القاهرة: حنان سليمان
قد تكون هذه المبادرة هي الأولى أدبيا وعربيا التي تستهدف صناعة الأديب ومشاركته رحلته بدءا من الفكرة والإلهام إلى النشر والتوزيع.
في عام 2016، واجهت كاتبة مصرية شابة صعوبات في إصدار أولى رواياتها؛ فلم تجد المساعدة التي كانت تحتاجها ككاتبة حديثة عهد بالمجال لا تزال تشق طريقها لتصدر أول عمل أدبي. لم تجد هدى أنور ناشرا أو مطبعة لطباعة روايتها بسهولة. تقول: “الكتاب الشباب لا يجدون من يدعمهم. المتاح فقط هو ورش كتابة يتعلم المشاركون فيها تقنيات الكتابة”.
لا ترى هدى أن أحدا قادر على تعليم أحد الكتابة فهي موهبة، لكن العقبة هي ما تسميه بالسُدة الكتابية أو التحديات النفسية وهي تعرقل الموهوبين أو تجعلهم غير قادرين على التعبير عن أنفسهم أو يعتبرون الكتابة هواية ولا يعطونها حقها لظروف العمل أو مسئوليات البيت أو الشعور بالخجل من الخروج بالكتابة الشخصية إلى الناس أو غيرها من العقبات.
تذكر هدى حضورها لإحدى ورش الكتابة التي كانت تشكو فيها إحدى المشاركات من أنها لا تستطيع الإقدام على الكتابة. أخذت الفتاة تكرر هذه الجملة مرارا طوال الورشة المخصصة لتقنيات الكتابة وبالتالي لم تستفد فعليا من الورشة. تقول هدى: “يجب أن نفك القيود أولا التي تعيق الكتابة ثم نعطي التقنيات”.
من هنا، قررت هدى إطلاق المعتكف الكتابي في مطلع 2017 والذي يختلف عن الورش الكتابية المعتادة في الشكل والمحتوى؛ فمن ناحية الشكل، يتيح المعتكف لأعضائه فرصة الانفصال عن الحياة الروتينية لمدة ثلاثة أيام ينفتحون فيها على عالم آخر ليكتشفون شغفهم الحقيقي ويصقلون موهبتهم التي عفا عليها الزمن. أما من ناحية المحتوى، فلا يركز المعتكف على مهارات الكتابة بقدر ما يركز على تحدياتها المختلفة والسُدة الكتابية التي يواجهها كل كاتب لكي يفكها ويبدأ الانطلاقة الحقيقية.
اكتشاف الشغف
عاشت هدى نفسها هذه السُدة الكتابية على مدار 16 عاما انشغلت فيها بالعمل، وذلك بعد أن كانت تكتب في فترة دراستها الجامعية قصصا قصيرة حصلت بها على بعض الجوائز، فالكتابة على أية حال لا تضمن دخلا جيدا لصاحبها يكفي احتياجاته المعيشية.
لكن منذ سنتين تقريبا، شاركت في ورشة عن كيفية اكتشاف الشغف الداخلي وتحويله لعمل مربح فعادت بها للكتابة مجددا لتستقيل من عملها التقليدي وتعكف على الكتابة الأدبية ودعم الكتاب الشباب ليصبح هذا عملها الجديد.
تتابع هدى: “شغفي هو الكتابة ومساعدة الناس والمعتكف الكتابي هو ثمرة هذا الشغف فقررت دعم الكتاب في محاولة لإثراء الحياة الأدبية وصناعة جيل من الأدباء لا يهتمون فقط بأمور النشر ورؤية أسمائهم في السوق لكن يهتمون أيضا بتطوير مهاراتهم الكتابية وتطوير الأدب نفسه ليس في مصر فقط بل أيضا في العالم العربي”.
ذهبت هدى في رحلة إلى مدينة كاترين في سيناء وهناك ولدت فكرة روايتها الأولى “صوفي”. تقول: “وقتها عرفت أن خروج الشخص من الواقع الروتيني إلى مكان مختلف روحاني أقرب للطبيعة هو أمر ملهم. هذا الجو قادر على إزالة عوائق أو معتقدات محددة للإطار الذي يضعه لنفسه ويعيش فيه”.
يبتعد المعتكف بأعضائه ثلاثة أيام في مكان طبيعي غير مصطنع وبدائي متاح فيه المرافق. ويشترط بالمكان ألا يتمتع بالرفاهية. بعد انتهاء الأيام الثلاثة، تجتمع أسرة المعتكف في لقاءات دورية برسوم رمزية هدفها المتابعة لكتاباتهم واستمرار التعلم.
المعيار الأهم للقبول بالمعتكف هو الشغف لأنه يعني وجود الموهبة والاستعداد، كما تقول هدى، أما القدرة الأدبية فهي قابلة للتطوير بالوقت والمجهود، لكن الشغف لا يمكن خلقه. تشير دى إلى أهمية وجود المرونة الكافية لقبول التعديلات لأن الكتابة رحلة تعلم.
على صعيد المنافسة، هناك جهات التي تقدم بعض الدعم الذي يقدمه المعتكف لكن لا يوجد كيان أو نموذج يدعم رحلة الكتابة كاملة منذ الفكرة والإلهام إلى النشر والتوزيع. تقول هدى: “الاتجاه كله إلى ورش الكتابة لأنها أسهل وأرخص وبدون إقامة حتى المعتكفات الكتابية writing retreat التي تقام في الخارج تقتصر على من بدأ عمله الأدبي بالفعل لكن لا أحد يهتم بالرحلة كلها”.
نموذج العمل
في بداية 2018، استحدثت هدى فكرة “نادي السبعة” Club7 داخل أسرة المعتكف ومدته ستة أشهر باشتراك خاص لمتابعة مكثفة ودعم أدبي ونفسي وتعليم لتقنيات خاصة ومتابعة النشر لأعضاء النادي حتى إصدار رواياتهم الخاصة. تقول هدى: “لدينا دورتي نشر في السنة الأولى في عيد الفطر والثانية في معرض القاهرة للكتاب نأخذ في النادي مجموعة لكل منهما تضم بين 14-16 شخصا بحيث يصدروا أعمالهم في الموسمين”. تقوم هدى ومعها محمود فريد، أول كاتب روائي بالمعتكف صدرت روايته الصيف الماضي، بالإشراف على مجموعتي “نادي السبعة”. تتابع هدى: “الهدف أن يخوض أعضاء النادي الرحلة الأدبية كاملة حتى صدور رواياتهم ثم يصبحوا قادرين على قيادة المجموعات التالية في رحلتها وهكذا يوّلد النادي المزيد من الكتاب الروائيين القياديين”.
دخل المعتكف الكتابي في شراكات مع دور نشر ومع جهات معنية بتنمية المهارات اللغوية، كما يعمل على تنشيط فكرة تحويل أعمال روائية لأعمال درامية.
وشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انتهى فبراير/شباط الجاري تواجدا للمعتكف الكتابي بست إصدارات أقيمت لهم حفلات توقيع ومناقشة تتصدرهم مجموعة “المربوعة” القصصية التي ضمت 33 كاتبا وكاتبة من أبناء المعتكف، ثلاث روايات ومجموعتين قصصيتين أخريين، وكلهم تم نشرهم عبر المعتكف وشراكاته مع دور النشر.
وبعد خمسة معتكفات كتابية في مصر أقيمت على مدار عام كامل، تستعد هدى لإطلاقه عربيا في 2018 بداية من الأردن. وتعلق: “هناك أقلام عربية جيدة جدا وأبدى البعض رغبة في تواجدنا هناك. نتمنى تصدير منتجا فكريا مصنوعا في مصر”. وتأمل في الذهاب إلى لبنان وتونس والمغرب كذلك.
ومن المنتظر أن يقام معتكف كتابي للأطفال بالتعاون مع إحدى المدارس الدولية في مصر لإثراء القراءة وتنمية القدرة على التعبير باللغة العربية لإصقال مهاراتهم اللغوية التي يفتقدونها في المدرسة.
أما عن التحديات التي تواجه المعتكف الكتابي، تقول مؤسسته إن الأماكن المناسبة للمعتكف قليلة وباهظة الثمن بما يؤدي لارتفاع رسوم الاشتراك بالمعتكف بحسب المكان الذي أحيانا يكون قريبا من القاهرة أو في سيناء أو في غيرها من المدن المصرية، وبالتالي لا يستطيع الكثيرون المشاركة.
تتمنى هدى لو يجد المعتكف دعما من جهات في الدولة أو مستثمرين مهتمين بالثقافة والأدب أو مؤسسات أدبية لتخفيف العبء عن الكتاب الشباب ومساعدتهم في رحلتهم الأدبية. لهذا السبب ومع نمو المعتكف، تنوي هدى تحويله لكيان مؤسسي وإشهار مؤسسة للتنوير الثقافي وتنمية المجتمع خلال العام الجاري والاستفادة من الدعم المقدم عبر برامج المسئولية الاجتماعية للشركات.