ألكسندر إيفانيوك، مدير أول التكنولوجيا في شركة أكرونيس
في ظل سعي المملكة العربية السعودية نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، تتألق المملكة بتقدمها نحو اقتصاد رقمي متعدد الأوجه. ومع التطور السريع في المجال الرقمي، تزداد أهمية اتخاذ إجراءات أمن سيبراني قوية لحماية طموحات المملكة من التهديدات السيبرانية المتزايدة.
تشهد المملكة العربية السعودية نهضة رقمية تتجلى في مختلف جوانب الحياة، فمن برج المملكة الشاهق إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية العملاقة، حيث يلتقي الابتكار بالطموح في ظل رؤية 2030. إلا أنه في ظل هذا التقدم التكنولوجي، تكمن معركة شرسة مما يؤكد على أهمية الأمن السيبراني في حماية طموحات المملكة.
لمواجهة هذه التحديات، أولت الحكومة السعودية الأولوية للأمن السيبراني من خلال استراتيجيتها الوطنية للأمن السيبراني. والتي تهدف إلى تعزيز التقدم الرقمي للمملكة، والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وترسيخ علاقات التعاون الدولي، وتحسين اللوائح المحلية وتدريب الموظفين، لضمان حماية المستقبل الرقمي للمملكة.
التهديدات السيبرانية الأخيرة التي تستهدف المملكة العربية السعودية
إن هيمنة المملكة على سوق الطاقة العالمي وتحولها الرقمي السريع، تجعل منها هدفاً للمهاجمين السيبرانيين. ومما يسهم في زيادة المخاطر هو أن أي اختراق ناجح يمكن أن يعطل إنتاج النفط في المملكة ، كما يؤثر على سلاسل التوريد العالمية، مما يتسبب في أضرار مالية كبيرة. وقد كانت الهجمة السيبرانية على أرامكو السعودية في عام 2017 بمثابة تذكير قوي بهذه الثغرة الأمنية، مؤكدةً مدى عمق الأثر الذي يمكن أن تتركه مثل هذه الحوادث.
تزداد التهديدات تعقيداً. وتشكل التهديدات المتقدمة المستمرة (APTs) الآن تحدياً كبيراً، حيث تستهدف البنية التحتية الحيوية في المملكة بقصد سرقة البيانات الحساسة أو شل العمليات اليومية أو التسبب في تعطيل واسع النطاق. وغالباً ما تكون هذه الحملات السيبرانية طويلة الأمد، ومصممة بدقة لتبقى غير مكتشفة أثناء اختراقها واستغلالها لدفاعات الشبكة.
ورداً على ذلك، تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات حاسمة لتعزيز دفاعاتها السيبرانية. حيث ينصب التركيز الرئيسي على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المعزز (AEI)، والتي تلعب دوراً حاسماً في توقع التهديدات المستقبلية وتحييدها. ومن خلال تهدف المملكة، الاستثمار في هذه التقنيات المتقدمة، إلى التفوق على خصومها السيبرانيين وضمان التمويل اللازم لآليات دفاعية قوية. إلا أن المملكة لا تتصدى لهذا التحدي بمعزل عن الآخرين. إذ تكثف المملكة تعاونها مع المنظمات الدولية المعنية بالأمن السيبراني، إدراكاً منها أنه في عالم مترابط، لا بد من اتباع نهج جماعي. هذه الشراكات هي جزء من جهود أوسع نطاقاً لتعزيز استراتيجيات حماية المعلومات العالمية، وهي خطوة تتماشى مع نفوذ المملكة المتزايد على الساحة العالمية.
على الصعيد المحلي، تعمل المملكة على تشديد لوائح الأمن السيبراني والتركيز مجدداً على تدريب القوى العاملة. حيث تعمل المملكة، من خلال تعزيز ثقافة اليقظة وضمان تزويد الموظفين بالمهارات والمعرفة اللازمة، على بناء دفاعات أكثر صلابة في وجه التهديدات السيبرانية. ويعتبر هذا النهج متعدد الجوانب أمر بالغ الأهمية ليس فقط لحماية الأمن الوطني ولكن أيضاً لحماية الاستقرار الاقتصادي الذي يدعم رؤية المملكة الطموحة 2030.
تعزيز وضع الأمن السيبراني: الأطر والمعايير
يتطلب تعزيز دفاعات الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية نهجاً استراتيجياً متجذراً في أطر ومعايير قوية. وتلعب الهيئة الوطنية للأمن السيبراني دوراً محورياً في هذا الصدد، حيث تقدم إرشادات شاملة من خلال أطر عمل رئيسية مثل ضوابط الأمن السيبراني الأساسية وإطار الأمن السيبراني للبنية التحتية الوطنية الحساسة. حيث توفر هذه الأطر مخططات تفصيلية لإدارة المخاطر والاستجابة للحوادث الأمنية وحماية البيانات الحساسة.
لكن الجهود لا تتوقف عند حدود المملكة. إذ يُعد اعتماد المعايير الدولية مثل ISO/IEC 27001 لإدارة أمن المعلومات وإطار عمل الأمن السيبراني من الأمور التي لا تقل أهمية. هذه المعايير العالمية تضمن التزام المؤسسات في المملكة بأفضل الممارسات بالإضافة إلى الاستعداد الجيد لمواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة.
التعامل مع الشراكات الدولية في مجال الأمن السيبراني
نظراً لطبيعة التهديد، فإن الشراكات الدولية أمر أساسي بالنسبة للمملكة العربية السعودية. فالمملكة جزء من التعاون الدولي لتبادل المعرفة والموارد لتعزيز أمن المجال. وتتصدى هذه الشراكات للتكتيكات المتطورة للمجرمين السيبرانيين وتعزز الجهود المنسقة لمواجهة تحديات الحرب السيبرانية. وتساعد الشراكات الدولية في مجال الأمن السيبراني، خاصة مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، في تعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية ومواءمة السياسات الداخلية مع المعايير الدولية. يتطلب إنفاذ ممارسات فعالة في مجال الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية التعامل مع بيئة قانونية معقدة. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في ضرورة الامتثال لمجموعة من اللوائح الوطنية والخارجية التي تحكم ممارسات الأمن السيبراني. وبشكل عام، تميل هذه اللوائح إلى أن تكون معقدة للغاية وتخضع للتغيير المستمر.
على سبيل المثال، لا تزال المؤسسات مطالبة بالامتثال لضوابط الأمن السيبراني الأساسية (ECC) مع الامتثال للمتطلبات القانونية وتعزيز الابتكار والتحديث داخل الشركة. وهذا يضمن أن تكون العمليات التجارية آمنة ويسمح بالتأثير في التغييرات المستقبلية.
ترسيخ ثقافة الأمن السيبراني
يتطلب تعزيز الأمن المؤسسي تعزيز ثقافة الأمن السيبراني القوية، والتي تبدأ بتعزيز معارف الموظفين ومهاراتهم باستمرار. ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج منتظمة للتوعية بالأمن السيبراني ومحاكاة التصيد الاحتيالي وغيرها من الأنشطة التدريبية العملية. يمكن تدريب الموظفين من خلال برامج التوعية المنتظمة بالأمن السيبراني وتمارين محاكاة التصيد الاحتيالي وغيرها من الأنشطة العملية. من الضروري أيضاً تعزيز مناقشة الأمن السيبراني وأفضل ممارساته ومن هو المسؤول في هيكل المؤسسة عن بعض التدابير الأمنية في المؤسسة. عندما يصبح الأمن السيبراني متأصلاً كقاعدة ثقافية، يلعب كل موظف دوراً في حماية المؤسسة.
مع تحول الشركات في المملكة العربية السعودية إلى الشركات الرقمية، هناك حاجة إلى المزج بين التغيير التكنولوجي والاعتبارات الأمنية. ويتطلب تحقيق ذلك نهجاً قائماً على المخاطر، حيث يتم تقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بنشر التقنيات الجديدة بدقة قبل التنفيذ. وبعبارة أخرى، يعني ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على البحث وتقييم المخاطر وإدارة المخاطر والأمن في جميع مراحل التطوير الواسع النطاق للمشاريع والبرامج المبتكرة. بالإضافة إلى ذلك، قد تعيق المخاطر والعمليات التنظيمية الإبداع، مثل الاعتماد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي والأتمتة في ضوابط الكشف عن التهديدات والوقاية منها.
استراتيجيات الاستجابة للحوادث والتعافي منها
تنطوي الاستجابة الفعالة للحوادث والتعافي منها على خطة واضحة المعالم تتضمن الإعداد والكشف والاحتواء والاستئصال والتعافي. يجب أن يكون لدى المؤسسات فريق استجابة للحوادث مدرب على التعامل مع مختلف التهديدات السيبرانية وإجراء تدريبات منتظمة لضمان الجاهزية. تعتبر مراجعات ما بعد الحادث ضرورية لتحديد نقاط الضعف وتحسين الاستجابات المستقبلية. كما يمكن للتعاون مع الخبراء الخارجيين والاستفادة من معلومات التهديدات المتقدمة أن يعزز قدرات الاستجابة للحوادث.
الاتجاهات المستقبلية في الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية
في الوقت الذي تتقدم فيه المملكة العربية السعودية نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، هناك العديد من الاتجاهات الرئيسية التي ستشكل مستقبل الأمن السيبراني في المملكة. سيؤدي التطور السريع للذكاء الاصطناعي، والتوسع في الحوسبة السحابية، والانتشار المتزايد لأجهزة إنترنت الأشياء (IoT) أدواراً محورية في هذا التحول. من المتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الكشف عن التهديدات، مما يتيح استجابات أسرع وأكثر دقة للحوادث السيبرانية. وفي الوقت نفسه، مع انتقال المزيد من الشركات إلى السحابة، ستصبح الحاجة إلى أمن سحابي قوي أكثر أهمية.
يمثل انتشار أجهزة إنترنت الأشياء تحدياً كبيراً آخر. فمع ازدياد اندماج هذه الأجهزة في الحياة اليومية والعمليات التجارية، سيكون تأمينها ضد التهديدات السيبرانية أمراً ضرورياً لمنعها من أن تصبح حلقات ضعيفة في سلسلة الأمن السيبراني. إن التحول الرقمي الأوسع نطاقاً المتوخى في إطار رؤية 2030 سيزيد من الحاجة إلى اتخاذ تدابير شاملة ومرنة للأمن السيبراني.
بالنسبة للشركات في المملكة العربية السعودية، يبدأ الطريق إلى الأمام بإجراء تقييمات شاملة للمخاطر لتحديد نقاط الضعف المحتملة. كما أن استقطاب المتخصصين المهرة في مجال الأمن السيبراني والاحتفاظ بهم، واعتماد التقنيات المتطورة مثل أدوات الأمن القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتحديث السياسات الأمنية بشكل مستمر، كلها خطوات حيوية. ولا يقل أهمية عن ذلك الحاجة إلى التدريب المستمر للموظفين للبقاء في صدارة التهديدات المتطورة. ومن خلال تنفيذ أطر العمل التي وضعتها الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA) والمشاركة الفعالة في مبادرات تبادل المعلومات الاستخبارية العالمية المتعلقة بالتهديدات، يمكن للشركات السعودية تعزيز دفاعاتها ضد المد المتزايد باستمرار للمخاطر السيبرانية.
الأمن السيبراني كركيزة أساسية لرؤية 2030
يبرز الأمن السيبراني كركيزة أساسية في أجندة رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة 2030، وهو ما يدعم توجه المملكة نحو اقتصاد متنوع وقائم على التكنولوجيا الرقمية. من خلال الاستثمار المستمر في الأمن السيبراني وترسيخ ثقافة اليقظة في جميع القطاعات، تضع المملكة العربية السعودية الأساس لمشهد رقمي آمن ومزدهر. ولا يقتصر هذا الالتزام على حماية البنية التحتية الرقمية في المملكة العربية السعودية فحسب، بل يعزز مكانتها على الساحة العالمية باعتبارها رائدة في دمج التكنولوجيا المتطورة مع أطر عمل قوية ومرنة للأمن السيبراني.