خلال السنوات الأخيرة، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً في قطاع الرعاية الصحية العالمي، ويعود الفضل في ذلك إلى السياسات الحكومية القوية والاستثمارات الاستراتيجية. وعلى ضوء تقدير حجم سوق الرعاية الصحية في الدولة بنحو 1.83 مليار دولار أمريكي في العام 2022، والمتوقع أن يتضاعف تقريباً ليصل إلى 3.59 مليار دولار بحلول العام 2030، تواصل الإمارات ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في الابتكار الطبي ورعاية المرضى. ويأتي هذا النمو السريع مدعوماً بالعديد من المبادرات الوطنية، ومن أبرزها “الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031″، التي تهدف إلى تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والارتقاء بجودتها والابتكارات.
ويكمن في هذا النظام الصحي العالمي منظومة لوجستية وسلسلة إمدادات متقدمة. كحركة الشحنات الحيوية الدقيقة والموثوقة، والأدوية والمعدات التشخيصية والعينات البيولوجية، مسألة بالغة الأهمية. وفي ظل ازدياد تعقيد احتياجات الرعاية الصحية، بات من الضروري أن تتطور القدرات اللوجستية لتصبح أذكى وأكثر مرونةً واعتماداً على البيانات.
مواجهة تحديات سلاسل الإمداد
بفضل موقعها الاستراتيجي بين افريقيا وأوروبا وآسيا، تتمتع دولة الإمارات بمكانة فريدة كمركز حيوي للخدمات اللوجستية في قطاع الرعاية الصحية. وفي إطار حرصها على مواكبة الطلب المتزايد، وتخفيف اختناقات سلاسل الإمداد، تواصل الجهات المقدمة للخدمات اللوجستية ضخّ الاستثمارات في البنية التحتية المتطورة، وحلول سلاسل التبريد، وتقنيات التتبع المتقدمة.
وتتطلب الشحنات الطبية الحساسة لدرجات الحرارة، مثل المنتجات البيولوجية، مراقبة لحظية مستمرة لضمان عدم تعرضها للتلف أو التأخير. وفي حال عدم توافر مثل هذه الظروف، قد تتعرض المستشفيات والعيادات لمخاطر تشغيلية، من شأنها أن تُؤثّر على جودة الرعاية الصحية المقدمة. وللتغلب على هذه التحديات، ينبغي أن يتم الجمع بين الخبرة اللوجستية والابتكار الرقمي، من أجل الوصول إلى مستوى الكفاءة المثلى في سلاسل الإمداد.
حلول لوجستية ذكية لقطاع رعاية صحية متطور
مع تزايد الطلب على المنتجات الطبية الحساسة لدرجات الحرارة، يسعى مقدمو الخدمات اللوجستية إلى تقديم حلول مبتكرة، لضمان نقل الشحنات عالية القيمة بطرق آمنة وموثوقة. ويكتسب هذا الجانب أهمية متزايدة في ظل استحواذ دولة الإمارات على مكانة رائدة في مجال السياحة العلاجية، حيث تجاوزت نفقات الرعاية الصحية للسياح الدوليين 281.6 مليون دولار أمريكي في العام 2023.
وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يصل حجم سوق سلاسل التبريد اللوجستية في دولة الإمارات إلى 1.15 مليار دولار بحلول العام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.29% خلال الفترة ما بين 2025 و2030. وفي هذا السياق، يقوم مقدمو الخدمات اللوجستية بتوسيع قدراتهم لمواكبة هذا النمو. وفي فيديكس، يضم مركزنا الإقليمي في دبي ورلد سنترال منشأة تخزين مُبرّدة تبلغ مساحتها 170 متراً مربعاً مخصصة للأدوية والعينات البيولوجية. وتُعد هذه البيئات الخاضعة للتحكم الحراري ضرورية للحفاظ على جودة وفعالية الشحنات الطبية الحساسة من المصدر وحتى الوجهة النهائية. كما تُعد خيارات التعبئة المخصصة للتحكم بدرجة الحرارة، بما في ذلك التعبئة عميقة التجميد (-195 درجة مئوية)، والشحن البارد (8 درجات مئوية)، والحاويات المعزولة (25 درجة مئوية)، ضرورية لضمان سلامة الشحنات، بالتكامل مع المركبات والحاويات والمنشآت المصممة خصيصاً للحفاظ على إمدادات الرعاية الصحية خلال الرحلة بأكملها.
وتلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تعزيز الخدمات اللوجستية لقطاع الرعاية الصحية. ومن ذلك على سبيل المثال، تستخدم حلول فيديكس، ومنها خدمة ” فيديكس سينس أوير” تقنيات أتمتة الأشياء والذكاء الاصطناعي القائم على المستشعرات، لتوفير بيانات شبه فورية حول درجة الحرارة والموقع والظروف الحيوية الأخرى، مما يُسهم في حماية سلامة الشحنات الطبية عالية القيمة والحساسة.
ويعتمد النظام الجديد “فيديكس سيراوند” على التحليلات التنبؤية لتوفير بيانات شبه فورية وتنبيهات استباقية عن أي تأخير محتمل، الأمر الذي يساعد جهات تقديم الرعاية الصحية على اتخاذ القرارات المستندة إلى المعلومات الدقيقة بشأن شحناتهم.
قطاع لوجستي صحي يُواكب المستقبل
بالتوازي مع تسارع مسيرة الإمارات نحو ريادة الابتكار في قطاع الرعاية الصحية عالمياً، يكون لزاماً على مقدمي الخدمات اللوجستية الحفاظ على التفوق في المنافسة، ويمكن تحقيق ذلك بالاعتماد على الحلول الاستباقية لمواجهة التحديات، وتمكين تقديم الرعاية الصحية عبر الحدود بسلاسة.
لقد أصبحت الحلول اللوجستية الذكية ركيزة استراتيجية للنمو والمرونة وتحسين النتائج الصحية. ويوجد وراء كل عملية رعاية صحية ناجحة، شبكة لوجستية مصممة للعمل بكفاءة تحت الضغط، وبدقة وموثوقية واهتمام. وتحرز الخدمات اللوجستية في دولة الإمارات التطور المستمر من كونها مجرد داعم للرعاية الصحية إلى أن تصبح محركاً رئيسياً لتعزيز الابتكار في هذا القطاع.
بقلم: طارق هندي، نائب رئيس عمليات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في فيديكس