دبي – خاص
تشهد منطقة الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا تحولاً ديناميكياً يتسم بتسارع زخم التوسع الحضري والنمو الاقتصادي، مدفوعاً بالرؤى الوطنية الطموحة والسياسات الحكومية الاستباقية. وتقف مراكز المدن الحضرية اليوم لتجسد هذا التطور المتسارع، إذ باتت تزخر بالفرص الاقتصادية وتجذب أرفع المواهب وتحتضن قطاعات متطورة للرعاية الصحية. إلا أن هذا النمو الحضري المتسارع ألقى الضوء على التباين الكبير في خدمات الرعاية الصحية ضمن هذه المنطقة. فعند النظر إلى الصورة الشاملة، سنجد تنوعاً كبيراً على مستوى احتياجات الرعاية والعوامل الاقتصادية والجغرافية والسياسية، بما يُبرز الحاجة الماسة لمعالجة قضية التباين المذكورة آنفاً وفق منهجية منظمة تركز على التعاون، سواءً بين الدول بحد ذاتها، أو بين مختلف الأطراف في مجتمع الرعاية الصحية.
في ضوء هذه المعطيات والتحديات المحيطة بقطاع الرعاية الصحية، يتعين أن تدور علاقات التعاون تلك في صلبها حول شركات الصناعات الدوائية، ليس لقدرتها على تطوير الأدوية القادرة على إنقاذ حياة المرضى فحسب، بل كذلك لدورها الحيوي كلاعب رئيسي في صياغة نظم تقديم الرعاية الصحية. وبينما تبذل دول المنطقة جهوداً حثيثة لمعالجة مختلف تحديات الصحة، بدءاً بارتفاع تكاليف علاج الأمراض المزمنة إلى محدودية البنية التحتية، يتعين أن يبقى التركيز الجماعي للقطاع مُنصباً على الحلول المجدية القائمة على التعاون، والقادرة على تعزيز سبل الوصول للرعاية الصحية بتكلفة معقولة.
مشهد الرعاية الصحية في الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا
يتسم قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وروسيا بالتعقيد بسبب طبيعتها الفريدة التي تتميز بتنوعها الجغرافي والسكاني الكبير، في حين تواجه تحديات مزدوجة على مستوى الأمراض. فأحد هذه التحديات يكمن بوجود مخاطر الأمراض المعدية، والتحدي الآخر في زيادة انتشار الأمراض غير المعدية مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان. ويرتبط ذلك غالباً بسلوكيات أنماط الحياة وارتفاع معدل أعمار السكان في الدول الأكثر تطوراً.
في ذات الوقت، فإن سهولة الوصول لخدمات الرعاية الصحية تختلف بين دولة وأخرى في المنطقة. فالمراكز الحضرية مثلاً لديها أفضلية واضحة تتمثل في سهولة وصول سكانها لبنية تحتية طبية متطورة مع متخصصين متمرسين في الرعاية الصحية، في حين قد تفتقر المناطق النائية أو الريفية للمرافق الطبية الأساسية وكوادر الرعاية المؤهلة. كما أن تغطية التأمين الصحية ليست شاملة في بعض المناطق، بما يترك العديد من أفراد المجتمع دون التغطية المالية الضرورية لنفقاتهم الطبية. وتؤثر تحديات سلسلة التوريد والتعقيدات التنظيمية بشكل أكبر على إمكانية الوصول إلى الأدوية، في حين تعمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفقر ومستويات التعليم والقيود البنيوية وعدم الاستقرار الجيوسياسي، على إعاقة الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة.
دور قطاع الصناعات الدوائية في تحسين سبل الوصول للرعاية
في خضم مشهد الرعاية الصحية الراهن، تساعد شركات الصناعات الدوائية في تحسين سبل الوصول إلى الرعاية الصحية بمنطقة الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا، وضمان توافر أحدث الخيارات العلاجية في المقام الأول. ومن خلال الاستثمار في أبحاث وتطوير الأدوية التي تستهدف الأمراض المنتشرة في هذه المنطقة وتسخير أحدث التطورات التقنية الطبية مثل الذكاء الاصطناعي، يمكن للقطاع التوصل لعلاجات مبتكرة تلبي احتياجات صحية محددة، من الاكتشاف الدوائي والتجارب السريرية إلى حفز تفاعل المرضى والطب الشخصي.
على أي حال، فإن سهولة الوصول للأدوية لا تعني توافرها فقط، بل كذلك وجودها بتكلفة معقولة وتوزيعها بشكل عادل. لذلك جاءت مبادرات مثل “اتفاق من أجل عالم أكثر صحة” لشركة فايزر بهدف توفير محفظتها الكاملة من الأدوية واللقاحات للبلدان ذات الدخل المنخفض على أساس غير ربحي، مذللة العقبات المالية الملقاة على كاهل المرضى وأنظمة الرعاية الصحية. وفي هذا الإطار، تبرز أيضاً أهمية حلول سلال التوريد المبتكرة لتخطي العقبات اللوجستية وضمان وصول الأدوية حتى في المجتمعات النائية جداً. وبالاعتماد على التكنولوجيا، يمكن للقطاع مساعدة المرضى على التعامل مع أنظمة الرعاية الصحية المعقدة وجسر الفجوات في المعارف الصحية عبر أدوات رقمية يسهل الوصول إليها. فعلى سبيل المثال، يقدم تطبيق فايزر IUdo ، المتاح في قطر ومصر ولبنان، للمرضى وصولاً يسيراً إلى موارد الرعاية الصحية ويوفر وصولاً مباشراً إلى خطط برنامج دعم المرضى لدى الشركة، مقلصاً من الوقت اللازم للوصول إليه.
إن تعزيز قدرات ممتهني الرعاية الصحية بما يشمل الأطباء وكوادر التمريض هو مجال هام آخر يمكن لشركات الصناعات الدوائية المساهمة فيه بخبراتها الطبية الواسعة وتجاربها الغنية. ويمكن لبرامج التدريب أن تشمل التوعية بأعراض المرض عبر فرق متعددة التخصصات، وإرشادات إدارية، وخيارات علاجية طبية. ويمكن للمعرفة الواسعة لهذه الشركات، والتي غالباً ما تكون ثمرة عقود من البحث والعمل، المساعدة في جسر فجوة المعرفة الصحية في المجتمعات، وتمكين الأفراد من امتلاك زمام السيطرة على صحتهم، بما يقود لتحسين المخرجات الصحية وتقليص الأعباء على أنظمة الرعاية الصحية. كما يمكن لجهود إزالة الوصمة المرتبطة ببعض الحالات الصحية مثل الأمراض النفسية والسرطان أن تغرس ثقافة صحية أكثر شمولاً.
أهمية التعاون مع القطاعين العام والخاص
أثبتت الشراكات بين القطاعين العام والخاص في المنطقة دورها البنّاء في معالجة مواطن الضعف في قطاع الرعاية الصحية، خصوصاً على مستوى محدودية البنية التحتية والموارد. وفي المغرب كمثال، أبرمت فايزر شراكة مع الحكومة لتعزيز قدرات المملكة في بحوث مقاومة مضادات الميكروبات وتحسين المخرجات الصحية. وعبر مثل هذه الشراكات، تستفيد الحكومات من القدرات المبتكرة للقطاع الخاص لتطوير حلول مُجدية تتجاوز العقبات التقليدية، وتثمر عن نظم للرعاية الصحية تتسم بسهولة الوصول والتكلفة المعقولة.
وفي أرجاء عدة من المنطقة، خصوصاً المناطق النائية والتي تفتقر للخدمات الضرورية، فإن مسألة توفير الأدوية تواجه تحديات لوجستية، ما يؤكد حاجة قطاع الصناعات الدوائية لتبني حلول مبتكرة لسلاسل التوريد، بالتعاون مع الحكومات المحلية والمؤسسات غير الحكومية، لتبسيط عملية التوزيع وضمان وصول الأدوية لجميع المرضى في الوقت المناسب وبأسلوب فعال. ولإثبات ذلك، عقدت فايزر في عام 2019 اتفاقية شراكة مع المبادرة الوطنية “حياة كريمة” المبادرة الوطنية التي أطلقها فخامة عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، لتحسين المعايير المعيشية لأكثر المواطنين احتياجاً في مصر. وتتعاون شركات الصناعات الدوائية أيضاً مع هيئات الرعاية الصحية لتعزيز جهود البحث والتطوير التي تعالج الأمراض المنتشرة ودعم أولويات الصحة الوطنية.
من مبادرات الصحة المتنقلة إلى منصات التطبيب عن بعد، يمكن للقطاع الخاص لعب دور حيوي في تيسير سبل الوصول للرعاية، خصوصاً لسكان المناطق النائية والتي تفتقر للخدمات الأساسية، في إطار علاقات تعاون استراتيجية مع القطاع العام.
كلمة أخيرة
تقع على عاتق قطاع الصناعات الدوائية مسؤولية تعزيز سبل الوصول للرعاية الصحية وترسيخ العدالة في تقديم خدماتها ضماناً لاستدامة نظم الرعاية ورفاه المجتمعات. وعلى أي حال، فإن تعزيز سبل الوصول للرعاية هي مسؤولية جماعية. فالحكومات وشركات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية والأطراف المعنية في قطاع الصحة لديها جميعاً دور هام تلعبه في هذا الإطار. ويمكن أيضاً لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص أن يعزز الأثر الإيجابي للابتكارات التكنولوجية. ومن خلال مشاركة المعارف والموارد، يمكننا تطوير وتطبيق استراتيجيات مبتكرة وعملية. ولابد من الإشارة أيضاً لأهمية التعاون بين الدول، لأن التحديات الصحية لا تعرف أي حدود، لذلك لا ينبغي أن تكون جهودنا لمعالجة هذه المشاكل محدودة بنطاق جغرافي ما. وتتيح لنا علاقات التعاون الإقليمية مشاركة أفضل الممارسات، وحشد الموارد، وتنسيق الاستجابة للأزمات الصحية. ومن خلال توحيد الجهود، يمكننا إحراز تقدم كبير ضماناً لوصول الرعاية الصحية عالية الجودة لكل من يحتاجها بمنطقة الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا وخارجها.
إن وقت العمل قد حان! وجهودنا الجماعية لن تحسن من سبل الوصول للرعاية الصحية فحسب، بل سترتقي كذلك بالمخرجات الصحية لتعم الفائدة على أجيال الغد، بينما نعمل معاً على تأسيس منظومة أكثر شمولاً للرعاية الصحية، تصل خدماتها للجميع وتعم فائدتها على جميع المرضى دون استثناء.
بقلم: إيليف آرال، الرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا في شركة فايزر