دبي – خاص
– بقلم ليزا وي، المدير العالمي للاستدامة في أڤيڤا
ترابط البيانات هو مفتاح النجاح بينما يتسابق القادة المحليون في المناطق الحضرية لدعم الأعداد المتزايدة من السكان ومعالجة تغير المناخ – بقلم ليزا وي، المدير العالمي للاستدامة في أڤيڤا
يعتبر مخططو المدن من بين القادة المحليين الذين أصبحوا الآن في مقدمة العاملين على مجابهة أزمة المناخ، فالمدن تمثل بيئة ديناميكية، وتتجه الجهات المسؤولة عن المناطق الحضرية بشكل متزايد إلى الرؤى الرقمية للمساعدة في إدارة الترابطات المعقدة وتقديم خدمات آمنة ومأمونة تسهم في تحسين جودة الحياة.
هناك أسباب عديدة لهذا التعقيد المتزايد. فالعديد من المدن تواجه العديد زيادات هائلة في النمو السكاني.
على سبيل المثال، بلغ عدد سكان لندن 7.3 مليون نسمة في عام 2000. وبحلول عام 2030، يتوقع أن يعيش حوالي 9.4 مليون شخص في العاصمة البريطانية، وفقاً لمؤسسة تراست فور لندن. ويعيش في المنطقة الإحصائية المشتركة بين نيويورك ونيوارك، والتي تسمى غالبًا منطقة الولايات الثلاثية، 23.5 مليون شخص، وفقًا لبيانات التعداد السكاني لعام 2021 – مقارنة مع 17.8 مليونًا قبل عقدين من الزمن. وبالمثل، شهدت شنغهاي الصينية ارتفاع عدد سكانها من 13.4 مليون في عام 2020 إلى 27.8 مليون اليوم، وهو رقم يتوقع أن يصل إلى 34.3 مليون نسمة عام 2035. وتتوقع الأمم المتحدة أن 40٪ من الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، وهي الهند، سيكونون مقيمين في المناطق الحضرية. المناطق بحلول عام 2035 – حيث تشير التقديرات إلى أن هذا العدد قد يتجاوز 607 مليون شخص.
تعكس هذه الأرقام التوجه العالمي. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يزيد عدد سكان المناطق الحضرية بواقع 2.5 مليار نسمة، وفقا لتقديرات إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة. وبعبارة أخرى، فإن ما يقرب من 70% من سكان العالم سيعيشون في المدن في غضون 30 عاما فقط.
ولكن هذا النمو سيكون مصحوبًا بالتعقيد والتحديات المتعلقة بالموارد. وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن المدن تستهلك حاليًا ما يقرب من 75% بالمائة من إجمالي الطاقة الأولية في العالم. كما تطلق المدن 70% من انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا، والتي يأتي معظمها من أنشطة البناء والنقل التي تعتمد على مشتقات الكربون بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، فإن سكان المناطق الحضرية معرضون بشكل أكبر من غيرهم لآثار تغير المناخ، وسيستمر ارتفاع منسوب مياه البحر والأعاصير والجفاف وغيرها من الظواهر الجوية القاسية في التأثير على مئات الملايين من سكان المدن.
وفي العام الماضي، حذرت الأمم المتحدة من أن تغير المناخ قد تجاوز الأمراض، ليصبح في المرتبة الأولى بين التهديدات الرئيسية للصحة في المناطق الحضرية، حيث يمكن أن يؤدي إلى عواقب مثل الفقر المدقع، وانهيار الحوكمة والموارد المالية، وانخفاض مصداقية النظام العالمي متعدد الأطراف.
وستكون طريقة استجابة السلطات المدنية عاملًا حاسمًا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، بما يتماشى مع اتفاق باريس.
ما هي المدن الذكية؟
بالتزامن مع نمو أعداد السكان وزيادة التركيز على الاستدامة، تستخدم العديد من السلطات المدنية أدوات ذكية تعتمد على البيانات لإنشاء نظام بيئي يقلل من استهلاك الطاقة، ويحسن الكفاءة، ويتحكم في نفقات الصيانة. ويتجه قادة المناطق الحضرية إلى نماذج المدن الذكية القائمة على البيانات لتعزيز بيئة أكثر ملاءمة للعيش للسكان.
تعتبر المدن ذكية عندما تقوم بدمج تقنية المعلومات والاتصالات في الوظائف الإدارية لتعزيز الكفاءة والتفاعل مع أصحاب المصلحة وتحسين الرفاه وقابلية الحياة للمواطنين.
ويمكن للبرامج الصناعية المتقدمة الآن جمع وتصور وتحليل البيانات من مجموعة واسعة من الخدمات المدنية التي تقوم على أساس رقمي موحد. ومن خلال الرؤية الشاملة، يمكن للفرق اكتشاف الاتجاهات والتنبؤ بالتحديات التشغيلية، ما يحسن الوعي بالمواقف والظروف ويعزز الاستجابة للأزمات – وكل ذلك عبر بوابة واحدة.
وإلى جانب التدابير الاستراتيجية الأخرى مثل مشاركة المجتمع، وأطر السياسات، والاستثمار في البنية التحتية، وبرامج التوعية، يمكن للتقنيات الرقمية أن تساعد في إنشاء مناطق حضرية أكثر استدامة وصلاحية للحياة.
ومن خلال مقياس واحد فقط، يمكن للحلول الرقمية المتاحة حاليًا أن تحقق ما يصل إلى 20٪ من تخفيض استهلاك الطاقة اللازم لتحقيق مسارات الحياد المناخي التي حددتها وكالة الطاقة الدولية للعام 2050 في صناعات الطاقة والمواد والتنقل، وفقًا لتحليل أجرته شركة أكسنتشر و المنتدى الاقتصادي العالمي.
كيف يعالج مخططو المدن المشاكل الحضرية
بالنسبة للمدن الخمس التالية، أصبحت فوائد تطبيق التقنيات الذكية واضحة بالفعل على أرض الواقع:
- نظام مركزي لتعزيز إدارة الموارد بشكل آنيّ: بفضل الأنظمة الرقمية المتقدمة، يمكن للمرافق الخدمية جمع وتحليل البيانات التشغيلية بشكل آني، ما يجعلها أكثر كفاءة وابتكارًا، ويمكنها من تقديم خدمة أفضل للعملاء. وهذه هي تجربة مدينة برشلونة في إسبانيا، حيث تعمل منصة التحكم المنسقة مركزيًا تماما كما يعمل الجهاز العصبي المركزي، إذ تقوم المنصة بنقل واستقبال المعلومات من شبكة من أجهزة الاستشعار في جميع أنحاء المدينة. وباستخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، يمكن للمخططين مراقبة العمليات الحضرية وتحسينها فورًا. على سبيل المثال، يمكن إيقاف ري الحدائق عن بعد عند تغير الظروف الجوية. وبهذا أصبحت إدارة الموارد الآن أكثر كفاءة، وتحسن مستوى قابلية العيش – في حين تحافظ برشلونة على مكانتها كمدينة ذكية مستدامة.
- تحليلات البيانات لتقليل استهلاك الطاقة عبر البنية التحتية البلدية: لا يزال استخدام الطاقة يمثل تحديًا للمدن، ولكن يمكن تحسينه عبر المرافق الحضرية من خلال المراقبة الآنية واستخدام تحليلات البيانات المدعمة بالذكاء الاصطناعي. تهدف شركة بيمبري تشينشواد البلدية (PCMC)، في ولاية ماهاراشترا الهندية، إلى أن تصبح المدينة الأكثر ملاءمة للعيش في الهند بحلول عام 2030 وتكون بمثابة منارة للمدن الذكية في البلاد. وباستخدام نهج قائم على البيانات لتقديم الخدمات، عززت PCMC سلامة ورفاه السكان البالغ عددهم مليوني نسمة. وقد شهدت أجهزة القياس الذكية انخفاضًا في استخدام الطاقة والانبعاثات بنسبة 15-20%. وفي الوقت نفسه، أدت مزامنة إشارات المرور إلى تقليل الازدحام داخل المدن بنسبة 20 إلى 25%، مما أدى إلى خفض التلوث وتسريع حركة المرور.
- تقنيات الطاقة المتجددة من أجل ظروف معيشية أفضل: نظرًا لأن تغير المناخ أصبح الآن أولوية ملحة، تستخدم المدن الذكية الأنظمة الرقمية لتسريع اعتماد الطاقة النظيفة وتسهيل الانتقال نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة. تعد سياتل، في ولاية واشنطن، واحدة من أكثر مدن الولايات المتحدة وعيًا بالبيئة، وبقيت مرافقها التي تحمل اسم “سيتي لايت” محايدة للكربون منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وذلك بفضل مزيج الطاقة الذي يتكون إلى حد كبير من الطاقة الكهرومائية (84٪)، إلى جانب مصادر الطاقة النظيفة الأخرى، بما في ذلك الطاقة النووية وطاقة الرياح والغاز الحيوي. ولضمان بقاء البنية التحتية للطاقة مرنة وآمنة، تستكشف الشركة الآن تحديث الشبكة، وبدأت مؤخرًا في إنشاء مشروع تجريبي لشبكة الطاقة الشمسية الصغيرة في حي كابيتول هيل. وسيؤدي التحول المستمر إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون لاستفادة سكان سياتل من حيث تحسين جودة الهواء وكفاءة الطاقة ونوعية الحياة.
- التنبؤ بأنماط النقل لتعزيز المرونة: يشكل النقل الحصة الأكبر من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة لما يقرب من نصف دول العالم (45٪)، وفقا للأمم المتحدة. لكن إقناع سكان المناطق الحضرية بالتحول إلى وسائل النقل العام يتطلب شبكة واسعة وآمنة ويمكن الوصول إليها على نطاق واسع وتعمل في أوقات محددة ودقيقة. تمتلك سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، أطول نظام مترو في العالم، يتنقل عبره 2.6 مليار مسافر سنويًا. ولتعزيز خدماتها، تبتعد المدينة عن الصيانة المجدولة لتنتقل إلى نظام أكثر تنبؤية يساعد في منع المشكلات قبل حدوثها، وذلك بفضل التقنيات الرقمية مثل البيانات الضخمة والتعلم الآلي. كما يتمتع هذا النظام بمتوسط أقل بكثير لزمن الإصلاح، وعدد أقل بكثير من عمليات الفحص اليدوي بالإضافة إلى خفض تكاليف هندسة المشروع – وكل ذلك يساهم في تقديم خدمة أكثر أمانًا وكفاءة للركاب.
- تدعم البنية التحتية المستدامة خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر. يمكن لحلول المدن الذكية أن تساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الحياد المناخي، مما يساعد على تحسين النتائج حتى في المرافق القائمة. وقد وضعت حوالي 62% من الحكومات في جميع أنحاء العالم استراتيجية استدامة على المستوى المؤسسي، وفقًا لاستطلاع أجرته 451 Research لعام 2023. وتقوم جامعة كاليفورنيا ديفيس، بجمع البيانات من أنظمة الحرم الجامعي المتعددة وتطبيق الخوارزميات لتحسين الكفاءة وتحسين استخدام الطاقة وتبسيط جدولة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء عبر 1000 مبنى. ومن خلال هذه البنية التحتية المستدامة الجديدة، يتوقع الحرم الجامعي تحقيق وفورات متوقعة تبلغ 197 مليون دولار على مدى 60 عامًا، وهو في طريقه لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2025.
البيانات هي الإضافة الأساسية التي تدعم الانتقال الحضري اليوم
القاسم المشترك بين كل هذه المدن هو الطريقة التي تستفيد بها من البيانات الصناعية الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء والسحابة لحل التحديات الحضرية والمساعدة في تسريع إنشاء مدن أكثر استدامة وصلاحية للعيش. والآن، يتم دمج هذه التقنيات في فئة مرنة وقابلة للتطوير من الحلول البرمجية، والتي يشار إليها باسم الذكاء الصناعي كخدمة.
وبفضل قدرتها على إنشاء أنظمة بيئية صناعية قوية ومتصلة – من خلال قدرات الحوسبة والتخزين والذكاء المدمجة – تعمل حلول الذكاء الصناعي كخدمة على تعزيز التعاون داخل الكيانات الصناعية وفيما بينها، فضلًا عن تحسين النتائج المتحققة للمستهلكين.
أما بالنسبة للمدن، فهي وسيلة لزيادة تحسين عملياتها، والحد من استخدام النفايات والموارد، والابتكار المستمرللوصول إلى مستقبل منخفض الكربون، مع تعزيز مشاركة المواطنين، وتحسين الرفاه وقابلية الحياة.