بقلم كوروش منصوري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة منصوري
تواصل الميزات والخصائص العالمية لمشهد التصميم بالتداخل والتناغم، ومعها يتلاشى الخط الفاصل بين المنتجات المبتكرة واستخداماتها على أرض الواقع. يتجلى هذا بوضوح في عالم تصميم السيارات والهندسة المعمارية حيث يتقاطع المجالان لإعادة تشكيل فلسفة التصميم في اتجاه يترك تأثيره القوي على الاستثمارات العقارية، لا سيما في قطاع المساكن الفاخرة.
ومع انتشار المساكن ذات العلامات التجارية عالمياً، وقيادة السيارات الفارهة لموجة قوية من التطوير عبر قطاعات متعددة، من المتوقع أن تُشكل العلامات التجارية غير الفندقية 20% من المساكن ذات العلامات التجارية بحلول عام 2030، وفقاً لمخرجات تقرير سافيلز، مع نمو المشاريع العقارية التي تحمل أسماء العلامات التجارية للسيارات بنسبة 25-30% سنوياً. في الشرق الأوسط، تبرز دبي كقوة رئيسية في قطاع العقارات السكنية الفاخرة، حيث حققت مبيعات قياسية للعقارات التي تزيد قيمتها عن 10 ملايين دولار أمريكي، مع 435 تصرّف عقاري فاخر في عام 2024 وحده.
من الطرق إلى المساكن
يجمع تصميم السيارات والتصميم المعماري قيماً أساسية تتمحور حول الحرفية والدقة والالتزام الراسخ بالتميز، حيث يتطلب كلا المجالين أداءً عالياً من الجهتين الميكانيكية والعملية، ويقدّر كلاهما الابتكار في الهيكل والشكل واستخدام المواد.
تعود أصول هذا التقارب إلى صميم كل خطوة – من الجلد الذي تتم حياكته يدوياً لتنجيد مقصورة السيارة الفارهة إلى التفاصيل الداخلية المُصممة خصيصاً لبرج فاخر، تتمحور التجربة حول الدقة والتخصيص. في كلا المجالين، لا يكمن التميز في تواتر الإنتاج وكثرته، بل في التصميم المخصص الذي يعكس هوية المستخدم وشخصيته.
تصاميم وهندسة معمارية تتمحور حول الأداء
يشكّل التصميم المُتحور حول السرعة والتحكم والانسيابية ملامح السيارات الفاخرة. والآن، تُعاد صياغة هذه الميزات في مشهد في الهندسة المعمارية الراقية حيث تحاكي الواجهات الأنيقة والأقواس والكتل المنحوتة الميزات الانسيابية للسيارات الراقية، مُقدّمةً جماليات ديناميكية وكفاءة مُحسّنة واستجابة متطوّرة للبيئة.
ومن الناحية المكانية، يُؤثّر تصميم “مقصورة القيادة”، الذي كان حكراً على التصميمات الداخلية للسيارات، على التصميمات التي تُركّز على المستخدم في المباني السكنية والتجارية. تُركّز هذه التصاميم على السلاسة، الراحة وتكامل العناصر التكنولوجية لإنشاء بيئات أكثر ذكاءً واستجابة. وفي الوقت نفسه، يُعزّز الاهتمام بالمواد وتبيانها، وتفاصيل الأسطح الغامرة، من جاذبية الهندسة المعمارية، وهو عنصر مستَّمد مباشرةً من البيئات الغامرة في عالم السيارات.
تدعم دبي، حيث يستمر الطلب على التصاميم المعبّرة التي تتميز بالأداء القوي، هذه اللغة المعمارية في إطار سعيها لتصبح أكبر سوق للمساكن الفاخرة في العالم بحلول عام 2025.
المواد المبتكرة
تكتسب التقنيات المادية المعتمدة في عالم السيارات مكانتها بسرعة في قطاع البناء الحديث. كما تُطبّق تقنيات صقل المعادن والتنجيد الفاخر على المطابخ والصالات والردهات.
تضفي هذه المواد لمسة تقنية متطورة على التصميمات الداخلية، مع توفير مزايا عملية مثل الديمومة والثبات والتأثير البصري وتقليل الحمل الهيكلي، مما يفتح آفاقاً جديدةً في عالم التصميم الفاخر، سواءً للمطورين أو المستثمرين، دون المساس بالكفاءة أو قابلية التطوير.
التخصيص كمحرك استثماري
تجاوز التخصيص تفضيلات الرفاهية ليصبح ميزة يتوقعها المستثمرون من السوق. في السيارات الفاخرة، يتجلى هذا في كل عنصر، بدءً من تطوير المحرّكات إلى التصميمات الداخلية المصنوعة يدوياً. أما في العقارات، فيتجلى ذلك في مخططات الأرضيات القابلة للتخصيص، وألوان الديكورات الداخلية المصممة حسب الطلب، والخدمات المصممة خصيصاً لتلبية الأذواق وأنماط الحياة المختلفة.
في سوق العقارات التنافسي اليوم، تحظى هذه البيئات المصممة خصيصاً بمكانة مميزة. ومع تزايد بحث الأفراد ذوي الثروات الضخمة عن تجارب معيشية فريدة، لم يعد التخصيص مجرد استراتيجية تصميم، بل عاملاً اقتصادياً مميِّزاً، لا سيما في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث يتزايد نشاط المستثمرين العالميين المتميزين من أوروبا والولايات المتحدة وآسيا.
الارتقاء بنطاق الفخامة دون المساومة على معايير الجودة
لا يزال الحفاظ على الحصرية على نطاق واسع أحد أكبر التحديات في مجال تطوير العقارات الفاخرة. ومع ذلك، يُقدم عالم السيارات رؤىً قيّمة في هذا الصدد. يُجري حالياً تكييف نموذج التصنيع، حيث تُصنّع فرق متخصصة كل عنصر يدوياً للارتقاء بالتصميم مما يُتيح مراقبة الجودة بصورة أفضل والتعاون الأوثق مع العملاء في جميع المراحل.
وعليه، يجب على المطورين الذين يسعون إلى تلبية التوقعات المتطورة اعتماد ممارسات تصميم وبناء مرنة تُحافظ على المعايير الحرفية دون المساس بمواعيد التسليم أو الكفاءة التشغيلية، مما يُحافظ على القيمة السوقية للعقار ويُعزز مكانته التنافسية.
إمكانيات المستقبل
هناك ثقافة مشتركة تنير الطريق لتسهيل الانتقال من التميز في مجال السيارات إلى التميز المعماري. تُشجع التأثيرات الإبداعية، التي تتراوح من الأزياء الراقية وصناعة الساعات السويسرية إلى الفن التجريبي وتصميم المنتجات، على استخدام المواد الجريئة والجماليات التي تتجاوز الحدود.
نتيجة لذلك، نقف على أعتاب حقبة جديدة من التصاميم تُحاكي فيها الأبراج السكنية سرعة ومرونة وأناقة السيارات الفاخرة، وتُصبح فيها المباني نفسها معالم مميزة. يُثري هذا التداخل كلا المجالين، مُعززاً الابتكار ومستجيباً للرغبة العالمية في تجارب معيشة غامرة تحمل بصمة العلامات التجارية.
التعاون بين القطاعات
تطور التآزر بين تصميم السيارات والهندسة المعمارية من مجرد توجه إلى فرصة استراتيجية. من الأمثلة على ذلك مشروع “منصوري ريزيدنسيز دبي”، الذي تم الإعلان عنه مؤخّراً، والذي طُوّر بالتعاون مع شركة “آمال”. يُجسّد هذا المشروع روح التصميم، مُقدماً لمحة عن كيفية ستتطوّر المعيشة المرتبطة بعلامة تجارية مع استمرار تقاطع مشهد العقارات الفاخرة مع الابتكارات المتطورة.
يوفر هذا التعاون لمطوري العقارات فرصة استثنائية لتقديم مساحات سكنية تتوافق مع مفهوم الفخامة الحديث وتعتمد على الأداء، الفردية والحرفية الراقية للجيل القادم.