذل قصارى جهدها، بدايةً من تقديم إعفاءات الإيجار إلى مستأجريها، وحتى إطلاق برنامج “Alserkal Pay It Forward” الذي استهدف دعم المجتمعات المتأثّرة من حوله. وتضيف “فيلما” قائلة: “إنّ تلاشي الحدود من خلال التعاطف المشترك هي ذكرى لن أنساها من هذه الجائحة. وعلى مدار العام الماضي، أكدت أخلاقيات التعاون والعمل الجماعي والعطاء، التي تعد ركناً أصيلاً في مجتمعنا، على أننا لن نشعر بالوحدة أبداً. وبصفتنا مجموعة من المبدعين والمفكرين الثقافيين والصنّاع، كنا دائماً مدفوعين بتحدي القوالب التقليدية، ورؤية إمكانيات غير محدودة من خلال العمل الذي نؤديه”.
يجب أن يكون من الواضح جداً الآن أنّ “السركال” قد احتضنت نهج التفكير المستقبلي لإقامة نفسها كمؤسسة، وجزء كبير من الفضل في هذا يرجع إلى “فيلما جوركوت”، التي انضمت إلى العمل الذي تديره العائلة في عام 2012، وتضطلع بدور أساسي في تطوّرها منذ ذلك الحين. وتعقيباً على ذلك، تخبرنا “فيلما” قائلة: “ليس من السهل مطلقاً أن تحظى بالصدارة أو الريادة، لأنه لا يوجد نموذج أو دليل يمكنك اتباعه. وثمّة نصيحة أسداني إياها شخص ما، وأشعر بالراحة بسببها، وهي: (لا تخشوا الغموض، فهو يعني أنكم ستبتكرون). وأصدقكم القول، عندما بدأنا، أشعر بأن الغرب لم يكن يعرف ماذا يفعل معنا، لأننا لم نكن نناسب أي من الصناديق الخاصة به، في سياق نماذج الفن. لقد بدأنا كحيّ للفنون في منطقة القوز الصناعية، ثمّ من خلال التوسّع الذي شهدته (السركال أفنيو) في 2015، نجحنا في توسعة منصّتنا لاستقبال مجتمع منظم من روّاد الأعمال في مختلف القطاعات، لنعمل هكذا كلبنة للاقتصاد الإبداعي على الصعيد المحلي. ومن خلال التزامنا بالإنتاج الفني، وبرامج الإقامة، والمنح الدراسية، والبحوث، تمكنّا من تحقيق المزيد من التطوّر كمؤسسة، لننجح في إنشاء (مؤسسة السركال الفنون)، التي مهدت الطريق أمام نموذج عضوي محدد السياق، عمل على الاستجابة لمدينتنا وتاريخنا، وجماهيرنا. إنّ (السركال) ومبادراتها هي مبادئ مجتمعية مشترك للجميع، فهي تعاونية، ومنفتحة، وتجريبية، ومرنة بطبيعتها. كذلك، تعدّ المثابرة والعمل الجاد والموقف المتمحور حول الحلول والتفكير الممتد كلها عناصر تُسهم في اكتمال المعادلة”.
هذه المبادئ ليست صفات مقتصرة على مؤسسة “السركال” وحدها، فهي أيضاً سمات يمكن رؤيتها في “فيلما” نفسها، التي تعتز بأنها قد كرست حياتها المهنية لتطوير مجتمعات إبداعية في نيويورك وشيكاغو ولندن، والآن في دبي. وعندما سُئلت “فيلما” عما إذا كان كونها امرأة يؤثر في حياتها المهنية بأي شكل من الأشكال، أجابت بقولها: “لا تزال المساواة والإنصاف من ضمن التحديات الرئيسية التي تواجه العديد من المناطق اليوم. ولا يزال أمامنا الكثير لنحققه، لكنني أفخر بأنّ المشهد الفني في الإمارات العربية المتحدة مرتكز بوجه عام على زميلات لي من القيادات النسائية”. وللتأكد من استمرارها في الصدارة، ظلت “فيلما” على رفضها بالاكتفاء بالنجاحات التي أحرزتها، فتعلق على ذلك قائلةً: “لقد تعلمت منذ فترة طويلة أنه لا توجد طرق مختصرة للنجاح، وأن التعليم له تاريخ صلاحية. ومن هذا المنطلق، رغم عملي الذي يشغل كل وقتي، فقد تحديت نفسي للحصول على درجة الماجستير في جامعة أكسفورد في مجال التنمية الحضرية المستدامة. لقد مكنني ذلك من مواصلة التعلم والانتقال إلى مستوى جديد في سبيل إعادة تقييم وإعادة تقويم مسارنا في مؤسسة (السركال)، وفي الوقت نفسه نتعرف بصورة أفضل على تحديات اليوم، وكيف يمكننا أن نبدأ معاً في التصدي لها “. يعرض هذا أيضاً نظرة بشأن كيفية تحوّل “فيلما” إلى قائدة، حيث تتمحور استراتيجيتها حول أفكار التكاتف والتعاون. تقول “فيلما”: “يعدّ التواضع والعمل الجماعي وابتكار الأفكار مع الأشخاص الذين تعمل معهم عوامل أساسية. ولا يزال العديد من القادة يتشبثون بأساليب الإدارة الهرمية القديمة. وأتمنى من كل قلبي التخلص من هذا المنطق القديم والنهج البائد في القيادة الآن!” وعلى أي حال، هذا العصر الذي نعيشه يتطلب جيلاً جديداً من القادة. وتواصل حديثها قائلة: “تشكّل الإخفاقات، والتحديات، وديناميات التغيير، والغموض جزءًا من ممارسة الأعمال التجارية اليوم. والمطلوب من القادة اليوم هو القدرة على التكيف وإعادة النظر والتخطيط في ظلّ هذا العصر الذي يشوبه الغموض، من خلال التحلي بالمرونة واتباع نهج إنساني”.