سيلفيو كوتيتش، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “انفوبيب“
يتعين على الشركات في مشهد الاتصالات العالمية سريع التطور التكيف والابتكار باستمرار من أجل البقاء في موقع متقدم. وإن رحلتنا في “انفوبيب” التي انتقلنا فيها من بلدة صغيرة في كرواتيا حتى أصبحنا شركة رائدة عالمياً متخصصة في تجارب المحادثة مع العملاء، تجسد القوة التحولية التي يتمتع بها تبني التغيير والاستفادة من التكنولوجيا. وبصفتي الرئيس التنفيذي لشركة “انفوبيب” فإنه من دواعي سروري مشاركة رؤى وأفكار متنوعة من تجربتنا، وتسليط الضوء على استراتيجيات عملية يمكن لرواد الأعمال في عالم الاتصال العصري الحيوي الاستفادة منها.
لقد شهدنا خلال العقدين الماضيين تحولاً جذرياً في طرق التواصل بين الناس من استخدام الهواتف الأرضية والرسائل المكتوبة إلى البريد الإلكتروني والهواتف المحمولة، وصولاً إلى التفاعل القائم بالدرجة الأولى على المراسلة. وساهمت منصات مثل “واتساب” (WhatsApp)، و”آر سي إس” (RCS)، وخدمة التراسل للشركات من “آبل” (Apple Messages for Business) في إعادة تعريف طرق التواصل ليصبح الاتصال الفوري والشخصي هو القاعدة. ولذلك، فقد أصبح العملاء يتوقعون من الشركات أن تكون متواجدة على القنوات التي يفضلونها، بحثاً عن تجارب تواصل سهلة ومبسطة.
رحلة “انفوبيب”: من بدايات محلية إلى حضور عالمي
كانت البداية في بلدة فودنيان الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 3,000 نسمة، حيث قمنا في عام 2006 بتأسيس “انفوبيب” مدفوعين بشغفنا تجاه التكنولوجيا ورؤيتنا لنشر وتبسيط التواصل بين الشركات والناس. وتطورت الشركة لتضم اليوم أكثر من 3,500 موظف ينحدرون من 70 جنسية تقريباً، ولديها مكاتب في جميع أنحاء العالم. ولم يكن هذا النمو بفضل التمويل الخارجي، بل بفضل الالتزام الثابت بالابتكار وفهم الاحتياجات المتطورة لعملائنا.
لقد اتخذنا منذ أولى أيام الشركة قراراً بالبدء من الصفر واعتماد نهج التمويل الذاتي لعملياتنا، لذلك كان لخيار إعادة استثمار الأرباح المحققة عوضاً عن البحث عن رأس مال مغامر لمشاركتنا أثر كبير في تعليمنا الانضباط والتركيز على تقديم قيمة حقيقة. وفي عالم اليوم الذي يشكل البحث عن جولات تمويل خارجي العرف السائد، فإن اتباع نهج البداية من الصفر والتمويل الذاتي كان يبدو كنقطة ضعف، ولكنه وفر لنا في واقع الأمر الحرية التي لم تكن لتتاح في حال وجود تمويل خارجي. وعليه، فقد دفعنا هذا التوجه نحو تعزيز الابتكار والتفكير في حلول لمعالجة التحديات التي تعترضنا، مع بقاء العملاء نقطة التركيز الأساسية في عملنا.
استراتيجيات رئيسية لنجاح ريادة الأعمال
- اعتماد التمويل الذاتي كنقطة قوة
يجب اعتبار غياب التمويل الخارجي فرصة لبناء نموذج أعمال مرن وفعال ومركز بدلاً من اعتباره عاملاً مقيداً. لذلك يتعين تبني عقلية مختلفة تركز على تقدير كل مورد متاح لديكم، ومن ثم إعادة استثمار الأرباح بحكمة وإعطاء الأولوية إلى المبادرات التي تعزز بشكل مباشر القيمة بالنسبة للعملاء.
- إعطاء الأولوية للابتكار والقدرة على التكيف
يشهد قطاع التكنولوجيا تغيرات مستمرة، ولذلك يجب تعزيز ثقافة الابتكار داخل مؤسستكم، وتشجيع فرق عملكم على استطلاع أفكار جديدة، وتجربة التقنيات الناشئة، والتحلي بالمرونة إزاء التغيرات، من أجل ضمان البقاء في موقع متقدم. وفي هذا السياق، كان نهجنا المعزز بالهندسة في “انفوبيب” عاملاً رئيسياً في قدرتنا على التنبؤ بتطورات السوق وتقديم حلول متطورة.
- التركيز على تجارب العملاء المخصصة
لقد كان عملاؤنا على الدوام محور تركيز كل ما نقوم به. ويتوقع المستهلكون في الحقبة الرقمية التي نعيشها في الوقت الحالي تواصلاً مبسطاً وتفاعلياً مع العلامات التجارية التي يثقون بها، ولم يعودوا يرغبون في التعامل مع منصات متعددة أو قنوات اتصال متفرقة ومجزأة. ويمكن لاستخدام تحليلات البيانات والأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي المساعدة في تخصيص استراتيجيات التواصل، ما يضمن شعور كل عميل بأنه يتم تقديره وفهم احتياجاته بأفضل شكل ممكن. ويسهم هذا النهج في تعزيز رضا العملاء وترسيخ الولاء الذي يشعرون به تجاه العلامات التجارية، ويضمن تفاعلهم معها على الأمد الطويل.
- الاستفادة من الشراكات الاستراتيجية
يمكن للشراكات أن تعزز بشكل كبير حضوركم وقدراتكم، ولقد لمسنا خلال رحلتنا أن مشاهدة ابتكاراتنا تتحول إلى فوائد ملموسة لعملائنا كانت من أكثر الجوانب المجزية خلال تلك الرحلة، فقد كان تعاوننا مع شركة “أوبر” على سبيل المثال نتاج للالتزام المشترك بتوفير اتصالات آمنة وفعالة. ونجحنا بفضل تقديم تقنيات تعزز مستويات أمن العملاء وتفاعلهم في دعم نمو “أوبر”، وقمنا بتحديد معايير جديدة في القطاع. وعززت هذه التجربة فكرة أن القيمة الحقيقية تكمن في إيجاد حلول للمشكلات الواقعية وتحقيق تحسينات ملموسة في تفاعلات العملاء. ونجحنا منذ عام 2019 في تمكين “أوبر” من التواصل بشكل آمن مع أكثر من 110 ملايين مستخدم عبر مناطق آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، كما ساعدنا “أوبر” على تحقيق معدل إخفاء هوية العملاء بنسبة 90% عالمياً وذلك من خلال تطبيق تقنية إخفاء الأرقام ودمج قنوات المراسلة المختلفة ما عزز أمان المستخدم وثقته.
- اعتماد منظور يجمع ما بين الجوانب العالمية والمحلية
على الرغم من أن التوسع العالمي يوفر فرصاً هائلة، إلا أنه يجب أن يظل متوافقاً مع السياقات الثقافية والاقتصادية الفريدة للأسواق المحلية. ويوفر التأسيس لحضور جديد وترسيخه في مناطق متنوعة فهماً أعمق لسلوكيات العملاء المحليين وتفضيلاتهم، ما يتيح تقديم حلول مناسبة وأكثر فعالية. ولذلك، فإن مكاتبنا حول العالم تعمل برؤية عالمية مع احترام الفروق المحلية ودمجها.
- الاستثمار في المواهب والتنوع
تتمتع فرق العمل المتنوعة بمجموعة واسعة من وجهات النظر ما يعزز الإبداع والابتكار. ويساهم الاستثمار في المواهب من خلفيات متنوعة في تحسين القدرات على حل المشاكل، ويوفر بيئة شاملة تستقطب أفضل الكفاءات. وفي هذا السياق، فقد كان لفريقنا متعدد الثقافات في “انفوبيب” دور أساسي في تحقيق نجاحنا العالمي.
- الاستفادة من مواطن قوة التقنيات الناشئة
تعد مواكبة التطورات التكنولوجية أمراً بالغ الأهمية، إذ يمكن لدمج الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وتحليلات البيانات أن يسهم في إحداث ثورة في طريقة عمل الشركات وتفاعلها مع العملاء. على سبيل المثال، يمكن للروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي تقديم دعم مخصص إلى العملاء، بينما توفر تحليلات البيانات رؤى حول سلوك العملاء تدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية السديدة. ولذلك فإن اعتماد هذه التقنيات هو الطريق لتوفير عمليات أكثر كفاءة وتحسين تجارب العملاء.
وأتوجه إلى كل رائد أعمال يقرأ هذا المقال بالنصيحة التالية: لا تدع الفكرة التقليدية بأن النجاح يتطلب تمويلاً خارجياً ضخماً تثنيك عن المضي قدماً، فالمقياس الحقيقي للنجاح ليس في مقدار رأس المال الذي يمكن جمعه، بل في القيمة التي يمكنك تقديمها من خلال الابتكار والمثابرة. ولذلك عليك أن تثق برؤيتك، وأن تكون مبدعاً في استغلال الموارد، وتذكر أن كل تحدٍ هو فرصة للتعلم والنمو.
الطريق قدماً: مستقبل التواصل
ستشهد وتيرة التغيير تزايداً متسارعاً بالتزامن مع تقدمنا في حقبة الاقتصاد 4.0 الذي يتسم باندماج العوالم المادية والرقمية والبيولوجية، ولذلك يتعين على الشركات أن تظل يقظة، وأن تعيد تقييم استراتيجياتها باستمرار وتواكب التطور حتى تتمكن من تلبية التوقعات دائمة التغير للعملاء. ويمكن لرواد الأعمال التقدم بنجاح في هذا المشهد المعقد وذلك من خلال تبني الابتكار، وتعزيز التفاعلات المخصصة، واعتماد منظور يجمع الجوانب العالمية والمحلية.
وإننا في “انفوبيب” نواصل التزامنا برسالتنا الأساسية المتمثلة في توسيع نطاق مستقبل التفاعلات الرقمية بين الشركات والأفراد، وجعل هذا النوع من التواصل أكثر بساطة وسهولة. وعليه، فإننا ملتزمون بتمكين الشركات حول العالم من التواصل مع عملائها بطرق هادفة تعزز النمو وتسهم في بناء علاقات راسخة ودائمة.
ولا بد من إدراك حقيقة أن رحلة تطوير التواصل هي مستمرة، وتتطلب نهجاً استباقياً يركز على العملاء. ويمكن لرواد الأعمال من خلال اعتماد هذه الاستراتيجيات أن يحتلوا موقعاً متصدراً في طليعة هذا التطور، والمضي بشركاتهم إلى آفاق جديدة في الحقبة الرقمية التي نعيشها.