دبي – خاص
من المتوقع أن يركز مزودو الخدمة على حلول أصغر وأكثر بساطة لتوسيع انتشار شبكات النطاق العريض بكفاءة وسلاسة
بقلم كوين تر ليند، نائب الرئيس الأول ورئيس قطاع حلول الاتصال والكابلات في شركة كومسكوب.
تشهد شبكات النطاق العريض دورات من التوسع والتطوير تمتد على عدة سنوات، في الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم، نتيجة الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للألياف البصرية ضمن الاستراتيجيات الوطنية للتحول الرقمي. ومن المتوقع أن يتواصل هذا الزخم خلال عام 2025، مع توجه الجهود نحو اعتماد حلول أقل تعقيداً وأسهل في التنفيذ، حيث ستكون البساطة وصغر الحجم في طليعة الأولويات.
وتسهم الاستراتيجيات الوطنية للتحول الرقمي في الشرق الأوسط في إحداث تحول جذري في القطاع الرقمي، مثل رؤية السعودية 2030، واستراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات – 2025، ومبادرات النطاق العريض في قطر. وتؤدي هذه الاستراتيجيات الطموحة إلى تدفق استثمارات ضخمة في مجال البنية التحتية الرقمية، مما أتاح تحقيق انتشار شبه كامل للإنترنت، وتوسيع نطاق شبكات الألياف البصرية، وتعزيز الاتصال في المناطق التي كانت تعاني من نقص في الخدمات. وتسير المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بخطا ثابتة نحو تحقيق نسبة انتشار للإنترنت تصل إلى 99% بحلول عام 2024، مدعومة بشبكة ألياف بصرية تمتد على مسافة 84 ألف كيلومتر وتصل إلى 3.5 مليون منزل. كما تسعى الإمارات إلى تحقيق تغطية كاملة بشبكات الألياف إلى المنازل بحلول عام 2025، في حين يهدف الاندماج المخطط له بين الشركة القطرية لشبكة النطاق العريض وشركة جلف بريدج إنترناشيونال في قطر إلى تعزيز الوصول إلى النطاق العريض بنسبة 15% وتوحيد البنية الرقمية للدولة. وتسهم هذه المبادرات، مجتمعة، في إرساء الأساس لمستقبل رقمي قوي في جميع أنحاء المنطقة.
ودفع التوجه المجتمعي نحو تحقيق وصول شامل إلى اتصال عالي الجودة بشبكات النطاق العريض استراتيجيات نشر هذه الشبكات على مر الأعوام، حيث أصبح الاتصال الرقمي في حياتنا المعاصرة المرفق الأساسي الخامس، وهو لا يقل أهمية عن خدمات الكهرباء والغاز والماء والهاتف. وكما هو الحال بالنسبة للمرافق التقليدية، يتطلب تحويل الاتصال الشامل إلى واقع ملموس سنوات وربما عقوداً من الزمن. ووضعت حكومات الشرق الأوسط خططاً لتوسيع شبكات النطاق العريض بما يتماشى مع الأهداف الوطنية للنمو الاقتصادي. وتسهم الجهود الحكومية المتجددة لتمويل هذه المشاريع بشكل كبير في تحويل هذا الطموح إلى حقيقة، وتحديداً في المناطق الريفية والمجتمعات التي تعاني من نقص بهذه الخدمات.
وينطبق ذلك أيضاً على النطاق العالمي، حيث يسهم التمويل الحكومي في نشر خدمات الاتصالات في المناطق التي لم يكن متوفراً فيها سابقاً. وتواصل الشراكات بين الجهات الحكومية والخاصة في الشرق الأوسط، دفع عجلة توسيع شبكات النطاق العريض، مما يضمن تقديم حلول قابلة للتطوير ومواكبة للتطورات المستقبلية.
وستظل الألياف البصرية العمود الفقري لهذه المشاريع لتوسيع شبكات النطاق العريض، ولكنني ألحظ تغييراً يلوح في الأفق مع حلول عام 2025، يتمثل في نوعية الحلول التي يمكنها تحسين الجدوى الاقتصادية وتسريع عمليات النشر.
التحديات المرتبطة باليد العاملة والاستدامة وقابلية التوسع
على الرغم من توفر تمويل محدد لدعم مزودي الخدمات في إيصال شبكات النطاق العريض إلى ملايين المنازل التي قد تكون غير مجدية اقتصادياً في الظروف العادية، إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات من المتوقع أن تتفاقم في عام 2025.
يتمثل أولها في النقص الحاد في الفنيين المهرة في تركيب الألياف البصرية، مما يجعل تحمل تكاليف خدماتهم أكثر صعوبة بسبب الطلب الكبير في السوق. ويشمل الثاني التأثيرات البيئية الملحوظة التي يتسبب بها نشر كميات هائلة من الألياف البصرية في المجتمعات التي تخدمها، كما أن الكميات الكبيرة من المواد المطلوبة تتعارض مع تعهدات مزودي الخدمات بالالتزام بممارسات مستدامة. ويعد التحدي الثالث ضرورة تنفيذ هذه المشاريع مع ترك مساحة كافية للتوسع المستقبلي، حتى في المناطق الريفية، حيث تعد الألياف بنية تحتية طويلة الأجل، لذا يجب أن تكون جاهزة للتعامل مع أي تحديات غير متوقعة في المستقبل
كفاءة أعلى وكثافة أكبر من خلال ألياف أصغر
يعتمد نشر شبكات الألياف إلى المنازل في الأحياء أو المجتمعات على الحاويات والمحطات الطرفية، التي سرعان ما تصبح متخمة بالوصلات. ونظراً للتكلفة المرتفعة لهذه النقاط، فإن التقنيات التي تسمح بزيادة عدد الوصلات ضمن مساحة أصغر تساهم في تبسيط الشبكات وخفض التكاليف الرأسمالية والتشغيلية على المدى الطويل.
وتستفيد مراكز البيانات حالياً من الكثافة العالية للشبكات بفضل الألياف ذات الأقطار الصغيرة. ورغم أن نطاق توسع نشر المحطات الخارجية في المناطق الريفية أصغر بكثير، إلا أنه يمكن تحقيق فوائد مماثلة في التوزيع دون المساس بعرض الحزمة. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه نحو تصغير الألياف في عام 2025 والأعوام التالية، مدفوعاً بالطلب المتزايد في السوق.
بساطة التركيب
يساهم استخدام الألياف الأصغر حجماً في تقليل الجهد والوقت والتأثيرات الناتجة عن عمليات النشر، وخصوصاً مع إقبال مزودي الخدمات على الاستفادة من التمويل المتاح وتحقيق الأهداف المرتبطة به، مما يزيد من أهمية هذه الميزة.
وبهدف مواجهة النقص في اليد العاملة الماهرة، فإن تقديم حلول “أصغر حجماً” يعد واحداً من الحلول، إلى جانب توفير “حلول أبسط”، حيث يركز مزودو الحلول على تقديم منتجات جاهزة للاستخدام ضمن محفظتهم الحالية والمستقبلية. ومن جهة أخرى، أدى ازدهار بناء مراكز البيانات المعتمدة على السحابة والذكاء الاصطناعي إلى استقطاب العديد من مهندسي الشبكات المحترفين. ومن المتوقع أن يعتمد مزودو الخدمات بشكل أكبر على حلول مبسطة لزيادة سرعة اليد العاملة المتوفرة لديهم وكفاءتها.
توسع مستدام
يتعين على مزودي الخدمات، الذين يعملون بتمويل حكومي، أن يأخذوا بعين الاعتبار التأثير البيئي لمشاريعهم، إلى جانب تحقيق أهدافهم الخاصة بالاستدامة، ولا يقتصر ذلك على المجتمعات التي يتم تركيب الألياف البصرية فيها، بل يشمل أيضاً تأثير المواد المستخدمة في تصنيع هذه الألياف ودورة حياة المنتج بأكملها. وتولي الجهات التنظيمية والعملاء اهتماماً كبيراً بالممارسات المستدامة التي يعتمدها مزودو الخدمات الذين يختارون التعامل معهم.
وتعد الألياف البصرية وسيلة عالية الاستدامة لأسباب متعددة تتجاوز مدى انتشارها وشكلها النحيف، حيث تساهم، عند استخدامها كبديل للنحاس، في تقليل استنزاف الموارد الطبيعية المحدودة وتوفير الطاقة الهائلة المستخدمة في التعدين. وتوفر الألياف البصرية سعة قابلة للتوسع بفضل تقنية التقسيم الكثيف للأطوال الموجية، التي تتيح لليف البصري الواحد نقل ترددات متعددة من الضوء أو الألوان من دون أي تداخل فيما بينها. ومع تطور التقنية، يمكن إضافة قنوات أطوال موجية منفصلة، مما يمهد الطريق لترقيات مستمرة في السعة بدون الحاجة إلى تحسينات إضافية في البنية التحتية. وتعد هذه السعة الهائلة القابلة للاستخدام سبباً رئيسياً لاعتماد مشغلي الشبكات اللاسلكية على شبكات الألياف البصرية لنقل حركة المرور المجمعة لشبكاتهم الخلوية، مما يوفر فرصة إضافية لمزودي الخدمات الإقليميين الذين يتمتعون بالقدرة على نقل بيانات بهذا الحجم.
وتتمتع شبكات الألياف الضوئية بميزة استدامة إضافية ستزداد أهمية في عام 2025 وما بعده، وهي حاجتها إلى صيانة أقل وعمرها التشغيلي الطويل، مما يقلل من زيارات الصيانة الميدانية ويحد من التأثيرات البيئية الناتجة عنها.
التحول نحو المستقبل: تغيرات جذرية في عام 2025
يشهد مزودو الخدمات دعماً متزايداً من مزودي الحلول في عام 2025، حيث ستساعد المنتجات الأصغر حجماً والأبسط استخداماً والأكثر استدامة على التغلب على التحديات التي تشمل نقص اليد العاملة وتكاليف نشر الشبكات واستيفاء متطلبات الاستدامة.
وتعتمد الحكومات ومشغلو شبكات الاتصالات، في الشرق الأوسط، على تقنيات مبتكرة لألياف البصرية لتحقيق الاتصال الشامل والتوافق مع المعايير العالمية. وستواصل الحلول الأصغر حجماً والأبسط والأكثر ذكاءً مساهمتها في تشكيل مستقبل شبكات النطاق العريض، ودفع عجلة التحول الرقمي في المنطقة.