كارل كراوثر، نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة ألتيريكس
وفقاً لتقرير صادر عن ووترهاوس كوبرز حول التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، من المتوقع أن تجني المنطقة 2% من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي في عام 2030، وهو ما يعادل 320 مليار دولار أمريكي. ومع هذا، تأتي إمكانات الذكاء الاصطناعي مع مخاطر لا مفر منها مثل مخاوف التحيز الخوارزمي وانتهاكات الخصوصية. ولهذا السبب، يفوق الطلب على السياسات والممارسات المسؤولة في مجال الذكاء الاصطناعي الآن معدل الابتكارات في المجال ذاته. إلا أنّ الالتزام بتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول وتبنّيه ينضوي على استثمارات مالية وتشغيلية كبيرة. تواجه الشركات الآن قرار النظر إلى الذكاء الاصطناعي المسؤول كتكلفة لا حياد عنها أو كاستثمار استراتيجي.
أساسيات الذكاء الاصطناعي المسؤول
تشمل المبادئ الأساسية لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي المسؤول: العدالة والشمول، الشفافية والقابلية للتفسير، الثقة والمساءلة، والقدرة البشرية على الإشراف واتخاذ القرار.
- الشفافية وقابلية التوضيح: لتسهيل الوصول إلى الذكاء الاصطناعي وتحقيق شفافية الاستخدام، يجب أن تكون عمليات الذكاء الاصطناعي وقراراته واضحة وقابلة للتفسير. يساعد هذا المستخدمين على تكوين فهم أفضل وأوضح لكيفية اتخاذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي القرارات، مما يساعد على تعزيز الثقة تجاه حلول الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف.
- تتجاوز الثقة والمساءلة مجرد الامتثال، فهي تشكّل أساسيات تفاعل المستخدمين مع حلول الذكاء الاصطناعي، تبنيهم لها وثقتهم بها. لهذا، ينبغي أن يضمن مطوّرو حلول الذكاء الاصطناعي إمكانية التعامل مع البيانات بحساسية وأمان حتى يتمكن المستخدمون من الوثوق بالذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الخاصة والحساسة عند الضرورة. كما يجب أن تلتزم حلول الذكاء الاصطناعي بأعلى معايير الخصوصية والأمان والأخلاق.
- وبينما يعزز الذكاء الاصطناعي من الكفاءة التشغيلية بشكل كبير، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن اللمسة البشرية. لهذا، ينبغي أن تتكامل حلول الذكاء الاصطناعي القدرات البشرية بدلاً من استبدالها. من الضرورة بمكان التأكيد على أهمية إعطاء الأولوية للإشراف البشري في منظومة حلول الذكاء الاصطناعي القائمة على القيم والأخلاق الإنسانية، مما يمنح البشر الكلمة الأخيرة في صنع القرار. مثل السيارة التي نستخدمها لتقصير وقت تنقلنا، يعمل الذكاء الاصطناعي كأداة تسريع تدعم مساعينا للتقدم كمجتمع.
اليوم، ومع المساعي المستمرة لتحقيق التقدّم، يُنظر إلى التنوع والإنصاف والشمولية على أنها قيم مهمة لا يمكننا تجاهلها. عند تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول، نحتاج إلى التأكد من تضمين هذه القيم في تطوير الذكاء الاصطناعي، لضمان أخذ الفئات غير الممثلة في مجتمعاتنا بعين الاعتبار وتقديم التقدير والتمثيل الكافي لها.
تحدّي التكلفة
توقعت مؤسسة البيانات الدولية أن تزيد نسبة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 29.7% خلال الفترة 2022-2026، ليبلغ 6.4 مليار دولار في عام 2026. يتطلب تطوير وتنفيذ الذكاء الاصطناعي المسؤول تكاليف مباشرة وغير مباشرة للشركات. بالنسبة للتكاليف المباشرة، تحتاج الشركات إلى توظيف المهنيين المناسبين وتدريب المتخصصين في الذكاء الاصطناعي والموظفين الحاليين على كيفية تطوير المهارات اللازمة لتنفيذ الذكاء الاصطناعي وإدارته بفعالية. كما تحتاج الشركات إلى ضمان تجهيز البنية التحتية الحالية لتكنولوجيا المعلومات وتطويرها بما يكفي للتعامل مع أعباء الحوسبة العالية ومتطلبات تخزين بيانات النماذج اللغوية الكبيرة التي تستخدمها نماذج الذكاء الاصطناعي. إذا اختارت الشركات إشراك طرف ثالث للمساعدة في تنفيذ الذكاء الاصطناعي، ستكون هناك تكاليف إضافية لتطوير النماذج واختبارها وتدقيقها ومراقبتها. يساعد هذا كله في مواصلة تحديث نماذج الذكاء الاصطناعي والتأكد من التزامها بالمتطلبات التنظيمية وضمان تحديد المخاطر المحتملة والتخفيف منها في الوقت المناسب.
أما التكاليف غير المباشرة لتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول فتتضمن الوقت والموارد التي يتم إنفاقها على الذكاء الاصطناعي بدلاً من المشاريع الأخرى. ومع التطوير المستمر للذكاء الاصطناعي، تتطور اللوائح التنظيمية المتعلقة به باستمرار، مما قد يؤدي إلى تحديات في مواكبة أحدث تطورات الذكاء الاصطناعي وإلى تكاليف إضافية للمؤسسات. إذا أدت حلول الذكاء الاصطناعي إلى نتائج سلبية أو قضايا قانونية، فيجب على المؤسسات الاستعداد للتوضيح وتخصيص الموارد لإعادة بناء الثقة وتعويض الخسائر. علاوة على ذلك، سيكون الإنفاق على الاتصالات والشفافية أمراً ضرورياً لكسب ثقة العملاء والحفاظ عليها.
تحدي الاستثمار
أظهر الذكاء الاصطناعي إمكانات غير مستغلة من خلال قدرته على أتمتة المهام وتحسين العمليات وتقديم الأفكار المبتكرة. يتفق 53% من الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط على أن الذكاء الاصطناعي سيغير بشكل كبير من الطريقة التي يديرون بها أعمالهم في السنوات الخمس المقبلة. وفي حين تعتبر معظم المؤسسات في الشرق الأوسط (84%) الذكاء الاصطناعي أحد أولوياتها القصوى، تنفذ 16% من الشركات فقط سياسات وعمليات الذكاء الاصطناعي المسؤول، وفقاً لبحث أجرته كل من “MIT Sloan Management Review” ومجموعة بوسطن الاستشارية. باعتباره استثمار استراتيجي، يقدم الذكاء الاصطناعي المسؤول العديد من الفوائد التي تشمل :تعزيز سمعة العلامة التجارية، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز معنويات الموظفين – وهي نقاط مهمة لدفع المزايا التنافسية طويلة الأجل واستدامة الأعمال.
عند التنويه بشفافية عن قيامها بدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، تقدّم الشركات نفسها للمستخدمين النهائيين على أنها شركات “متقدمة تكنولوجياً” وتولّد الثقة المتبادلة. تعمل ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤولة على تعزيز الثقة والشفافية بين أصحاب المصلحة من خلال العمل كمراقب أخلاقي أمام تطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، مما يعزز بدوره من مكانة الشركة أو العلامة التجارية وولاء العملاء لها.
كما يساعد الذكاء الاصطناعي الأقسام الداخلية في الشركات لمواكبة التغييرات التنظيمية، وتحديد المخالفات بشكل استباقي، وتقديم منظور واضح للحصول على رؤى أكثر دقة وموثوقية، مما يعزز عملية اتخاذ القرار بشكل عام، ويرتقي بالكفاءات الداخلية ويمنح المؤسسات ميزة تنافسية في السوق.
يعزز تزويد الموظفين بالمعارف والكفاءات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من ثقافة التعلم المستمر، ويثبت التزام الشركة أو المؤسسة تجاه تطويرهم المستمر. كما أنّ اتباع نهج قائم على المشاركة البشرية في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي للمؤسسة يضمن المساءلة عن مخرجات الذكاء الاصطناعي، مما يضمن بدوره سير عمل فعال وخاضع للإشراف، ويخلق تأثيراً متواصلاً يمكّن وحدات الأعمال من الاستفادة بشكل فردي من فوائد الذكاء الاصطناعي، وتغذية الابتكار والمساهمة في تحقيق النجاح على المدى الطويل.
تحديد النقطة المثالية
الطريقة الأكثر فعالية لتقييم دعم الشركات للذكاء الاصطناعي هي قياس تأثيره. تشمل بعض مؤشرات الأداء الرئيسية لقياس نتائج الذكاء الاصطناعي المسؤول رضا العملاء، ومعدل الاحتفاظ بالموظفين، والأداء المالي للشركة. كما يمكن لقادة الأعمال تحليل التكاليف والفوائد لتقييم التأثيرات المالية للاستثمار في ممارسات الذكاء الاصطناعي المسؤول.
في نهاية المطاف، من المهم أن تجد المؤسسات النقطة المثالية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطريقة فريدة من نوعها لتعزيز مكانتها. يجب على مدراء المعلومات والمدراء التنفيذيين للشركات وضع مقاييس ومؤشرات ومعايير واضحة لتتبع وضمان فعالية تقنيات الذكاء الاصطناعي، فتبني الذكاء الاصطناعي المسؤول والاستفادة منه عملية مستمرة تتطلب المراقبة، التقييمات والتعديلات المستمرة. كما أن إطلاق مبادرات الذكاء الاصطناعي كمشاريع تجريبية مع الشركاء ذوي الخبرة أو المؤسسات الأكاديمية طريقة أخرى للتعرف على أفضل الممارسات وتقليل تكاليف تنفيذ وتبنّي الذكاء الاصطناعي.
باختصار، رغم أن الذكاء الاصطناعي المسؤول قد يتطلب استثمارات أولية كبيرة، إلا أن فوائده المحتملة طويلة الأجل في تعزيز مكانة الشركات، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز معنويات الموظفين تدفع إلى استدامة الأعمال على المدى الطويل وتجعله أداة استراتيجية ينبغي للمؤسسات أن تفكر في تبنيها. بفضل استراتيجية الذكاء الاصطناعي المتطورة والقابلة للقياس والمسؤولة، يمكن للمؤسسات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج مؤثرة ومستدامة تبرّر تكاليفه وتعمل على تقليل المخاطر.