ميلاد منشيبور، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إير – AIR
بفضل توظيف أحدث التقنيات، أستعد لإطلاق AIR (AI Realtor) Properties، شركة الوساطة العقارية الإماراتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى إحداث تحول جذري في قطاع العقارات بالمنطقة عبر اعتماد رحلات رقمية ذكية تغطي جميع مراحل العملية العقارية. وتعمل إير على إزالة العوائق التي كانت تعرقل حركة المبيعات في السابق، وتوفير مستوى أعلى من الشفافية، إلى جانب تعزيز الكفاءة لمزودي الخدمات.
وإلى جانب نموذج الأعمال المبتكر والعمليات القائمة على البيانات اللذين يشكلان أساس نجاح الشركة، برز عامل آخر بالغ الأهمية أسهم في بلورة هذه الفرصة، وهو الموقع. فعلى الرغم من أن هذا الجانب نادراً ما يُناقش، إلا أن بيئة الأعمال في الشرق الأوسط، ولا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، تمثل ميزة استراتيجية جوهرية لمشروعات الذكاء الاصطناعي.
أربعة عناصر أساسية للابتكار والتحول
لكي يحقق قطاع الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة أقصى تأثير محلي وعالمي، فإنه يحتاج إلى أربعة عناصر رئيسية:
- بيئة تنظيمية داعمة.
- الوصول إلى المواهب.
- الوصول إلى التمويل.
- قاعدة مستهلكين كافية.
بيئة تنظيمية مرنة ومتقدمة
تُعد دولة الإمارات من أبرز الوجهات العالمية احتضاناً للأعمال القائمة على الذكاء الاصطناعي بفضل بيئتها التنظيمية المتطورة. وتهدف الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 إلى رفع مساهمة هذا القطاع ليشكل نحو 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وما يميز التجربة الإماراتية أن الجهات التنظيمية منفتحة دائماً على الحوار والتطوير المستمر، وهو ما ظهر جلياً مؤخراً في مجالات مثل الأصول الرقمية المشفّرة وترميز العقارات، حيث لعبت هذه الجهات دوراً محورياً في تمهيد الطريق للنمو والتبني الواسع.
استناداً إلى خبرتي، أستطيع التأكيد أن الإمارات تفوقت على العديد من أسواق الشرق الأوسط وآسيا بفضل ثلاث ركائز أساسية:
- تحرير الأسواق: العمل على إزالة القيود التنظيمية وتهيئة بيئة مرنة وتنافسية تعزز ازدهار الشركات الريادية والمبتكرة.
- إتاحة البيانات: توفير البيانات العقارية بشكل شفاف ومتاح للجميع، بما يتيح للشركات تطوير خدمات قائمة على أسس واقعية مدعومة بالبيانات.
- الأتمتة الشاملة: تطبيق منظومة رقمية متكاملة تغطي جميع مراحل الوساطة العقارية، من البحث وحتى نقل الملكية، وهو إنجاز لم تصل إليه حتى بعض الدول الأكثر تقدماً.
استقطاب المواهب العالمية
تُعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة وجهة رائدة لاستقطاب المواهب العالمية، مدعومة بأنظمتها المتقدمة وجودة الحياة التي توفرها. وينطبق ذلك بشكل خاص على قطاع الذكاء الاصطناعي، الذي يستفيد من القرب الجغرافي لأسواق محورية مثل تركيا وإيران، المصنّفة ضمن أبرز عشر دول عالمياً في تطوير كوادر الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى السوق الهندية التي تمتلك حضور واسع داخل الدولة. ومع ما توفره الإمارات من رواتب تنافسية وفرص مهنية واعدة، تترسخ مكانتها كمركز عالمي رئيسي لجذب الكفاءات في مجال الذكاء الاصطناعي.
التمويل: وفرة رأس المال مع حاجة للخبرة
تتمتع الإمارات بوفرة في السيولة النقدية وبيئة متقدمة لرأس المال الجريء، ما يجعلها بيئة مثالية لنمو الأعمال في القطاعات المبتكرة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. غير أن خبرة المستثمرين المحليين في هذا المجال ما زالت محدودة نسبياً، الأمر الذي قد يخلق قدراً من التردد في ضخ الاستثمارات.
وهنا تبرز أهمية الدور الحكومي في تقديم حوافز للمستثمرين ودعم شراكاتهم مع الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تسريع وتيرة النمو وتعزيز خبرة السوق في قطاع الذكاء الاصطناعي الواعد.
توسيع قاعدة المستهلكين
رغم أن عدد سكان دولة الإمارات الذي يتجاوز قليلاً عشرة ملايين نسمة قد يبدو محدوداً مقارنة بالأسواق الكبرى عالمياً، إلا أن هذا العامل لا يشكّل عائقاً أمام التوسع والنمو. فعلى الوهلة الأولى، قد يُنظر إلى حجم قاعدة المستهلكين المحلية على أنه أحد التحديات التي تحدّ من جاذبية الدولة لشركات الذكاء الاصطناعي. غير أن الواقع العملي يثبت عكس ذلك تماماً، إذ تتمتع الإمارات بموقع استراتيجي يمكّنها من خدمة أسواق واسعة تمتد عبر المنطقة بأسرها.
ويبرز مثال شركة تاكسي كريم خير دليل على ذلك، حيث انطلقت من دبي لتتوسع بسرعة وتعمل في عشر دول من بينها السعودية ومصر وباكستان. ويُظهر هذا التوسع أن الشركات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، بما في ذلك تلك العاملة في القطاعات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل العقارات، قادرة على اختراق أسواق جديدة وتوسيع حضورها الإقليمي بسهولة نسبية. ولذلك، فإن التفكير منذ البداية بعقلية إقليمية قابلة للتوسع يُعدّ شرطاً أساسياً لنجاح الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. فتصميم المنتجات والخدمات بحيث تراعي احتياجات كلٍّ من السوق المحلي والأسواق الإقليمية المحيطة يضمن استدامة النمو، ويحوّل ما قد يبدو عائقاً سكانياً إلى ميزة استراتيجية تعزز القدرة التنافسية على المدى الطويل.
أخذ زمام المبادرة هي السر
توفّر دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل بيئة استثنائية وميزة تنافسية واضحة لشركات الذكاء الاصطناعي، ومع بعض التحسينات المستهدفة يمكن تعزيز هذه الميزة لتصبح أكثر قوة. غير أن الاعتماد فقط على البيئة المحيطة لا يكفي للمؤسسين لضمان النجاح، فالمسؤولية تبقى دائماً على عاتقهم لاتخاذ المبادرات والتحرك بجرأة.
ويعني ذلك الانخراط المبكر مع الجهات التنظيمية للمشاركة في صياغة الأطر المناسبة، بدلاً من انتظار نشوء نظام بيئي مثالي. كما يتطلّب الأمر تثقيف المستثمرين عبر تبسيط مفاهيم الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى مؤشرات أعمال واضحة مدعومة بأدلة واقعية وإظهار التقدّم المبكر. وعلى صعيد المواهب، يظل بناء استراتيجية توظيف عالمية أولوية لاستقطاب أفضل الكفاءات، بينما يعتمد النجاح طويل الأمد على تصميم المنتجات منذ البداية بعقلية إقليمية قابلة للتوسع.
فالطريقة الأكثر فاعلية لتحويل شركات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى روّاد عالميين تكمن في الاعتراف بهذه الميزة الإقليمية الفريدة والتصرف على أساسها. وكما يقال: الأفعال أبلغ من الأقوال، ومن خلال خطوات جريئة اليوم يمكننا إطلاق العنان لهذه الفرصة، وخلق إرث مستدام من الابتكار والريادة العالمية، وتعزيز المشهد الاستثماري والاقتصادي في آن واحد.

