بقلم: مينا موريس، الشريك الزميل لدى شركة ’ايون‘ في منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا
ضجّت المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً بهاشتاج ’تحدّي العشر سنوات‘ 10yearchallenge)#)؛ حيث يُجري الأفراد مقارنة بين إحدى صورهم الحديثة وأخرى تم التقاطها قبل عشر سنوات. وبعيداً عن التعرّف على مدى التغيّر في الشكل الذي لحق بنا نتيجة التقدم بالعمر، يمكننا خوض هذا التحدي لإجراء المقارنة من منظور عالم العمل المؤسسي ومسار التطور الذي سلكته تجربة العمل. هذا وشهدت منطقة الشرق الأوسط تغييرات هائلة خلال هذه الفترة؛ وانطلاقاً من خبرتي العملية التي جمعتني بأكثر من 100 شركة في المنطقة لدعم التغييرات المؤسسية والتنظيمية فيها، يمكنني تحديد مجموعة من أبرز التوجهات التي تغيّر ملامح مكان العمل بصورة مستمرة.
التغييرات الرئيسية في العقد الماضي
قوة العمل أصبحت أكثر ’سلاسة‘
بدلاً من الاقتصار على القيام بمجموعة مهام محددة مسبقاً، يتعرض العديد من الأفراد والفرق الآن لمجموعة متنوعة من الوظائف والمهمات أو المشاريع المؤقتة التي تسعى متطلباتها لتلبية هدف نهائي محدد. ونتيجة لذلك، قلّ ارتباط العديد من الأدوار الوظيفية بإجراء المعاملات وازداد تركيزها على حل المشكلات.
التكنولوجيا كعاملٍ لتمكين الإنتاجية
تُعيد التكنولوجيا رسم ملامح الطريقة التي نتبعها في العمل؛ فقد نجحت في أتمتة الكثير من الأعمال التي كانت توكل تقليدياً لما كان يُعرف باسم ’قسم شؤون الموظفين‘، وساهمت برمجيات إدارة الموارد البشرية القائمة على خدمات الحوسبة السحابية في تبسيط إجراءات العمل. في حين لعبت تقنيات مشاركة الملفات وعقد مؤتمرات الفيديو والمنصات الاجتماعية الداخلية دوراً كبيراً في دفع عجلة الإنتاجية والتعاون، مما أدى إلى تعزيز تجربة الموظفين في نهاية المطاف.
ازدياد الطلب على البيانات
خلافاً لما كانت عليه الحال قبل عشر سنوات، تستطيع البيانات اليوم تزويد المؤسسات بالرؤى الاستثنائية حول موظفيها. وتبرز حاجة العديد من المؤسسات في الشرق الأوسط الآن لأدوات تحليل البيانات لتحديد التوجهات السائدة في مكان العمل ذات الصلة بمواضع استنزاف القوة والمشاركة والأداء، مما يتيح تعزيز المكانة الاستراتيجية للموارد البشرية واتخاذ قرارات أفضل بشأن الموظفين.
توقعات الموظفين تتخطى حدود الراتب أو الأجر
قبل عشر سنوات، كان تقديم عرض عمل براتب أعلى بنسبة 10% كفيلاً بدفع الموظف نحو التخلي عن عمله، ولكنه يتطلع اليوم إلى ما وراء الجوانب التقليدية والوظيفية للعمل، والتركيز على بيئة عمل تولي مزيداً من الاهتمام بالسمات الفردية. وبناء على دراسة ’أفضل جهات التوظيف‘ التي أجرتها ’ايون‘ في المنطقة، تسخّر نخبة شركات التوظيف في الشرق الأوسط الوقت والمال لتوفير العناصر الرئيسية ذات القيمة التي تعزز تجربة الموظفين. وقد يتضمن ذلك عناصر معنية بتعزيز وضوح الآفاق المستقبلية لكل من الأفراد والمؤسسة، وإيجاد توازن صحّي بين العمل والحياة، واغتنام الفرص الكفيلة بتحقيق قيمة أوسع، وذلك من خلال مبادرات المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات على سبيل المثال لا الحصر.
كيف ستبدو السنوات العشر المقبلة؟
بالرغم من الشكوك التي تكتنف المستقبل، ما زال بإمكاننا رؤية بعض التوجهات الواضحة التي يتعذّر الرجوع عنها، والتي من شأنها صياغة ملامح العمل في المستقبل:
- ستتغير المهارات الرئيسية مع توجّه المؤسسات نحو توظيف الأشخاص بناء على قدرتهم على إدارة المعلومات ومشاركة المعرفة والعمل مع الآخرين في سياق رقمي. وبالفعل، تُجري بعض المؤسسات في المنطقة تقييماً لمدى ’الاستعداد الرقمي‘ لضمان جهوزيتها المستقبلية. وبحسب إحدى الدراسات الحديثة التي أجرتها ’ايون‘، تمثل القدرة على التعلم والمرونة والفضول ثلاث كفاءات رئيسية بالغة الأهمية.
- سيتواصل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بدلاً من إجراء المعاملات الخدمية والمهمات اليدوية، حيث تتكرر العمليات في الوقت الحالي مع وجود هامش للخطأ. وستهيمن الروبوتات على مجالات لن نحتاج فيها إلى تكريس وقتنا، مما يفتح الباب أمام فرص عمل جديدة لم تكن متاحة من قبل.
- تنامي اقتصاد الأعمال الحرة والمؤقتة بما يعكس ازدياد عدد الموظفين غير المتفرّغين، مثل العمال المؤقتين والعاملين المستقلين. ويبدو ذلك واضحاً مع إطلاق موقع ’مهاراتي‘، السوق الإلكترونية الجديدة التي تسعى للربط بين الشركات والعاملين المستقلين من ذوي المهارات الرقمية العالية. وفي هذا السياق، أُصدرت تأشيرة الدخول الإماراتية الجديدة لمدة عشر سنوات بهدف استقطاب الوافدين من ذوي المهارات العالية، مثل رواد أعمال المشاريع التكنولوجية والعلماء والمتخصصين، والتي تتيح لهم الدخول والإقامة دون الحاجة إلى ارتباطهم بالضرورة مع جهة توظيف محددة في الدولة.
- تزداد قوة البيانات والتحليلات بشكل أكبر، مما سيتيح لجهات التوظيف القدرة على توقع مستويات أداء الموظفين ومشاركتهم؛ قبل البدء بالعمل وأثناءه. وستعتمد المؤسسات ذات الرؤية التقدمية على استخدامها الحالي للأدوات، مثل استقصاءات مشاركة الموظفين، والتقييمات النفسية التي تساعد على توقع الأداء المستقبلي.
- قيادة الأقران ستصبح عرفاً سائداً، حيث ستتمتع الأدوار في المشاريع مستقبلاً بقابلية التبادل، مع تعزيز قوة العمل بعدد أكبر من العمال من أفراد جيل ما بعد الألفية. ولقد بدأنا نشهد بالفعل ’إرشاداً عكسياً‘ في بعض المؤسسات، حيث يدعم جيل الشباب كبار القادة ويوجهونهم لاكتساب مهارات جديدة.
ومن الواضح أن هذه التوجهات ستسهم في إحداث تغيير جذري في أسلوب عمل الموظفين خلال السنوات العشرة المقبلة، مما سيؤدي إلى تغيير كبير ومماثل في أسلوب عمل الموارد البشرية. ويعتبر التغيير شيئاً إيجابياً في معظم الأحيان؛ ولا بد أن يسهم استيعاب هذه التحديات الجديدة في منح معتمديها من الشركات ومتخصصي الموارد البشرية مكانة أفضل لجني الثمار ضمن القطاع الذي يشهد تغييرات متسارعة.