بقلم بيتر بينش، نائب الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى سايج
عادة ما ترسم أفلام الخيال العلمي صورة عالم بائس تنقلب فيه أجهزة الكمبيوتر والروبوتات على البشر وتسعى إلى إبادتهم أو استعبادهم. كما يسهل العثور على عدد كبير من المقالات عبر الانترنت التي تتنبأ بأن الذكاء الاصطناعي سيخرج مئات ملايين الأشخاص من سوق العمل خلال العقد المقبل.
لكن في عالمنا الحقيقي، تحيط بنا عدة أمثلة لأنظمة ذكاء اصطناعي نتفاعل معها دون معرفتنا وتحسن حياتنا اليومية – سواء طلبنا من سيري معلومات عبر الأيفون، أو استخدمنا التعرف على الوجه للتعريف بأنفسنا على جهازنا المحمول، أو قرأنا كتاباً اقترحه أمازون أو استمعنا إلى أغنية أوصى بها سبوتيفاي.
كما تُظهر الأمثلة السابقة، يجب اعتبار الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكنها تعزيز كل جوانب التجربة البشرية. وفي مجال العمل، سيستفيد المتخصصون في التمويل بشكل أكبر من الذكاء الاصطناعي.
التعويض عن الوقت الضائع
والسبب وراء ذلك بسيط: يشتكي معظم المحاسبين، سواء كانوا يعملون في مؤسسة أو شركة خاصة، من ندرة الوقت. إذ يقضي الكثير منهم ساعات في تنفيذ مهام بسيطة ومتكررة لا تضيف سوى القليل من القيمة الحقيقية للأعمال، مثل فرز الإيصالات وتصنيفها، ووضع البيانات في جداول وإدارة التقويمات.
وتناسب الخوارزميات والآلات تلك المهام أكثر من البشر. في الواقع، تقدّر بعض الدراسات أن ما يقارب نصف أنشطة العمل يمكنها التحول إلى الأتمتة حالياً. ولا يقتصر الأمر على أنشطة تحتاج إلى مهارات قليلة مثل إدخال البيانات، بل يمتد إلى العديد من المهام في أدوار تتطلب مهارات متقدمة مثل التمويل والطب وقيادة الأعمال.
إلا أن تبني الذكاء الاصطناعي لا يعني بالضرورة فقدان وظائف المحاسبة. بل يمهد الطريق أمامهم لتغيير طرق عملهم. وعوضاً عن استبدال المحاسبين، سيعمل الذكاء الاصطناعي على زيادة قدراتهم وأتمتة المهام منخفضة القيمة لتوفير الوقت.
فتخيل ما يمكنك تحقيقه بخمس أو عشر ساعات إضافية في الأسبوع – بدءاً من صقل للاستشارات التي تقدمها والارتقاء بمهاراتك في التكنولوجيا الناشئة وصولاً إلى قضاء المزيد من الوقت في تقديم المشورة الاستراتيجية لعملائك. وعلى ضوء ذلك، يصبح الذكاء الاصطناعي زميل عمل قادر على الاهتمام بالأساسيات بكفاءة وفعالية من حيث التكلفة لتتمكن من التركيز على إضافة القيمة.
القدرات المعززة
كما يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة قدراتك بمعلومات أكثر دقة لتتمكن من دعم عملك أو عملائك لاتخاذ قرارات أفضل. وبدلاً من إضاعة الوقت في إدخال كميات هائلة من البيانات أو تنقيتها، والمعاناة للاطلاع بشكل دائم على التشريعات والمعايير المحاسبية المتغيرة باستمرار، سيمتلك فريقك مجالاً أوسع للتفكير الاستراتيجي الرفيع.
لذا يدرك المحاسبون ذوو التفكير المستقبلي أن الذكاء الاصطناعي يشكل أداة تساعدهم على الانتقال إلى نموذج أعمال يمكنهم عبره بيع المعرفة والخبرة، وليس الساعات. ومع اعتماد هذا النموذج الجديد، يتحول التركيز من بيع الوقت إلى بيع رأس المال الفكري والكفاءات. ويمكنك الابتعاد عن حساب الساعات باتجاه تقاضي أجرك بحسب النتائج والقيمة.
وقد يغير نموذج العمل هذا علاقتك مع عملائك تماماً. وسيكون لديك الوقت لاستكشاف محادثات أعمق وأكثر ثراء حول أعمالهم لتقديم مشورة ثاقبة. وستأتي قيمتك من معرفتك التي لا يمكن قياسها بالساعة. وتعد هذه التطورات فرصة لتصبح شريكاً حقيقياً لعملائك أو عملك.