أولي هانسن، رئيس استراتيجيات السلع في ساكسو بنك
تشهد الأسواق المالية العالمية حالياً حالة من الاضطراب الشديد لم تشهده منذ عام 2020. ففي الوقت الذي ساهمت فيه سلسلة من البيانات الاقتصادية الأمريكية الضعيفة على مدار يوليو في تعكير صفو الأسواق وتراجع قطاعات الأسهم المطلوبة، فإن رفع أسعار الفائدة المفاجئ من جانب بنك اليابان في 31 يوليو أدى إلى ما يمكن وصفه بانهيار حاد في الزخم.
علاوة على ذلك، أدت البيانات الاقتصادية الأمريكية الضعيفة وخطاب لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة الحذر الأسبوع الماضي إلى تغيير جذري في معنويات السوق. يخشى المتداولون الآن تكرار أخطاء الماضي، حيث قد يتأخر البنك الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في خفض أسعار الفائدة، ثم يتباطؤون في تنفيذها عند اتخاذ القرار أخيراً. نتيجة لذلك، يعكس السوق حالياً توقعات بخمسة تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس من قبل لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة قبل نهاية العام، وتخفيض بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر.
استجابةً للتراجع الحاد في قيمة الين الياباني، الانعكاسات القوية في سوق الأسهم، وارتفاع أسعار السندات، أشار ساكسو بنك في تقريره اليومي عن الأسواق العالمية:
“شهدت معنويات السوق تحولاً دراماتيكياً خلال الشهر المنصرم. انتقلنا من بيئة عالية الثقة، تركيز قياسي على مؤشر الأسهم، وتوقعات شبه معدومة بتخفيضات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، إلى سوق يسعر حالياً خمس تخفيضات في أسعار الفائدة الأمريكية بحلول نهاية العام وتراجع حاد في أسواق الأسهم اليابانية. يُعزى التوجه قصير الأمد حالياً إلى تنفيذ استراتيجيات إدارة المخاطر على نطاق واسع من قبل المستثمرين المؤسسين. مع الارتفاع الملحوظ في قياسات CVaR (القيمة الشرطية للمخاطر – مقياس رئيسي لإدارة المحافظ)، بات على صناديق الاستثمار خفض تعريضها للمخاطر. وتفاقمت هذه التحركات الشاملة بعوامل أخرى مثل جني الأرباح من استثمارات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الين الياباني (مما أدى إلى زيادة تكلفة التمويل)، وتركيز قياسي على مؤشر سوق الأسهم الذي سجل أعلى مستوى له منذ 90 عاماً قبل ثلاثة أسابيع فقط. سيتحدد التوجه المتوسط الأمد بالبيانات الاقتصادية الواردة. ما زلنا نحتفظ بتفاؤل حذر بشأن الاقتصاد ونعتقد أن احتمال الركود لا يتجاوز 33% في الوقت الحالي. لا تزال هناك العديد من المؤشرات الاقتصادية عالية التردد التي لا تتوافق مع سيناريو انحدار الاقتصاد في ركود.”
تُظهر الرسوم البيانية تقلبات الأسعار الأخيرة لزوج الدولار الأمريكي والين الياباني ومؤشر ناسداك 100، مع تسليط الضوء على العلاقة بين الين وميل السوق للمخاطرة.
أدت عملية خفض المراكز المالية الجارية والمذكورة سابقاً إلى انخفاض مؤشر ناسداك 100 ومؤشر نيكي الياباني إلى أدنى مستوياتهما في ثلاثة وتسعة أشهر على التوالي. بالتزامن مع ذلك، تراجع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين إلى 3.8% في ظل توقعات السوق بخمسة تخفيضات في أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار 25 نقطة أساس خلال العام الحالي.
كما سبق ذكره، يعد مستوى التقلبات السائدة عاملاً رئيسياً في تحديد حجم المراكز التي يُسمح للمستثمرين بالاحتفاظ بها وفقاً للقواعد الاستثمارية المحددة مسبقاً. خلال فترة ثلاثة أسابيع فقط، شهد مؤشر تقلبات أسهم مؤشر ستاندر آند بورز 500، ارتفاعاً حاداً من أدنى مستوى له منذ ست سنوات ليقترب من 10% إلى أعلى مستوى له منذ أربع سنوات ليتجاوز 40%. أدى هذا التغيير الكبير إلى حدوث انخفاض حاد في السوق، الأمر الذي قد يؤدي إلى تباعد أسعار الأصول عن قيمها الأساسية. ومن المتوقع أن تعاد ضبط هذه الأسعار بعد استقرار الأسواق.
في قطاع السلع الأساسية، تواجه السلع الحساسة لدورات النمو الاقتصادي، بما في ذلك الطاقة والمعادن الصناعية، ضغوطاً نتيجة توقعات تباطؤ النمو العالمي، لا سيما في الصين والولايات المتحدة حيث تتزايد احتمالات الركود. علاوة على ذلك، أدى ارتفاع التقلبات السوقية إلى تقليص التعرض للمخاطر من جانب المتداولين ذوي الرافعة المالية، مما أسهم في انتقال الضغوط من أسواق الأسهم إلى أسواق السلع الأساسية.
تتصدر العقود الآجلة لخام النفط والغاز الطبيعي الأمريكي الانخفاض في ظل مخاوف تراجع الطلب وذلك بالرغم من حالة التوتر في الشرق الأوسط، حيث يراقب المتداولون احتمال ضربة انتقامية ضد إسرائيل من قبل إيران. ومع ذلك، قد يجبر هبوط برنت إلى ما دون 80 دولار منظمة أوبك + على التخلي عن خطط زيادة الإنتاج في أكتوبر، وهي الخطوة التي قد تكون ضرورية في هذه المرحلة لتحقيق استقرار الأسعار. في الوقت الحالي، يتم تسعير علاوة المخاطر الجيوسياسية بشكل أساسي في أسعار الغاز الأوروبية، والتي ارتفعت بنسبة 13٪ الأسبوع الماضي وسط مخاوف بشأن الإمدادات والطلب القوي على الغاز الطبيعي المسال الصيفي في آسيا. كما حافظ النحاس، الذي يتعرض أيضاً لضغوط، حتى الآن على أعلى مستوى للدعم بعد أن فاق مؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات الصيني التوقعات، مما ساعد على تخفيف المخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية الصينية بحسب ساكسو بنك.
يظل الذهب، وبدرجة أقل الفضة، المعدنين المفضلين في ظل حالة الاضطراب الحالي، ولكن بالنظر إلى تركيز التعرض الحالي من قبل صناديق الرافعة، لم يكن الذهب بمنأى عن البيع من قبل الصناديق التي تخفض مراكزها الإجمالية وسط ارتفاع مؤشر المخاطر المتوقعة. سلط تقرير التزام المتداولين الأخير الذي يغطي المراكز التي تحتفظ بها صناديق الرافعة المالية عبر سوق العقود الآجلة الرئيسية في الأسبوع المنتهي في 30 يوليو الضوء على هذا التركيز مع حيث بلغ التعرض الصافي الطويل الاسمي في الذهب 46 مليار دولار يليه النفط الخام (خام غرب تكساس وبرنت) في المرتبة الثانية بفارق كبير عند 22 مليار دولار، مع القهوة (روبوستا وأرابيكا) في المرتبة الثالثة عند 6 مليار دولار.
ما زلنا نحتفظ بتقييم إيجابي شامل للذهب كأداة تحوط متنوعة ضد تقلبات الأسواق. وفي ظل تزايد احتمالية تخفيض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، من المتوقع عودة المستثمرين الحساسين لأسعار الفائدة إلى الذهب عبر صناديق الاستثمار المتداولة، بعد أن كانوا بائعين صافين منذ بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حملته لرفع أسعار الفائدة في عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، أشرنا في تقريرنا الأخير إلى عوامل أخرى تدعم الاستثمار في المعادن الثمينة.