دبي – خاص
يشهد عالم الأعمال تحولاً جذرياً في سُبل تحقيق النمو القابل للتوسع، في ظل تراجع فعالية الأساليب التقليدية للتسويق عبر القنوات، واعتماد استراتيجيات ثابتة ذات نتائج غير مضمونة. وفي هذا السياق المتغير، أصبح الذكاء الاصطناعي قوة دافعة تُمكّن الشركات من تجاوز حدود الكفاءة التقليدية، وتحقيق رؤى قابلة للتنفيذ، وبلوغ مستويات غير مسبوقة من التخصيص الفائق.
تُدرك الشركات في الشرق الأوسط هذه الإمكانات جيداً؛ إذ يرى 98% من قادة تكنولوجيا المعلومات في دولة الإمارات العربية المتحدة أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بات ضرورة حتمية للحفاظ على الريادة في سوق تتسارع فيه المتغيرات.
في عصر الثورة الرقمية المتسارعة، تغيّر الذكاء الاصطناعي من مجرد ميزة إضافية إلى أساس جوهري لطموحات التوسع لدى المؤسسات. ولم يعد التحوّل الرقمي مجرد خيار، بل أصبح ضرورة لإعادة رسم شكل الشراكات التقنية واستراتيجيات التسويق عبر القنوات.
كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل التسويق عبر القنوات؟
يتيح الذكاء الاصطناعي منهجيات ديناميكية قائمة على البيانات تعزز من كفاءة الأداء الشامل. تعتمد عليه المؤسسات حالياً للحصول على رؤى تنبؤية، وتبسيط العمليات المعقدة، وتخصيص أساليب التفاعل مع الشركاء.
من أبرز مجالات مساهمة الذكاء الاصطناعي: أتمتة المهام الروتينية. فالأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على تولّي مهام مثل إعداد التقارير، وجدولة الحملات البريدية، وتحديد الحسابات ذات الإمكانات العالية، ما يوفر وقتاً ثميناً للمسوقين يمكنهم استثماره في التخطيط الاستراتيجي، وبناء علاقات قوية داخل الفريق، وتحسين الإنتاجية العامة. ومع أن الأتمتة تتفوق في إدارة المهام المتكررة وتحليل البيانات، فإن التفاعل الإنساني يظل جوهرياً في مجالات التواصل وبناء العلاقات.
أما التحليلات التنبؤية، فتلعب دوراً حاسماً في دعم اتخاذ القرار. إذ تساعد في تحليل اتجاهات البيانات لاكتشاف الفرص الكامنة في مسار المبيعات، مثل تحديد الحملات التسويقية المشتركة التي تحقق أفضل عائد على الاستثمار، الأمر الذي يعزز من كفاءة تخصيص الموارد وتحسين الاستراتيجيات الترويجية المشتركة.
ومن النصائح الفعالة هنا: استخدام تحليلات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التكتيكات الأنجح، والتركيز على تنمية الحملات الناجحة، مع التخلي عن الاستراتيجيات التي لا تثمر عن نتائج ملموسة. فهذه المنهجية القائمة على البيانات تضمن أقصى استفادة من الموارد وتحقق فعالية تشغيلية أعلى.
يُسهّل الذكاء الاصطناعي أيضاً التوسع في حملات التسويق المشترك شديدة التخصيص. إذ يمكن استخدامه لإنشاء محتوى مخصص – مثل المقالات، وصفحات الهبوط، ونصوص الفيديو – يتماشى مع اهتمامات كل شريك على حدة. كما تُبسط أدوات الذكاء الاصطناعي عملية إنتاج الرسوم التوضيحية التقنية، ما يجعل الحملات أكثر جذباً وتأثيراً. وعبر تخصيص الرسائل والأدوات التسويقية بما يتناسب مع احتياجات كل شريك، تُبنى علاقات أوثق وتُطلق حملات أقوى، مع الحفاظ في الوقت ذاته على حضور متماسك للعلامة التجارية.
ميزة تنافسية لكسب الشركاء التقنيين
يتطلب النجاح في التسويق عبر القنوات ضمن قطاع التكنولوجيا دمجاً استراتيجياً لأدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تغيير جوهري في طريقة التفكير. فالذكاء الاصطناعي يمنح المؤسسات ميزة تنافسية من خلال تغيير أسلوبها في إنتاج المحتوى وتوزيعه وقياس أدائه. ومن الاستراتيجيات المجدية: التعاون مع الشركاء لإنشاء “عجلة محتوى” (Content Flywheel)، بحيث يُعاد تدوير المحتوى القيم بأشكال متعددة للحفاظ على التفاعل، وهو ما يمكن للذكاء الاصطناعي تسريعه عبر مراحل الإنشاء والتنفيذ والتحليل.
فعلى سبيل المثال، يمكن تحويل ورقة بحثية رئيسية إلى كتاب إلكتروني شامل، أو استقاء اقتباسات وإحصائيات منها لإنتاج منشورات قصيرة على منصة لينكد إن، أو إنشاء مقالات مدونة جذابة أو رسوم معلوماتية بصرية. ومن خلال هذه الاستراتيجية، تحافظ الشركات على تفاعل الشركاء وتعزز من فاعلية المحتوى ذاته.
اتخاذ قرارات مدروسة مدعومة بالبيانات
أحدثت حلول الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في قدرة الشركات على استخراج الرؤى من مجموعات بيانات ضخمة ومعقدة. إذ تُمكّن أدوات الذكاء الاصطناعي من تحقيق تناغم أفضل بين الفرق، وتحسين الحملات باستمرار، وتعظيم العائد على الاستثمار. ومن خلال تتبع أداء الشراكات التسويقية في الزمن الفعلي، يمكن تحديد الحملات الأكثر فاعلية، ما يساعد الفرق على تكرار النماذج الناجحة والتخلص من مصادر الهدر والقصور.
وللحفاظ على أفضل النتائج، لا بد من مراجعة الإجراءات وتحسينها بشكل مستمر. فالذكاء الاصطناعي ليس حلاً يُستخدم مرة واحدة وينتهي الأمر، بل يتطلب تقييماً دائماً لمعالجة أوجه القصور وتحقيق نتائج أفضل. وتساعد لوحات المعلومات (dashboards) المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تبادل الرؤى مع فرق التسويق والمبيعات، بما يعزز التنسيق ويضمن تنفيذ الاستراتيجيات بناءً على بيانات دقيقة. كما أن مشاركة هذه النتائج مع الشركاء تعزز الثقة من خلال الشفافية، وتسلط الضوء على فرص التحسين والنمو، مما يقود إلى شراكات أقوى ونجاحات مستدامة.
الاستشراف والتخطيط الاستباقي باستخدام الذكاء الاصطناعي
يُسهّل الذكاء الاصطناعي على الشركات اكتشاف فرص جديدة، والتنبؤ بالاتجاهات، ووضع استراتيجيات استباقية تعزز من روح التعاون والنمو التشاركي. وبفضل قدرته على تحليل البيانات والتنبؤ باحتياجات الشركاء، يستطيع المسوقون تطوير أساليب تعاونية تتماشى مع الأهداف المشتركة، ومراقبة مؤشرات الأداء لحظياً، وتخصيص التواصل مع كل شريك بما يعزز التفاعل والمردودية. إن تعزيز قيم الشفافية والثقة والكفاءة التشغيلية يثمر في نهاية المطاف عن علاقات أكثر متانة واستمرارية، تحقق نجاحاً طويل الأمد لجميع الأطراف المعنية.
لا يهدف الذكاء الاصطناعي إلى إحلال نفسه محل الخبرات البشرية، بل إلى تعزيزها وتكثيف أثرها. فمن خلال أتمتة المهام المتكررة – كتحليل البيانات – يوفر الذكاء الاصطناعي الوقت والموارد، مما يسمح للمسوقين بالتركيز على المشاريع الاستراتيجية والمبادرات الإبداعية. كما تتيح أدواته إنتاج محتوى متخصص عالي الجودة بسرعة فائقة، يلائم الجمهور المستهدف. والأهم من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي يعزز العلاقات عبر التفاعل الاستباقي، وتقديم رؤى في الزمن الفعلي، والتواصل المخصص، مما يفتح الباب أمام شراكات أكثر عمقاً وجدوى.
وباعتماد الذكاء الاصطناعي كمُمكّن أساسي، يصبح التسويق أكثر فاعلية وكفاءة وتأثيراً، ويضع المؤسسات على مسار النجاح المستدام في سوق يشهد تنافساً متزايداً يوماً بعد آخر.
أحمد طايح، مدير شؤون الشركاء في الشرق الأوسط وتركيا بشركة كلاوديرا