دبي – خاص
جاكوب فالكنكرون، رئيس استراتيجيات الاستثمار العالمي في ساكسو بنك
لا مجال للراحة في هذه المرحلة – فالأسواق لا تزال مضطربة، والغموض يخيم على المشهد، وقد توفّر نتائج الربع الأول (نأمل ذلك) الوضوح الذي يتوق إليه المستثمرون بشدة.
فقد تسببت الزيادات التاريخية في الرسوم الجمركية التي أعلن عنها دونالد ترامب – والتي تُعد الأعلى منذ أكثر من قرن – في هبوط حاد في الأسواق المالية، لتفقد تريليونات الدولارات في غضون أيام قليلة فقط من إعلان الثاني من أبريل. غير أن ترامب فاجأ الأسواق في التاسع من أبريل بإعلانه تعليقاً لمدة 90 يوماً على الرسوم الإضافية للدول المنفتحة على التفاوض، في الوقت الذي رفع فيه الرسوم على الصين بشكل كبير إلى نسبة صادمة بلغت 125%. وقد أشعل هذا الخبر موجة صعود استثنائية، إذ قفز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 9.5%، وارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 12%، ليسجلا أفضل أداء يومي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ورغم هذا الارتياح المؤقت، لا تزال الضبابية حاضرة. إذ إن تراجع ترامب كان جزئياً، ولم يشمل الصين، مما يبقي المخاوف قائمة من تجدد التصعيد التجاري بمجرد انتهاء فترة التعليق.
لذلك، من المتوقع أن يخضع موسم الأرباح الحالي لمتابعة دقيقة، مع إعلان الشركات عن نتائج الربع الأول في ظل ظروف اقتصادية تتسم بالتقلب الشديد. وكما جرت العادة، فإن التركيز لا ينصبّ على الأرقام الماضية بقدر ما ينصبّ على رؤية الإدارات التنفيذية للمستقبل.
لماذا يُعد هذا الموسم مفصلياً؟
استهلت وول ستريت عام 2025 بأجواء من التفاؤل، حيث توقعت الأسواق نمواً في أرباح الشركات بنسبة تقارب 11% خلال الربع الأول مقارنة بالعام السابق. غير أن الواقع لم يلبث أن خفّض هذه التطلعات. فبحسب بيانات “بلومبرغ”، تم تعديل التقديرات التوافقية للأسواق بشكل حاد إلى 6% فقط – وهو انخفاض يفوق بكثير متوسط التعديلات الهبوطية المعتادة.
ولا يُعد هذا التعديل مجرّد تصحيح تقني، بل يعكس تزايد القلق بشأن التباطؤ الاقتصادي، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، وتآكل ربحية الشركات تحت وطأة الرسوم الجمركية، والتضخم المستمر، وتدهور ثقة المستهلك. لذلك، فإن نتائج هذا الموسم قد تكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه المخاوف مفرطة، أم أن الأسوأ لم يحدث بعد.
ما الذي يجب على المستثمرين مراقبته؟
خلال هذا الموسم، هناك محاور أساسية تستدعي متابعة دقيقة:
- القدرة على التسعير وهوامش الربحية: تفرض الرسوم الجمركية الجديدة زيادات ملموسة في كلفة الإنتاج. ويبقى السؤال: هل تستطيع الشركات تمرير هذه التكاليف إلى المستهلك النهائي؟ العلامات التجارية القوية والمهيمنة على السوق هي الأقدر على حماية هوامش أرباحها.
“راقب مؤشرات ضغط الهوامش عن كثب. فالشركات غير القادرة على رفع الأسعار قد تواجه رياحاً معاكسة تعيق نمو أرباحها.”
- آفاق المبيعات والطلب: شهدت ثقة المستهلك تدهوراً ملموساً في الأشهر الأخيرة بفعل المخاوف من الحروب التجارية، والظروف الجوية القاسية، والتقلبات الحادة في الأسواق المالية. وقد بدأ الأثر يظهر بوضوح لدى الشريحة الأعلى دخلاً، والتي عادة ما تتأثر بتحركات الأسواق.
“أنصت لتصريحات الإدارة حول سلوك المستهلك. فتخفيض مفاجئ في التوجيهات البيعية قد يكون مؤشراً مبكراً على ركود اقتصادي قادم.”
- خطط الإنفاق الرأسمالي والتوظيف: تميل الشركات في فترات الغموض إلى تقليص استثماراتها وخطط التوظيف، ما يُعد إشارة إنذارية إلى تباطؤ محتمل في النشاط الاقتصادي العام.
“ترقّب إعلانات الشركات حول خططها المستقبلية. فأي تراجع في الاستثمار أو التوظيف يعكس قلقاً لدى الإدارة حيال آفاق النمو.”
الإرشادات المستقبلية: وضوح أم مزيد من الغموض؟
في هذا الموسم، لن تكمن الأهمية في نتائج الماضي، بل فيما تقوله الإدارات عن المستقبل. فمع عودة التهديدات الجمركية، وتفاقم الغموض في بيئة التجارة العالمية، قد تمتنع الشركات عن تقديم توجيهات مالية صريحة، متذرعة بعدم وضوح الرؤية.
“الإرشادات ليست مجرّد أرقام، بل تعكس مدى ثقة الإدارة. وفي ظل هذا الوضع غير المسبوق، قد نشهد موجة من التوجيهات الحذرة، أو غياب التوجيه تماماً.”
نظرة على القطاعات: من الرابح ومن الخاسر؟
تتباين تأثيرات الرسوم وعدم اليقين الاستهلاكي بين القطاعات المختلفة:
- تتصدّر السلع الاستهلاكية الكمالية والصناعات التحويلية قائمة المتضررين، مع خفض توقعات أرباحها بنحو 10%.
- تواجه قطاعات المواد الخام والطاقة ضغوطاً مزدوجة من انخفاض أسعار السلع وارتفاع التكاليف التشغيلية.
- في المقابل، يُظهر قطاعا الرعاية الصحية والتكنولوجيا صلابة نسبية، مع أعلى معدلات نمو متوقعة في الأرباح للربع الأول.
ينبغي للمستثمرين الأفراد مراجعة التوزيع القطاعي لمحافظهم، وتجنّب القطاعات الأكثر عرضة لمخاطر الرسوم الجمركية.
هل يحمل هذا الموسم بارقة أمل أم مخاطر إضافية؟
رغم ارتياح الأسواق عقب التهدئة الجمركية الأخيرة، لا يزال موسم الأرباح الحالي يحمل في طيّاته احتمالات متضاربة. فإذا أثبتت الشركات مرونة في الأداء، وقدّمت رؤى مطمئنة، فقد تتعزز موجة الصعود الحالية، وتتحوّل التقلبات الأخيرة إلى فرصة. حالياً، يتوقع المحللون نمواً في الأرباح بنسبة 8% خلال الربع الثاني من عام 2025 – وهي نسبة أعلى قليلاً من الربع الأول، لكن المسار يبقى مرهوناً بتطورات الرسوم الجمركية، خصوصاً مع الصين، وبالاتجاه العام للاقتصاد.
في المقابل، في حال أخفقت الشركات في تقديم استراتيجيات واضحة لمجابهة الرسوم والحفاظ على ربحيتها، فقد تعود حالة القلق إلى الأسواق، مما قد يؤدي إلى موجة بيع جديدة. لذا، من الحكمة التهيؤ لتقلبات مستمرة، وتحليل تصريحات الإدارات بعناية خلال هذا الموسم.
كيف يتعامل المستثمرون مع هذه المرحلة؟
إليك بعض التوصيات العملية:
- للمستثمرين الحذرين: ركّز على الشركات ذات الجودة العالية، والميزانيات المتينة، والتدفقات النقدية المنتظمة، والعوائد المستقرة—خصوصاً في القطاعات الدفاعية كالرعاية الصحية والمرافق العامة.
- للمستثمرين المتحمسين للمخاطرة: يمكن التفكير في اقتناص فرص انتقائية لشركات ذات أسس متينة تعرّضت لهبوط غير مبرر نتيجة المزاج العام أو الرسوم الجمركية. لكن تجنّب الدخول في رهانات اندفاعية، فقد تكون فترة التهدئة مؤقتة.
وفي جميع الأحوال، التزم بالانضباط، وتجنّب قرارات البيع العاطفية، واعتبر هذا الموسم فرصة لتقييم قوة الشركات التي تستثمر فيها.
الأسواق على موعد مع لحظة حاسمة
تتحرك الأسواق، على المدى القصير، بتأثير العواطف، لكن على المدى الطويل، فإن الأساسيات هي التي تحسم الاتجاه. صحيح أن التراجع المفاجئ في الرسوم الجمركية أثار موجة ارتياح، لكن ذلك لا يعني زوال المخاطر. كما قال المستثمر الأسطوري بنيامين غراهام: “في المدى القصير، السوق آلة تصويت؛ وفي المدى الطويل، هو ميزان يزن القيمة الحقيقية.”
موسم الأرباح الحالي هو فرصتك لتزن الوقائع بعقلانية، وتتجاوز الغموض، وتعيد ضبط بوصلتك الاستثمارية وسط عاصفة تجارية لم تنقشع بعد. استعد جيداً—فموسم الأرباح قد بدأ، وسيحمل معه الإجابات—بغض النظر عن اتجاهها.